السفارة المصرية تتدخل والإعلام يحشد.. لكن لماذا لا يتعاطف البعض مع وزيرة الهجرة المصرية؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/06 الساعة 11:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/06 الساعة 11:27 بتوقيت غرينتش
ابن وزيرة الهجرة المصرية يواجه اتهامات بالقتل في أمريكا - عربي بوست

على مدار الأيام الماضية، ترك الإعلام المصري الرسمي الحديث عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تضرب البلاد، لأسباب ربما من بينها أنّ الرئيس قد لوح في أحد لقاءاته الأخيرة بأنّ الشعب المصري في حاجة إلى أن يصبح أصلب، فالأسوأ – أن نأكل ورق الشجر – لم يأت بعد؛ ليتفرغ ذلك الإعلام للدفاع عن وزيرة الهجرة نبيلة مكرم، والسؤال الاستنكاريّ عن السبب الذي يدفع الشعب المصري – كل مرة- للانسياق خلف أهل الشر بدلاً من الثقة في بلدهم؟ 

ربما على غير العادة، يبدو ذلك السؤال مشروعاً بعض الشيء، لا سيما حينما يتم تخصيصه بالسؤال عن عدم تعاطف المصريين مع مكرم نفسها، لا مع ابنها، الذي يصعب طبعاً التعاطف معه، في ظل الاتهامات الموجهة له بقتل اثنين من أصدقائه في تجمع سكني هادئ بالولايات المتحدة، ما يجعله يواجه احتمالات بالخضوع إلى أقصى عقوبة ممكنة في تلك الولاية، الإعدام.

أياً كان السبب الحقيقي الذي دفع نجل الوزيرة إلى هذا الفعل، فهو ليس موضوعنا، والأمر في يد جهات التحقيق الأمريكية. ولكن السؤال الأهم، والذي يتفرع عن موضوع: كيف يتم اختيار صناع القرار في أروقة النظام المصري؟، هو هل يعدُّ موقف طائفة معتبرة من الشعب المصري، لا سيما تلك الطائفة غير المتحزبة، بالهجوم على الوزيرة، أو – على الأقل في أحسن الحالات – الاكتفاء بالصمت السلبي الذي يُكني نوعاً ما عن عدم التعاطف معها أمراً قابلاً للتفسير؟ 

لنفحص بعض المواقف الأخيرة للسيدة مكرم، ونرَ إلى أي مدى كانت تلك المواقف قريبة في انحيازاتها من هوى المصريين، لنحدد جيداً هل الشعب المصري مثل القطط يأكل وينكر النعمة، أم أن ذلك الموقف الذي يهاجمه الإعلام الرسمي موقف مفهوم؟ 

الرقص على الدماء

إذا عدنا تاريخياً للوراء بعض الشيء، سنجد أن إحدى أبرز المناسبات التي رأى فيها المصريون وزيرتهم للهجرة بغير الحلة الرسمية الوقورة، كانت حفلة في مدينة العلمين الجديدة، مع الفريق النسائي بالوزارة، شهر أغسطس/آب 2019. 

ما المشكلة في الحفل؟ أليس من حق المسؤول الحكومي أن يرفّه عن نفسه مثل باقي البشر؟ بالطبع من حقه، ولكن المشكلة تحديداً حينها لم تكن في الترفيه نفسه، بقدر ما كانت في سياقه؛ موعده وطريقته وتكلفته، الذي يشف عن عدم احترام مطلق للمصريين الذين يهاجمهم الإعلام حالياً لأنهم ينصاعون لدعاية خصوم الدولة المصرية تجاه الوزيرة.

