دخل مشروع الطائرات المسيَّرة الإيرانية ضمن رادار الاستهداف الإسرائيلي بشكل مكثف خلال العام الجاري، وبالأخص بعد محاولة طهران إرسال طائرتَين مسيَّرتَين محمَّلتين بالمسدسات الخفيفة وبعض العتاد العسكري إلى قطاع غزة في 14 فبراير/شباط الماضي، أملاً في أن تتمكن المسيّرات ذات البصمة الرادارية الخفيفة من الإفلات من منظومات الرادار الإسرائيلية. ولكن لم تنجح المحاولة الإيرانية؛ إذ رصدت رادارات الجيش الأمريكي بالخليج العربي الطائرتين، وأسقطتهما مقاتلتان أمريكيتان فوق أربيل شمال العراق.
الرد الإسرائيلي السريع
ردَّت تل أبيب على المحاولة الإيرانية المذكورة بشكل سريع ومباغت في اليوم التالي مباشرة؛ حيث هاجمت 6 طائرات إسرائيلية مسيَّرة قاعدة الحرس الثوري الجوية في كرمانشاه غرب إيران التي انطلقت منها الطائرتان نحو غزة، ودمرت الغارة الإسرائيلية عشرات الطائرات المسيَّرة الإيرانية الجاثمة فوق الأرض، في هجوم مفاجئ اكتفى الحرس الثوري وقتها بالتنويه عنه بشكل محدود عبر الإعلان عن اندلاع حريق في مستودع خاص بزيت المحركات في القاعدة المذكورة، ولكن في شهر مارس/آذار كشفت صحيفتا هآرتس ونيويورك تايمز عن حقيقة ما حدث. وفي منتصف مايو/أيار أقر اللواء حسين سلامي، قائد الحرس الثوري، بمحاولة إرسال الطائرتين المسيَّرتين إلى غزة.
لم يتوقف الرد الإسرائيلي عند قصف قاعدة كرمانشاه الجوية، إنما ثنت تل أبيب بهجوم ثانٍ في شهر مايو/أيار استهدفت خلاله طائرات مسيَّرة انتحارية وحدة تطوير الطيران المسيَّر في مجمع بارشين للصناعات العسكرية شرق طهران. واكتفى الجيش الإيراني بإصدار بيان أعلن خلاله تعرُّض المجمع لحادث جارٍ التحقيق في خلفياته، أسفر عن مقتل مهندس شاب وإصابة آخر.
الهجوم الأخير على مجمع بارشين وضع طهران في حرج؛ إذ الطيران المسيَّر الانتحاري ذو مدى قصير، ولا يمكن أن يصل للمجمع المستهدف سوى في حال إطلاقه من داخل الأراضي الإيرانية، وهو ما يعني أن إسرائيل لا تمتلك فقط بيانات دقيقة عن مشروع الطائرات المسيّرة الإيرانية إنما أيضاً تمتلك فرقاً عملياتية داخل إيران يمكنها تنفيذ تلك النوعية من الهجمات، وهو ما يضاف إلى رصيد إخفاقات الاستخبارات الإيرانية في إيقاف سلسلة الهجمات الإسرائيلية داخل إيران ضد علماء نوويين، وصولاً إلى قادة عسكريين، آخرهم العقيد بفيلق القدس حسن خدائي الذي قُتل بخمس رصاصات أطلقها عليه شخصان يمتطيان دراجة نارية قرب منزله بطهران في 22 مايو/أيار الماضي.
تطوّر مشروع الطائرات المسيَّرة الإيرانية
في ظل العقوبات الغربية على إيران إثر إسقاط نظام الشاه، أصبح من الصعب على طهران تطوير قوة جوية تقليدية، وبدأت في استخدام الطائرات المسيرة من طراز "مهاجر1″ و"أبابيل1" منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي في عمليات الرصد والاستطلاع خلال حربها مع العراق.
وبمرور السنوات عملت إيران على تطوير قدراتها في صناعة الطائرات المسيرة؛ حيث انتقلت من مرحلة إنتاج طائرات الرصد والاستطلاع إلى القدرة على إنتاج طائرات تحمل أسلحة هجومية تعمل بالليزر والأشعة تحت الحمراء. وقد استفادت طهران من محاكاة بعض الطائرات المسيَّرة الأمريكية التي سقطت فوق الأراضي الإيرانية خلال تنفيذها عمليات رصد، كما عملت على تشجيع الجامعات على البحث والتطوير في مجال صناعة الطائرات المسيَّرة مثل جامعة "الشهيد ستاري للعلوم والتقنيات الجوية".
ووفقاً لتصنيف الناتو الذي يعتمد على الوزن الأقصى للحمولة الصافية للطائرة المسيرة، تُصنف الطائرات التي يتراوح وزنها من 15 إلى 150 كيلوغراماً على أنها صغيرة، ومن 150 إلى 600 كيلوغرام على أنها متوسطة، وما فوق 600 كيلوغرام على أنها ثقيلة. وتملك طهران حالياً طائرات ضمن التصنيفات الثلاثة، فطائرة مهاجر 2 خفيفة الوزن، وطائرة مهاجر 4 متوسطة الوزن، بينما تندرج طائرة شاهد 129 ضمن الفئة ثقيلة الوزن.
