استخدم الصيادون أحمر الشفاه قبل خمسة آلاف عام قبل الميلاد أثناء رحلاتهم في الصيد، والكهنة في طقوسهم الدينية لأغراض دينية، واستخدمه الرجال أيضاً لجذب النساء، وكانوا يلونون شفاههم باستخدام بودرة الأحجار الكريمة، أي أنه أول من استخدم أحمر الشفاه الرجال وليس النساء؛ حيث بدأت النساء في استخدامه لاحقاً في بلاد ما بين النهرين.
وأول من صنع أحمر الشفاه المتداول اليوم هو العالم أبو القاسم الزهراوي في القرن الثامن، أما اليوم في وقتنا الحاضر فقد أصبح أحمر الشفاه مؤشراً اقتصادياً مهماً، خاصة في فترات الانكماش الاقتصادي، والركود، أو الأشخاص ذوي الدخل المحدود، أو الذي يمرون بضائقة مالية ولا يجدون المال لشراء السلع باهظة الثمن، أو الكماليات الثمينة، لكنهم في المقابل يجدون بعضاً من النقود في جيوبهم لشراء منتجات فاخرة وصغيرة مثل أحمر الشفاه.
ظهر "أحمر الشفاه" بشكله المعاصر في عام 1973 بنكهات الفاكهة المتنوعة، ومع حلول عام 2000 شهد أحمر الشفاه إقبالاً كبيراً من بين مستحضرات التجميل مبيعاً حول العالم، وأصبح هذا القلم الصغير أداة أساسية في حقيبة كل سيدة تعتني بجمالها، ومظهرها الخارجي.
في عام 2001 لاحظ ليونارد لودر، رئيس شركة مستحضرات التجميل "ايستي لودر" الأمريكية، زيادة في مبيعات أحمر الشفاه أثناء فترة الكساد الاقتصادي الكبير، وفي فترة الانتعاش الاقتصادي لاحظ انخفاضاً في مبيعات أحمر الشفاه، أي إن هناك علاقة عكسية ما بين الوضع الاقتصادي السائد وأحمر الشفاه.
كما أن هذا الأمر ينطبق أيضاً على طلاء الأظافر، ويمتد هذا الأمر ليشمل جميع أنواع مستحضرات التجميل من الدرجة الأولى.
"أثر أحمر الشفاه"
يشير مصطلح "أثر أحمر الشفاه" إلى الحالة التي يستمر فيها المستهلكون بإنفاق أموالهم على الاهتمامات والأشياء الصغيرة في فترات الركود والكساد الاقتصادي، أو إلى الحالة التي يملك فيها الأشخاص مبالغ مالية قليلة لا تمكنهم من شراء الأشياء الفخمة باهظة الثمن، لكنهم يستمرون بدلاً من ذلك بمحاولة إيجاد الأموال لشراء الأشياء الفخمة الصغيرة مثل أقلام أحمر الشفاه غالية الثمن، لهذا تميل الشركات التي تنتفع من هذا الأثر إلى أن تكون مرنة ومتأقلمة حتى في فترات الكساد.
ويمكن القول إن أثر أحمر الشفاه سبب من الأسباب والدوافع التي أدت إلى جعل القطاعات الترفيهية والمنتجات الضخمة والفخمة وغالية الثمن أن تعمل بشكل جيد في الأوقات التي يشهد العالم فيها أزمة اقتصادية؛ حيث يلجأ المستهلكون الذين يعانون من ضائقة مالية إلى خيارات تساعدهم على تناسي أزماتهم المالية.
الجدير بالذكر ضرورة عدم الخلط بين مصطلح "أثر أحمر الشفاه" ومصطلح "مستثمري أحمر الشفاه"، الذي يُعد مصطلحاً دارجاً يعبر عن سيدات الأعمال اللاتي يبعن مستحضرات التجميل أو المنتجات والخدمات الخاصة بالنساء.
تأثير الدخل
أثر أحمر الشفاه شكل من أشكال "تأثير الدخل"، بمعنى أن الاقتصاديين يعملون على خفض طلب المستهلكين لمنتج معين، يتبع هذا المنتج لعلامة تجارية معينة، حيث يتم استبداله بمنتج مشابه وأرخص لغير شركة، مع انخفاض أو تغير في جودة بعض مواصفاته، وهذا يسمى "تأثير الاستبدال".
يُعد مصطلح "أثر أحمر الشفاه" تابعاً لما يطلق عليه علماء الاقتصاد "أثر الدخل"؛ إذ يحلل علماء الاقتصاد الطلب لمنتج ما بناءً على مزيج من التأثيرات، من ضمنها سعر سلعة ما مقارنةً بالسلع الأخرى، ما يُعرف بمصطلح "أثر الاستبدال"، ودخل المستهلك الذي يُطلق عليه "أثر الدخل".
في حالة السلع العادية التقليدية، عند ارتفاع الدخل يرتفع الطلب عليها، لكن في حالة "السلع الرديئة" ينخفض الطلب عليها عند ارتفاع الدخل والعكس بالعكس، يُعد مثال منتجات البيرة المحلية مثالاً تقليدياً لهذا النوع من السلع.
هذا ما يحدث في حالة أثر أحمر الشفاه، فعند انخفاض دخل المستهلك يتخلى الفرد تلقائياً عن المشتريات الباهظة المعتادة التي لا يمكنه شراؤها، وبدلاً من ذلك ينفق دخله المتوفر على أشياء فخمة أصغر وأقل قيمة.
عُد أثر أحمر الشفاه أحد الأسباب التي تساعد مطاعم الوجبات السريعة التقليدية ومجمعات صالات عرض الأفلام على الأداء الجيد خلال فترات الركود الاقتصادي؛ إذ يرغب المستهلكون محدودو الدخل بمكافأة أنفسهم بشيء يمنحهم القدرة على نسيان مشكلاتهم المالية، فهم لا يستطيعون السفر في عطلة إلى منتجع فخم، فيلجأون بدلاً من ذلك إلى قضاء ليلتهم بمتابعة فيلم في مكان رخيص نوعاً، ويضبطون ميزانيتهم وفقاً لذلك.
مبدأ أساسي نظري آخر لـ"أثر أحمر الشفاه" هو أنه خلال فترات الركود الاقتصادي، كالفترة الحالية، تميل أسواق العمل أن تكون أكثر تنافسية، ما يدفع الباحثين عن فرص العمل إلى الإنفاق على المنتجات التي تزيد من فرصهم مقارنةً بباقي المرشحين، للتمكن من الحصول على وظيفة ما أو المحافظة عليها، إضافةً إلى الانتباه إلى الجوانب النظرية الأخرى لطلبات سوق العمل، مثل استخدام مستحضرات تجميل أكثر أو أفضل، تفسر مثل هذه التأثيرات المؤشرات الاقتصادية الموثوقة وغير التقليدية مثل مؤشر "الملابس الداخلية الرجالية" و"النادلة الجذابة".
على كلٍّ، تكمن المشكلة الأساسية لمؤشر أحمر الشفاه في صعوبة وصول العامة إلى بيانات مبيعات أقلام أحمر الشفاه والمنتجات الشبيهة الأخرى لفترات منتظمة أسبوعية أو شهرية. وفي العام 2009، تم إجراء اختبار أثر أحمر الشفاه من قِبَل مجموعة من الاقتصاديين باستخدام التحليل الإحصائي، وتم التوصل إلى استنتاج مهم؛ هو أن الظاهرة مُبالَغ بها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.