يؤمنون بأنه اليوم الذي تجلى فيه الرب على جبل سيناء.. ما قصة عيد الأسابيع الذي يحتفل به اليهود؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/06 الساعة 13:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/06 الساعة 13:12 بتوقيت غرينتش

يعتبر هذا العيد أحد الأعياد الثلاثة الكبرى التي تحددها التشريعات التوراتية، والتي يحتفل بها اليهود بشكل سنوي، وتتوافق بداية هذا العيد مع وقت جمع محصول الحنطة، ولذلك فإنه يسمى أيضاً عيد الحصاد.

وقد سمي هذا العيد عيد الأسابيع؛ لأن الرب أمر بني إسرائيل بإحصاء سبعة أسابيع من بداية عيد الفصح، ثم يحتفلون في اليوم الخمسين بعد انقضاء هذه الأسابيع السبعة بعيد الأسابيع. ومن هنا وبسبب هذه الأسابيع جاءت تسمية هذا العيد. ويطلق التقليد اليهودي على هذه الأيام الخمسين التي تمتد من بداية عيد الفصح وحتى يوم الاحتفال بعيد الأسابيع تسمية عُومِر.

التسمية الإنجليزية لهذا العيد جاءت مأخوذة من الكلمة اليونانية Pentecost التي تعني الخمسين في اليونانية وهي بذلك تتسق مع قدوم العيد في اليوم الخمسين من أيام العومر.

والأصل في كلمة عومر أنها تعني حزمة الحنطة التي يتم جمعها في بداية موسم الحصاد، والتي يتم تقديمها قرباناً للرب، وبداية من يوم تقديمها يحسب بنو إسرائيل خمسين يوماً حتى يأتي موعد الاحتفال بعيد الأسابيع وهو نهاية فترة العومر هذه. "كلم بني إسرائيل وقل لهم: متى جئتم إلى الأرض التي أنا أعطيكم وحصدتم حصيدها، تأتون بحزمة أول حصيدكم إلى الكاهن، فيردد الحزمة أمام الرب للرضا عنكم.. ثم تحسبون لكم من غد السبت من يوم إتيانكم بحزمة الترديد سبعة أسابيع تكون كاملة إلى غد السبت السابع تحسبون خمسين يوماً ثم تقدمون تقدمة جديدة للرب" (سفر اللاويين 23: 10 – 11، 15 – 16).

عيد الأسابيع

لكن رأياً آخر أضاف معنى مختلفاً لتسمية هذا العيد معتمداً على تعدد معنى كلمة شفوعوت في العبرية؛ فكلمة شفوعوت هي جمع لواحدة من كلمتين: أولاهما شافوَع وتعني أسبوعاً، والأخرى شفوعاه بمعنى يمين أو قَسَم، وفي حالة أخذنا بالمعنى الأخير يكون معنى العيد هنا عيد القسم، ومن قال بهذا المعنى ربطه بما أقسم عليه الرب من أنه لن يستبدل أبداً أي شعب آخر ببني إسرائيل.

خلال عصر التلمود أطلق على عيد الأسابيع اسم عصيرِت/عتصيرت (حيث ينطق حرف الصاد تس أو تص) بمعنى "الإيقاف أو الإغلاق أو الامتناع" والتي حملت تأويلات عدة عند الحاخامات؛ منها أن بني إسرائيلي يوقفون أنفسهم في هذا العيد لعبادة الرب، ويمتنعون عن العمل فيه، ومنها أنها تعني العيد الذي ينهي فترة العومر المذكورة أعلاه، وفسرها فريق ثالث بأنها تعني إقفال المخازن على محصول القمح أو الشعير. ومن معاني كلمة عتصيرت أيضاً الاجتماع وهو المعنى الذي سيؤول اللفظ إليه في المسيحية، التي أخذت لفظة عصيرت العبرية وحورتها تحويراً طفيفاً فأطلقت على هذا العيد اسم العنصرة.