وخلال العام الجاري، وبالتحديد في يوم 18 أبريل/نيسان، استعرض الجيش الإيراني خلال احتفاله بيوم الجيش أحدث طائرة مسيرة ضمن أسلحته، وهي طائرة "كمان 22" التي وصفها بأنها طائرة استراتيجية يبلغ وزنها 1.5 طن، وطول جناحها 17 متراً، وتحمل 300 كيلوغرام من الأسلحة والذخائر من بينها صاروخان موجهان بالليزر، فضلاً عن 4 قنابل موجهة، ويصل مداها إلى 3 آلاف كم، أي أنها قادرة على الوصول إلى إسرائيل. وكذلك أعلن الحرس الثوري الانتهاء في شهر أبريل/نيسان الماضي من اختبار طائرة "غزة" المسيرة التي يمكنها التحليق لمدة 35 ساعة متواصلة بحمولة من الذخائر تبلغ 500 كيلوغرام.
أما التطور الأبرز، والذي جاء بعد أسبوعين من الغارة الإسرائيلية على قاعدة كرمانشاه الجوية، فهو إزاحة الستار عشية الاحتفال بيوم الحرس الثوري الإيراني في 5 مارس/آذار الماضي عن قاعدة طائرات مسيرة تحت الأرض، يمكن من خلالها إطلاق 60 طائرة مسيرة يبلغ مداها 2000 كيلومتر في وقت متزامن، وذلك في رسالة تهدف لردع إسرائيل.
دور الطائرات المسيّرة في الاستراتيجية الإيرانية
تركز طهران على إنتاج الطائرات المسيرة لسهولة تصنيعها ورخص تكاليفها مقارنة بالطائرات المقاتلة، ولتعزيز قدراتها على الردع، وللوصول إلى أماكن يصعب على القوات التقليدية الوصول إليها، وللاستفادة من قدراتها على الإفلات من الرادارات مقارنة بالصواريخ الباليستية، فضلاً عن توفير موارد مالية عبر بيعها لدول أخرى، ففي شهر مايو/أيار المنصرم افتتح اللواء محمد باقري، رئيس أركان الجيش الإيراني، في طاجيكستان مصنعاً لإنتاج طائرات استطلاع مسيرة طراز أبابيل، وأخيراً للاستفادة من إمكانية توظيف الطائرات المسيّرة في تنفيذ هجمات يمكن التنصل منها، وهو ما تجلى في الهجوم الواسع بمزيج من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على مصافي النفط التابعة لشركة أرامكو في سبتمبر/أيلول 2019، مما أدى إلى تعطل تصدير نصف إنتاج النفط السعودي بشكل مؤقت، وهو هجوم تبناه الحوثيون، لكن الجهات الاستخبارية الغربية ترجح انطلاقه من داخل إيران أو العراق.
وقد لفت الهجوم على منشآت النفط السعودية في عام 2019 الانتباه في تل أبيب إلى خطورة الطائرات المسيَّرة الإيرانية، وقدرتها على شن هجمات مدمرة تتخطى الخطوط الحمراء، ثم جاءت الهجمات بطائرات مسيَّرة إيرانية الصنع من طرف الحوثيين على الإمارات في مطلع عام 2022؛ لتدفع إلى الطاولة خيار بناء منظومة دفاع صاروخي إقليمي بين إسرائيل وبعض دول الخليج، وهو ما تزامن مع تكثيف تل أبيب لجهودها في استخدام الليزر عسكرياً، فأجرت تجربة ناجحة في مارس/آذار الماضي تمكن خلالها الليزر من اعتراض الصواريخ والطائرات المسيَّرة من مسافة تبلغ 18 كيلومتراً.
وتذهب التقديرات الإسرائيلية إلى أن منظومة الليزر ستدخل الخدمة بحلول عام 2027، وهو ما سيمثل ثورة في أنظمة الدفاع الصاروخي سيجعلها أقل تكلفة وأسهل استخداماً، وستحد من فاعلية الطائرات المسيَّرة والصواريخ الإيرانية، ولكن بانتظار تلك المرحلة تعمل إسرائيل على تقويض قوة الطائرات المسيَّرة الإيرانية عبر قصف قواعدها، واستهداف أماكن تطويرها، وهو ما يندرج ضمن تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت خلال اجتماع لحكومته في 29 مايو/أيار بأن "عصر حصانة النظام الإيراني قد انتهى، وأن الذين يمولون ويرسلون ويسلحون الإرهابيين سيدفعون الثمن بالكامل".
توجد الكرة حالياً في ملعب إيران، فهل ستنجح في تطوير قدراتها وردع إسرائيل والرد على هجماتها أم ستتلقى الضربات دون رد يحفظ ماء الوجه أمام الداخل الإيراني والحلفاء؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.