محاكمة التشهير بين جوني ديب وآمبر هيرد.. هل تُغيّر الاندفاع الأعمى لبعض النسويات؟

عدد القراءات
6,828
عربي بوست
تم النشر: 2022/06/02 الساعة 09:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/22 الساعة 06:19 بتوقيت غرينتش

انتهت إحدى أشهر محاكمات التشهير في تاريخ "هوليوود"، التي تَواجه فيها النجمان "جوني ديب" وطليقته "آمبر هيرد" على مدار 6 أسابيع.

وبسبب الشهرة العالمية للنجمين حظيت هذه المحاكمة بتغطية واسعة في كل دول العالم، واستحوذت على اهتمام ملايين المتابعين على نحو غير مسبوق.

لم تتسبب شهرة نجمي "هوليوود" وحدها في هذا الاهتمام العالمي بالمحاكمة، وإنما كان للتفاصيل الأسرية الخاصة بين الزوجين السابقين، التي كشفاها خلال المحاكمة دور كبير في صدمة جمهور كلا النجمين، ودفعهم إلى انتظار تطورات المحاكمة بلهفة وترقب. 

وبينما زعمت هيرد تعرضها للتعنيف المنزلي والإساءة والاغتصاب من قبل ديب، فاجأ ديب جمهوره بمزاعم تعرضه هو أيضاً للتعنيف من قبل هيرد.

في بادئ الأمر ظهر ديب كمن يحاول اختلاق الأكاذيب من أجل تبرئة نفسه فقط، إلا أنه خلال جلسات المحاكمة تمكن من تقديم أدلة أظهرت على نحو واضح تعرضه للتعنيف من قبل زوجته السابقة.

وبينما كان جمهور كلا النجمين غارقا في تفاصيل المحاكمة، ومتابعة المعركة القضائية بينهما، شهدت منصات التواصل الاجتماعي معركة من نوع آخر، إذ تسببت مستجدات القضية التي كشفت تعرض ديب للتعنيف وقيام هيرد بتزييف بعض الحقائق، بإثارة الرأي العام ضد الحركة النسوية والمدافعات عن حقوق المرأة بشكل عام. 

 محاكمة جوني ديب وآمبر هيرد

وبالطبع فهناك علاقة قوية بين الجمهور النسوي وبين آمبرد هيرد، حيث تبنّت بعض المنظمات الحقوقية النسوية الدفاع عن قضيتها، كما دافعت آلاف الناشطات النسويات عنها بشراسة، بعد قضية انفصالها عن ديب، وبعد تلميحاتها حول تعرضها للعنف.

إلا أن مسار وتطورات القضية لم تضع هيرد وحدها في مرمى نيران الانتقادات، بل وضعت معها كل الحركات والناشطات النسويات، اللاتي تبنّين إطلاق الأحكام المسبقة، والدفاع عنها بشكل مطلق، دون البحث في مدى مصداقية روايتها.

ومع تطور أحداث المحاكمة، وتقديم ديب دلائل بدت منطقية على صحة مزاعمه، تعززت حجة المنتقدين للأطراف النسوية، وبدا واضحاً أنّ تلك الأطراف النسوية فقدت جزءاً من مصداقيتها، وتركت انطباعاً لدى جزء كبير من الجمهور، مفاده أنّ هذه الأطراف تدافع عن النساء على نحو أعمى؛ لأنّهن فقط نساء، حتى وإن كنّ غير محقات. 


والمتابع لتفاعل الجمهور مع هذه القضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال، سيلاحظ بسهولة حجم التعاطف والزخم الذي حظي به الممثل الشهير جوني ديب، بعد تقديمه أدلة تثبت تعرضه للعنف.

ووفقاً لإحدى المنصات المختصة بتحليل التفاعل عبر منصات التواصل الاجتماعي، نَشر المغردون المهتمون بقضية الثنائي الشهير على منصة تويتر، في الفترة ما بين 8 أبريل/نيسان و8 مايو/أيار في العام الجاري، نحو 2 مليون ونصف المليون تغريدة.

وبحسب التحليل الذي قدمته المنصة المختصة فإن أكثر الوسوم استخداماً كانت لصالح "جوني ديب" مثل: #justiceforjohnnydeep (العدالة لجوني ديب)، و #AmberHerdisabuser (آمبر هيرد معنِّفة). 

شكَّل هذا التفاعل غير المسبوق مع جوني ديب، وانتشار قضيته كنموذج للرجل الضحية الذي يتعرض للتعنيف صدمةً لدى جماهير واسعة، إذ اعتاد الجمهور على مشاهدة حملات التعاطف والدعم مع النساء اللاتي يتعرضن للعنف المنزلي، وربما كانت هذه من المرات القليلة التي تنطلق فيها حملة لدعم رجل يعلن تعرضه للعنف المنزلي.


وبالتوازي مع انتهاء المحاكمة بين النجمين الشهيرين، برزت قضايا أخرى ذات علاقة، أهمها تغيير الصورة النمطية السائدة عن كون المرأة هي "ضحية الرجل" بالمطلق. 

عند تفحّص بعض المنصّات والمنابر الخاصة بالناشطات النسويات، اللاتي يتبنَّين الدفاع عن النساء المعنفات، نجد أن كثيراً منهن لم يتطرقن إلى القضية الشهيرة، وفي بعض الحالات التي جرى التطرق فيها إلى المحاكمة انبرت الناشطات النسويات لتكذيب ديب، وسلّمن بصدق هيرد على نحو مطلق، حتى قبل صدور قرار المحكمة.