يسمى هذا العيد أيضاً باسم (عيد إعطاء توراتنا = زمَن متَن تُوراتينو) على اعتبار اعتقاد اليهود بأن الرب تجلى في مثل هذا اليوم على جبل سيناء وأعطى التوراة لبني إسرائيل، كما يسمى كذلك عيد البواكير لأن مزارعي بني إسرائيل يبدأون إحضار بواكير ثمارهم إلى الهيكل بداية من عيد الأسابيع ويستمرون في ذلك حتى قدوم عيد المظال.

وبينما يتفق علماء اليهود على أن الاحتفال السنوي بهذا العيد يكون في شهر سيوان/سيفان، وهو الشهر التاسع في شهور السنة العبرية طبقاً للتقويم المعتمد حالياً، إلا أن ثمة ملاحظة بسيطة في أن العهد القديم حينما حدد موعد الاحتفال بعيد الأسابيع ربطه باليوم الخمسين بعد أول أيام عيد الفصح/الفطير الذي يحتفل به في الخامس عشر من الشهر الأول "وفي اليوم الخامس عشر من هذا الشهر عيد الفطير للرب" ( اللاويين 23: 6)، ولذلك فإن اليوم الخمسين الذي يوافق يوم الاحتفال بعيد الأسابيع يكون في الشهر الثالث "ثم تحسبون لكم من غد السبت من يوم إتيانكم بحزمة الترديد سبعة أسابيع تكون كاملة، إلى غد السبت تحسبون خمسين يوماً، ثم تقربون تقدمة جديدة" (اللاويين 23: 15 – 16).

ووجه الاختلاف أن الشهر الأول المقصود هنا هو أول شهور فصل الربيع في التقويم العبري، أي شهر نيسان وهو الذي يبدأ عادة في مطلع شهر أبريل/نيسان وينتهي في مطلع شهر مايو/أيار، وإذا حسبنا خمسين يوماً بداية من الخامس عشر من شهر نيسان فإن الاحتفال على هذا النحو سيكون يوم السادس من شهر سيفان، الذي يوافق يوم الأحد الخامس من شهر يونيو/حزيران هذا العام.

ورغم اعتماد اليهود ليوم السادس من سيفان موعداً للاحتفال بعيد الأسابيع إلا أن سفر اليوبيلات وهو أحد الأسفار غير القانونية/الأبوكريفا، أو الأسفار المنتحلة/سوديإبيجرافا (وهي أسفار لم تحظ باعتماد علماء اليهود الذين كانوا يقررون ما هي الأسفار المعتمدة فيضمونها لكتاب اليهود المقدس، والأسفار غير المعتمدة فيستبعدونها، وهي التي سميت لاحقاً باسم الأبوكريفا والتي تعني الأسفار غير القانونية أو غير المعتمدة) يحدد موعداً مختلفاً للاحتفال بهذا العيد؛ فبناء على ما جاء فيه فإن هذا العيد كان يحتفل به في منتصف الشهر الثالث؛ أي يوم الخامس عشر "في الشهر الثالث، في منتصف الشهر، احتفل أبرام بعيد باكورة حصاد الرب" (اليوبيلات 15: 1)، ليس هذا فحسب بل إن هذا السفر يذكر أن الاحتفال به بدأ من يوم الخلق واستمر حتى أيام نوح، ثم توقف أبناؤه عن الاحتفال به، إلى أن عاد إبراهيم إلى الاحتفال به هو وأبناؤه إسحاق ويعقوب من بعده (اليوبيلات 6: 18).

لكن حاخامات اليهود عبر العصور استقروا على قبول نص العهد القديم حول هذا العيد، وبناء عليه يتكرر الاحتفال السنوي به يوم السادس من شهر سيفان كما ذكرنا من قبل، ويقرون كذلك بالطبع أن الاحتفال به بدأ لأول مرة منذ عصر موسى عليه السلام وليس قبل ذلك.

ويمتد هذا العيد ليومين، هما السادس والسابع من شهر سيفان (الخامس والسادس من يونيو/حزيران هذا العام). وعادة ما يرتبط الاحتفال بهذا العيد بقراءة نصوص توراتية من أسفار مختلفة؛ كأجزاء من سفر التثنية، أو سفر روث كاملاً على أساس أن السفر يتحدث عن موسم الحصاد وهو نفس توقيت العيد، كما يتدارسون في ليلة هذا العيد بعض النصوص الدينية، ويعقدون محاضرات حول موضوع العيد، وجرت العادة بين غالبية اليهود على تناول الفطائر المحشوة بالجبن، والأطباق المصنوعة من منتجات الألبان خلال هذا العيد.