فقد كانت تلك الحفلة، بعد 4 أيام فقط، على وقوع حادث مروع في قلب القاهرة، هو حادث تفجير واجهة معهد الأورام المطل على النيل، والذي أدى إلى مقتل ما يزيد عن 20 مصرياً، أكثر من نصفهم كانوا ينتمون إلى عائلة واحدة، كانت في طريقها إلى زف ابنتهم العروس على زوجها الجديد. أي حماقة تلك التي تدفع أمهات المصريين، من الفريق الوزاري النسائي، إلى التزين والرقص بينما لم تجف دماء المصريين المقتولين غدراً على أبواب معهد الأورام بعد؟ 

وددتُ أن ينتهي الحديث عن ذلك الموقف المخزي عند تلك النقطة، ولكن ذلك الحفل الصاخب كان خاصاً بحضور احتفال العارضة الأمريكية، جينيفر لوبيز، بعيد ميلادها الخمسين في مصر، قادمة من إسرائيل، في زيارة نالت هجوماً كبيراً من المجتمع العربي، وتعمدت لوبيز خلالها التفنن في إظهار عبارات الولاء "للوطن الأم" كما سمته نصاً بالإنجليزية حينها في منشور على حسابها على موقع "إنستغرام". 

بالإضافة إلى الاحتفال بعيد ميلاد لوبيز، كان ذلك الحفل تدشيناً عالمياً لمدينة العلمين الجديدة، شمال غرب البلاد، باعتبارها العاصمة الثانية لمصر بعد العاصمة الإدارية الجديدة شرقاً، حيث كان الحفل تنظيماً مشتركاً بين أجهزة الدولة المصرية وبين شركة تابعة لآل ساويرس الذين يستحوذون على حصة من القطاع العقاري في تلك المدينة الفارهة، حتى إنّ سعر تذاكر الحفل تجاوز في ذلك الوقت 4 آلاف جنيه مصري.

 حينها لم يكن هناك أي شيء يمت للمصريين بصلة، والذين كانوا يرزحون بأكثر من 30% تحت خط الفقر وفقاً لتقديرات بحث الدخل والإنفاق الصادر عن الأجهزة الرسمية عام 2018؛ إلا إذا كنت واحداً ممن يصدقون أن أموال وعوائد تلك المدن الجديدة ستصبُّ في صالح تحسين أحوال الفقراء كما تقول الحكومة لتبرير تلك المشروعات الغريبة في شكلها وتوقيتها وفي كل شيء.

وزارة الجباية  

قبل أن تتولى السيدة مكرم تلك الحقيبة الوزارية المستحدثة كانت وزارة الهجرة مجرد قطاع تابع لوزارة القوى العاملة، يختص في الأساس بمتابعة أحوال المصريين العاملين في الخارج، ومحاولة استرداد حقوقهم من أرباب العمل خاصة في بيئات الخليج، وهكذا لمدة 20 عاماً.

بالإضافة إلى الاستعانة بوجه نسائي رشيق، خاصة إذا كان من الأقلية المسيحية، لما لذلك من دور في تجميل وجه الحكومة المصرية أمام الغرب، حيث يحتفي المسؤولون المصريون بأن الحكومة تمتلك فريقاً وزارياً نسائيّاً كبيراً على رأسه وزيرات التعاون الدولي والتضامن الاجتماعي والسياحة والبيئة والصناعة، بما يعكس – من وجهة نظر الحكومة – العمق الحداثي للجهاز الإداري للدولة في مصر.

بالإضافة إلى أهمية ذلك، فقد استحدث النظام في مصر تلك الوزارة، أو أعاد إحياءها من جديد بمعنى أدق، لتلعب دوراً مهماً ملائماً لحقبة ما بعد الـ3 من يوليو/تموز، هو الدور الذي عبرت عنه مكرم في حركتها الشهيرة بقطع رقبة كل من يهاجم النظام الحالي خارج البلاد، وهي الحركة التي لم تعتذر عنها الوزيرة بالمناسبة، بل بررتها بأنها كانت في سياق وطني، وأنها لاقت استحساناً من الحضور.

