تزايدت في هذه الأيام جرائم جنود الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة، من خلال عدة جرائم قتل مباشرة بدم بارد ودون مقاومة، نتج عنها حتى الآن استشهاد الطفل عودة صدقة، والأسير المحرر أيمن محيسن، والشاب بلال كبها، ومن قبلهم الصحفية غفران هارون. وهذه الجرائم هي نتائج تعليمات مؤكدة لجنود الاحتلال من قياداتهم العسكرية والسياسية، بحيث يتم تحقيق نتائج سياسية وأمنية.
الأهداف الأمنية تتلخّص في محاولة فرض هيبة لجهاز أمني أثبت هشاشته، بعد سلسلة عمليات استشهادية خلال شهر رمضان، فشل الجهاز الأمني الإسرائيلي في رصدها قبل حدوثها، وكذلك تهدف هذه العمليات إلى بث الرعب بشكل استباقي؛ لتجنب حدوث عمليات استشهادية جديدة.
هذا الجانب ليس بالجديد، فقد سبق لحكومات الاحتلال السابقة أن قامت بردود فعل مشابهة، بعد عمليات نجح في تنفيذها شبان فلسطينيون، سواء بشكل فردي أم من خلال تنظيم فلسطيني، وعلى سبيل المثال لا الحصر: الشهيدان عماد عقل ويحيى عياش، وهذا ما يثبت فشل الجهاز الأمني للاحتلال؛ حيث إن استمرار هذه العمليات يؤكد أن الأهداف الأمنية لم تتحقّق سابقاً ولن تتحقق حالياً، فاستخدام الحلول نفسها التي فشلت في تحقيق الأهداف الأمنية سابقاً لن يؤدي إلى أية نتائج حالياً.
الأهداف السياسية لجرائم القتل هي محاولة إطالة عمر حكومة هشة غير متجانسة، حتى لو كان ذلك عن طريق قتل الأبرياء، وإصرار حكومة بينيت على مسيرة الأعلام العنصرية لتثبيت أقدامها في الحكم، من خلال البحث عن شعبية في المجتمع اليهودي.
والمجتمع اليهودي، غير المتجانس أصلاً، يعيش دون مبادئ أو قيم، ويكفي أنه يعيش كمحتل وسارق على أرض محتلة لها أهلها وشعبها الذين يكافحون يومياً من أجل استرداد وطنهم المسلوب، فهل يمكن لسياسي عاقل أن يراهن على هذه النوعية من البشر في تحقيق أهدافه؟ طبعاً لا يمكن، وأحد الشواهد هو نتنياهو الذي قدّم كلّ شيء من أجل الاستمرار في الحكم، وفي نهاية المطاف تمّ لفظه وطرده خارج المسرح.
المنهج الفكري الإسرائيلي منذ نشأته على أرض فلسطين يقوم على 3 محاور مترابطة؛ هي: القتل والتهجير والاستيطان، وهذا المنهج ثابت ومستمر منذ بداية مجازر العصابات الصهيونية، التي تحوّلت لاحقاً إلى جيش الاحتلال عندما ارتكبت مجازر بلدة الشيخ ودير ياسين والرملة واللّد وقرية أبو شوشة وقلقيلية وخان يونس وغيرها الكثير من المجازر، وهدفت في حينها لتهجير أصحاب الأرض، ومن ثم إقامة المستوطنات وتمليكها لقطعان المستوطنين المرتزقة.
هذا النهج مستمر، وكل جريمة قتل يقوم بها جيش الاحتلال يكون هدفها العميق من هذا المنطلق، بينما هدفها المعلن أمام العالم الغربي والمجتمع اليهودي أهداف أمنية وسياسية؛ بحيث تجد لها مؤيدين ومحامي دفاع.
وأراضي حيّ الشيخ جراح هي أحد الأهداف المرحلية؛ حيث يطلق الاحتلال قطعان المستوطنين المرتزقة بين الحين والآخر لمضايقة أهالي الحيّ المقدسي؛ من أجل الاستيلاء على بيوتهم عنوة كما فعل كيانهم ومستعمراتهم سابقاً.
هذه النوعية من البشر لا يمكن مواجهة نهجِهم الدموي بمنطق السلام والحوار، فقد حاول الرؤساء العرب كثيراً من خلال مفاوضات متعددة، والنتيجة أنّ الاحتلال لم يحترم تلك الاتفاقيات.
لذلك فإن مقاومة الشعب الفلسطيني هي أحد أبرز السبل في التعامل مع الاحتلال، ودعم هذه المقاومة معنوياً ومادياً وإعلامياً كمشروع إستراتيجي مفيد للمنطقة، بعكس التطبيع المجاني مع المحتل، خصوصاً مع وجود أهداف توسُّعية للاحتلال، حسب المنطق اليهودي، بأن الله تعالى قد وعد موسى، عليه السلام، بأرض الميعاد من نهر النيل إلى نهر الفرات.
إنّ منهج الإسرائيليين قد تجاوز كلّ الحدود والمواثيق والأعراف البشرية والسماوية، وذلك على مرأى ومسمع العالم أجمع، بل إن ذلك يتمّ بدعم من أغلب دول العالم الغربي، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، فهل هنالك أي حكمة في طلب الدعم لمواجهة الاحتلال من هذه القوة التي تبنت وجود الكيان المحتل؟ هل يعقل أن تتخذ أمريكا أي إجراء ضد الكيان الوظيفي الذي ترعاه؟ الجواب بالمطلق: لا يمكن، ولذلك فإن المنطق السليم ألاّ نتخلّى عن المقاومة الفلسطينية؛ لأنّ في قوتها ما يجعل لنا الأمل في استرداد الأرض المحتلة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.