وإلى جانب ذلك يقوم العديد من اليهود بتزيين بيوتهم ومعابدهم بالنباتات الخضراء والزهور ربطاً بما ذهبت إليه نصوص يهودية متأخرة من أن جبل سيناء قد ازدهر فجأة بالخضرة خلال إعطاء التوراة لموسى.

بعض التفسيرات التي يريد أصحابها المبالغة في تصوير متانة العلاقة بين الرب وبني إسرائيل أولت نزول التوراة واخضرار الجبل بعقد الزواج؛ حيث التوراة التي أعطيت لبني إسرائيل في ذلك اليوم هي عقد الزواج، وموسى هو الخاطب الذي جلب العروس (أي بني إسرائيل) إلى عريسها (أي الرب)، ولا تبتعد مثل هذه التأويلات كثيراً عن تأويلات مشابهة ذهبت إلى أن تغزل سليمان في محبوبته في سفر نشيد الأناشيد ذي الطابع الدنيوي ما هو إلا وصف لطبيعة العلاقة بين الرب وبني إسرائيل، وهو ما أولته تفسيرات مسيحية لاحقاً بأن السفر يصف طبيعة العلاقة بين الرب والكنيسة.

وقد تبنت المسيحية لاحقاً الاحتفال بهذا العيد؛ لكنها عدلت فيه بما يتوافق مع العقيدة المسيحية؛ فاعتبرته يوم حلول روح القدس على تلاميذه حينما كانوا مجتمعين في اليوم الخمسين بعد أول أيام عيد الفصح، فسمي عيد حلول روح القدس، وسمي أيضاً الخمسين، كما سمي بعيد العنصرة وهي الكلمة المأخوذة من التسمية العبرية لهذا العيد عتصيرت مع تأويلها لمعنى الحفل أو الاجتماع حتى تتوافق مع مفهوم المسيحية عن هذا العيد.

وتهتم الفرق المسيحية بهذا العيد، لكنها تتفاوت في درجة هذا الاهتمام؛ حيث يحظى بأهمية كبرى لدى الكنيسة الأرثوذكسية على وجه التحديد التي تعتبره أحد الأعياد الكبرى لديها، بينما هو عيد طقسي في الكنيسة الكاثوليكية، أما الكنائس اللوثرية (وهي فرع من البروتستانتية) فإنها تحتفل به بوصفه مهرجاناً.

بقيت هنا الإشارة إلى أن عيد الأسابيع هو أحد الأعياد الكبرى التي يحرص فيها اليهود على الحج إلى ما يسمى بهيكل سليمان حسب معتقداتهم، ولذلك فقد جرت العادة أن يتجمع اليهود بأعداد كبيرة أمام حائط البراق، وهو الحائط الغربي للمسجد الأقصى الذي يسمونه حائط المبكى؛ ومن ثم يكون هذا العيد مدخلاً للاعتداءات اليهودية على المسجد الأقصى ومحاولة فرض سياسة الأمر الواقع الصهيونية. والحقيقة أن هيكل سليمان لا علاقة له على الإطلاق بالمسجد الأقصى، بل إنه ربما لم يكن موجوداً يوماً ما من الأساس، لكن هذه قصة أخرى.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد الجندي
أستاذ الدراسات اليهودية والصهيونية بجامعة القاهرة
أستاذ الدراسات اليهودية والصهيونية بجامعة القاهرة، له العديد من الكتب والدراسات حول الملل اليهودية المعاصرة وأيديولوجيا تفسير العهد القديم. بالإضافة لعدد من الأعمال المترجمة منها: صراع الأماكن المقدسة؛ صراع السيادة على القدس والأماكن المقدسة في الفترة ما بين 1989 وحتى 1999. مترجم عن العبرية، فضلا على العديد من الأبحاث والمقالات عن القوى الدينية والسياسية في إسرائيل وعلاقة إسرائيل بالعالمين العربي والإسلامي.
تحميل المزيد