امتداداً إلى ذلك الدور الجديد الذي تلعبه وزارة الهجرة المصرية تحت قيادة مكرم، بالتعاون مع وزارة الخارجية، نشأ لدينا ملفٌّ مدهش هو ملف العملاء المصريين الذين يتجسسون على المعارضين في الخارج، والذي كان من حيثياته حكم القضاء الألماني على موظف من أصول مصرية كان يعمل في المكتب الاتحادي الألماني للتجسس على المعارضين المصريين في ألمانيا بالحبس 21 شهراً، وهو ما تكرر لاحقاً مع السيد بيير جرجس الذي يحاكم في الولايات المتحدة بتهمة التعاون مع الحكومة المصرية لأغراض سياسية، وكان من بين حالات ظهوره الأيقونيّة، حضوره في السفارة المصرية في نيويورك لدعم النظام.

في نفس الوقت، وفي رأي البعض، فإنّ تلك الحقيبة الجديدة قد دُشنت أيضاً من أجل "تقليب" المصريين في الخارج ممن يتقاضون رواتبهم بالعملات الصعبة في أي "قرشين" كما تقول اللهجة الدارجة المصرية، وهو ما يعرفه ويعيشه المصريون بمرارة خلال الأعوام السابقة في كل تفصيلة تتعلق بالتواصل مع السلطات المصرية، وهو ما يتجلى واضحاً في الطروحات السكنية التي تطرحها وزارة الإسكان مع وزارة الهجرة للمصريين في الخارج لشراء عقارات وبيوت في مصر، شريطة أن يكون الدفع بالعملة الصعبة! دولرة مشروعة عيني عينك.

لو أنّ ابن الوزيرة في مصر

من ضمن ما هو راسخ في اللاوعي الجمعي للمصريين، أن ابن الوزيرة يحاكم في الولايات المتحدة لأن حظه العاثر قاده إلى ارتكاب تلك الجريمة في إحدى أكبر منارات سيادة القانون في العالم الحديث، وهو ما ينبني على وجوده في أمريكا منذ أعوام لكي يحصل على فرص أفضل تعليماً وعملاً من تلك الموجودة في مصر. 

إحدى المشكلات التي عانى منها رامي فهيم وفقاً لتغريداته على موقع "تويتر"، هي أنه كان يعاني من المضايقة من المصريين عند زيارته إلى مصر قبل نحو عامين تقريباً لأنه، وبالرغم من كونه نجل وزيرة مصرية، فإنه بالكاد كان يستطيع أن ينطق اسمه بلكنةٍ قريبة من العربية، وذلك لأن ثقافته في الأساس ثقافة غربية.

كذلك فإن إحدى الحقائق التي كشفها البحث مفتوح المصدر عن نجل الوزيرة المتهم بالقتل في الولايات المتحدة، أنّ الشركة المرموقة التي كان يعمل فيها في الولايات المتحدة، كانت بينها وبين أعلى المستويات في الدولة المصرية، مؤسسة الرئاسة، لقاءات رسمية، تقوم برعايتها وتنظيمها والدته السيدة نبيلة مكرم. أي أننا نتحدث عن إساءة واضحة لاستخدام النفوذ وخلط بين العام والشخصي خلافاً لما تدعيه الوزيرة، وهو ما لن يمكن أن يتمتع به باقي المصريين بالطبع.

في اللاوعي السياسي للمصريين، لو أن نجل الوزيرة كان متهماً في قتل شخصين داخل مصر، لكان تم إيجاد مخرج قانوني له ينجيه من الوقوف أمام القاضي "والبهدلة" في المحاكم، بالقياس على كل الجرائم التي يُتهم فيها أبناء أصحاب النفوذ في مصر، سواء كانوا رجال أعمال أو محسوبين على إحدى السلطات الأساسية كالقضاء والتشريع، وكلها أسباب كافية تفسر عزوف المصريين الحقيقيين عن مسايرة الإعلام الرسمي في الانخراط بحملات الدفاع عن الوزيرة، وذلك لمن أراد أن يفهم دوافع المصريين حقاً، لا أن يعيش في أوهامه.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد سلطان
كاتب مصري مقيم بأستراليا
كاتب مصري مقيم بأستراليا