توثيق جرائم الحرب في أوكرانيا.. ما الدروس المستفادة لنا في الشرق الأوسط؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/06 الساعة 13:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/06 الساعة 13:24 بتوقيت غرينتش

تقوم حالياً منظمات غير حكومية في أوكرانيا، بتوثيق جرائم الحرب في المناطق التي دمرتها القوات الروسية تدميراً شبه كامل.

ففي هذا التقرير الموثق، الذي نشرته القناة الأولى في التليفزيون الألماني في البرنامج الإخباري (Tagesschau)، يتضح الشروع من الآن في توثيق هذه الجرائم من قبل منظمات غير حكومية (NGOs)، وهو اختصار لمصطلح (Nicht-Regierungs-Organisationen)، يعبر عما يحدث في المدن الأوكرانية، التي تعرضت للدمار في الحرب القائمة هناك؛ ما ساعد على تقديم أول جندي روسي لمحاكمته كمجرم حرب، والحكم عليه بالسجن المؤبد. وهناك الآلاف من الحالات المشابهة لهذه الحالة يتم بناءً عليها تقديم جنود روس، وأيضاً جنود أوكرانيين، لمحاكمتهم كمجرمي حرب على جرائمهم.

وهناك تحقيقات تجرى من قبل جهات رسمية دولية، مثل المدعي العام في الدولة الأوكرانية، وأيضاً المدعي العام لدولة ألمانيا الفيدرالية، كما يقوم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بجمع الأدلة، بجانب العديد من المنظمات غير الحكومية التي تقوم بتوثيق جرائم الحرب التي قد تقع هناك. وأيضاً أرسلت منظمة هيومن رايتس ووتش (NGO)، ومنظمة العفو الدولية (AI)، موظفين لها إلى المناطق الأوكرانية التي تجرى عليها الحرب؛ من أجل جمع المعلومات ميدانياً، والخاصة بجرائم الحرب التي قد تقع هناك.

ثم كتب الموقع الإخباري الألماني عناوين رئيسة حدد فيها نوعية جرائم الحرب هذه، والتي وقعت أو قد تقع هناك، وحصرها في 3 جرائم، وهي:

خطف وتعذيب وإعدام (تصفيات وقتل)

ففي مقابلة أجراها الموقع الإخباري الألماني (tagesschau.de) مع واحدة من المحققين في هذه الجرائم، وهي المحققة بيلكيز فيلا (Belkis Wille)، أوضحت المحققة عملها مع هيومن رايتس ووتش على النحو التالي:

"نحن نقوم بتوثيق جرائم الحرب عن طريق تسجيلات متكاملة".

وبالتحديد نقوم بتوثيق أية عمليات اختطاف أو قتل أو تعذيب أو اغتصاب أو جميعها، والتي قد تحدث ضد أي شخص مدني، ولكن أيضاً نقوم بتوثيق أية استخدامات لأية منظومة أسلحة محظور استخدامها، والتي قد تتسبب في سقوط عدد كبير من القتلى، مثل الذخائر العنقودية والألغام الأرضية.

الدروس المستفادة والعبر!

وهذا يدفعنا إلى طرح سؤال استحقاقي: هل يوجد في منطقة الشرق الأوسط نشطاء أو منظمات محايدة غير حكومية، أو حتى هناك أي وجود لجهات رسمية، مثل المدعي العام، أو النائب العام، في أي دولة من الدول المنكوبة في الشرق الأوسط، يسعى لتوثيق أية جرائم قد ترتكب، من قتل وتعذيب واغتصاب وخطف ومطاردات، قد تحدث ضد المدنيين العزل، أو أي وجود لمنظمة هيومن رايتس ووتش (NGO)، ومنظمة العفو الدولية (AI)، كما يحدث في أوكرانيا، تقوم بتوثيق جرائم الحرب هذه، والتي تحدث وبطريقة شبه يومية في الشرق الأوسط، وخصوصاً في الدول التي تم تدمير مناطق فيها بالكامل، وديار تم تفجيرها بمن فيها؛ ما تسبب في سقوط الآلاف من المدنيين قتلى تحت الأنقاض، وتفريغ مناطق بالكامل من سكانها، سواء عن طريق الحروب، مثل العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وليبيا واليمن، أو تحت ذريعة مطاردة الإرهابيين، مثل المناطق الفلسطينية المحتلة، وفي شبه جزيرة سيناء المصرية!

حتى يتم في يوم ما محاسبة مجرمي الحرب هؤلاء، وتقديمهم إلى محاكم عادلة؛ من أجل معاقبتهم على جرائمهم هذه، والتي ارتكبوها في حق الإنسانية، حتى نحمي البشرية منهم ومن طغيانهم، وليكون ذلك في المستقبل عبرة لأي مجرم يحاول أو حتى يفكر في ارتكاب جرائم ضد المدنيين العزل.

الجرائم لا تسقط بالتقادم

في القانون الدولي تم تحديد ذلك؛ فهناك جرائم معيّنة لا تسقط بالتقادم، وهذا يعني أنه مهما طال الزمن المنقضي، فإنه يجوز رفع الدعاوى القضائية على مرتكبي هذه الجرائم، وأصبح عدم سريان التقادم على جرائم الحرب إحدى قواعد القانون العرفي (القاعدة 16 من دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر للقانون الدولي الإنساني العرفي).

السلبية وعدم الوعي بالحقوق:

فهل اكتفينا، نحن النشطاء السياسيين في منطقة الشرق الأوسط، والمدافعين عن الحريات وعن حقوق الإنسان، والمطالبين بتحقيق الأمن والأمان والسلام والتعايش السلمي في منطقة الشرق الأوسط، وإنهاء القتل والتدمير والتهجير والعنف المفرط والاستبداد والانتهاكات التي تمارس ضد شعوب المنطقة، هل اكتفينا بالشجب والندب والشتم والتوبيخ وتبادل الاتهامات والتراشق بالألفاظ، والتعارك والانشغال بمواضيع عقيمة جانبية على مواقع التواصل الاجتماعي، تاركين لمجرمي الحروب الساحة كاملة لهم في الشرق الأوسط، ليتمادوا في جرائمهم ضد الإنسانية، من تدمير وقتل وفساد وسرقة واغتصاب واختطاف قسري للمواطنين المدنيين؟!

كيفية تخطي ذلك (الحل)

هل نكتفي بذلك، أم ننهض، كل حسب موقعه ومكانه وطبيعة عمله وقدراته على توثيق هذه الجرائم؛ من أجل تقديم هؤلاء المجرمين الذين يقومون بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، إلى محاكم عادلة لمحاكمتهم على جرائمهم مهما طال الزمن!

فإن لم نتمكن من تقديمهم للمحاكمة وإصدار أحكام مشددة ضدهم حسب جرائمهم، فيمكننا على الأقل بالقيام بواجبنا الأدبي أمام أولادنا وأحفادنا، وذلك بتسجيل جرائم الحرب التي يتم توثيقها ضد هؤلاء المجرمين في التاريخ الذي نسجله، نحن الشعوب، بعيداً عن تاريخهم المزور، لكي يحاكموا أدبياً وقانونياً أمام المحاكم الإنسانية والأخلاقية لأولادنا وأحفادنا من بعدنا، لتلاحقهم اللعنة من الأجيال القادمة على جرائمهم وفسادهم ولصوصيتهم واستبدادهم وانحطاطهم الأخلاقي هذا، ويظل العار يلاحقهم على مدى التاريخ.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

يسري عبدالعزيز
كاتب مقيم في ألمانيا
كاتب ومهندس مصري مقيم في ألمانيا
تحميل المزيد