وبسبب هذا التضامن الأعمى فُتح المجال من جديد للتشكيك في نماذج سابقة لنساء لجأن لحصد التضامن عبر منصات التواصل الاجتماعي، من أجل الانتقام من شريكهن السابق، أو تحقيق الشهرة، وحصدن بالفعل تضامناً واسعاً رغم أنّهن لم يتحدثن سوى بنصف الحقيقة، ولم يُفسح ذلك التضامن الأعمى المجال لنصف الحقيقة الآخر بالظهور.

وبالتزامن مع قضية ديب وهيرد انتشرت أخبار حول استضافة عائلة بريطانية للاجئة أوكرانية مع عائلتها. ووفقاً لمصادر إعلامية فرّ الزوج البريطاني مع اللاجئة الأوكرانية، وفضّل تركهم وحدهم، وبدأ علاقته الغرامية الجديدة.

تداولت صفحات الناشطات النسويات الخبر مع الكثير من الشتائم بحق الزوج الخائن، إلا أنهن من جديد تجاهلن سلوك اللاجئة الأوكرانية، وألقين اللوم فقط على الزوج، وفي بعض الحالات أوجدن مبرراً لموافقة اللاجئة على الدخول في علاقة غرامية مع الزوج البريطاني.

كما في ذات المدة والسياق، انتشر فيديو عبر منصات التواصل الاجتماعي لزوج هندي، وثّق تعرضه للضرب والتعنيف على يد زوجته، من أجل مقاضاتها على ذلك، وإثبات حقيقة تعرضه للتعنيف، ومجدّداً انبرت بعض النسويات للدفاع عن الزوجة.

وعند البحث عن تعرّض الرجل للعنف المنزلي، نجد أن بعض الدول أصدرت إحصائيات رسمية تؤكد وجود هذه الظاهرة، وإن كانت على نحو محدود. فعلى سبيل المثال لا للحصر نشر المركز الوطني للعنف المنزلي في أمريكا إحصائية يقول فيها إن رجلاً من بين كل 4 رجال في الولايات المتحدة الأمريكية يتعرض للعنف المنزلي على يد شريكة حياته. كما تشير إحصائية أممية إلى تعرض 28% من الأزواج في مصر للعنف الأسري على يد زوجاتهن. كما صرح مكتب الشرطة الجنائية الفيدرالي الألماني بأن نحو 20% ممن يتعرضون للعنف المنزلي هم من الرجال.

وعند متابعة الطرح التي تقدمه الكثير من الناشطات النسويات نجد أنّ كثيراً منهن يلجأن دوماً لإعطاء الرجل صفة المعنف على نحو مطلق، وبالمقابل فإنهن يصنفن المرأة دوماً ضحيةً للرجل، وفي حال ارتكاب المرأة أخطاءً كالتعنيف أو الخيانة الزوجة، فإن كل تلك الأخطاء مبررة.

ورغم أن المبدأ الأساسي الذي تنادي به الحركة النسوية هو المساواة التامة بين الرجل والمرأة، نجد أن عدداً لا بأس به من الناشطات النسويات يتخذن منحى متطرفاً في طريقة دعمهن للمرأة؛ إذ تعتمد معالجتهن للظلم الذي يقع بحق النساء على تجريم أفعال الرجل مهما صغرت، بشكل مطلق، وتهوين وتبرير أخطاء المرأة على الدوام، أو اعتبارها في أحيان أخرى حرية شخصية.

ما يهم حقاً في هذا الجدل هو فقط التعامل مع الرجل والمرأة كمخلوقات بشرية، وعليه فإنّه من الطبيعي أن ترتكب المرأة أخطاء في حياتها، تماماً كالرجل. وبالتالي فإن الحكم على الخطأ وتصنيفه كسلوك مرفوض يجب أن يتم انطلاقاً من طبيعة الحادثة، وليس من طبيعة الفاعل.

نشطت الحركة النسوية على مدار سنوات طويلة في إنصاف النساء على عدة أصعدة، سواء من خلال العمل على منحها الحق في المشاركة السياسية، وتمكينها من العمل، أو من خلال محاربة العنف المنزلي ومحاربة تطبيعه أيضاً، ولكن بعض الناشطات النسويات في الوقت الحالي انخرطن في مهاجمة الرجل وكل ما يتعلق به، وأسهمن بطريقة ما في ترسيخ صورة سيئة عن المرأة، وتحويل جهودهن من تحسين واقع النساء إلى معركة شرسة ضد الرجل، يسعين فيها فقط إلى شيطنة الرجل والتستر على أخطاء المرأة، فأصبحن يهددن بشكل حقيقي جميع المُنجزات المهمة التي اكتسبتها المرأة، ويمنحن المبررات والذرائع لمن يهاجم ويحارب جميع الجهود الصادقة التي تسعى إلى إنصاف المرأة وتمكينها من ممارسة حقوقها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ندى نبيل
حقوقية وصحافية
حقوقية وصحافية أعمل كمديرة منصة هيوميديا الحقوقية الإعلامية وهي مشروع تابع للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
تحميل المزيد