منذ احتلال العراق عام 2003 وحتى الآن والعراق يسير نحو الهاوية بخطى حثيثة وثابتة، توقفت كل مجالات الحياة فيه، وأصبح من يعيش على أرضه مجرد أشخاص يعيشون ليومهم بلا أمل أو مستقبل، بلا هدف يستيقظون في الصباح نحو أعمالهم ليكسبوا لقمة عيشهم وهم يعيشون على بحار من الخيرات التي أنعم الله بها على العراق.
ينهشون لحم بعضهم ليقتاتوا أو ليزيد الأغنياء منهم ثرواته، أصبح البلد مجرد فريسة بين فكوك الضواري، الجميع ينهب من الجميع، ولا أقصد هنا النهب بمفهومه المعروف والدارج، لكني أقصد أن حتى الموظف البسيط الذي يتقاعس عن أداء عمله، ويأخذ أجراً لا يستحقه على شيء لم يفعله. الجميع شركاء بالجريمة، ولا أحد بريء بمن فيهم أنا.
جميعنا ساهمنا بشكل أو بآخر في تدمير العراق؛ لأننا لم نحافظ عليه ولم ندافع عنه، انشغلنا بأمور كانت السبب وراء هلاك من سبقنا، وقد تتسبب بهلاكنا نحن في قادم الأيام. فقدنا أغلى ما نملك، فقدنا الوطن رغم أننا ما زلنا نعيش فيه؛ لأنه أصبح وطناً على الورق فقط.
بعد فشل المكوّن الشيعي في إدارة الحكم وحجم الكوارث التي وقعت في عهده توهَّم السُّنة بأنهم رجال دولة ونسبوا لأنفسهم كل الإنجازات التي حدثت في العراق منذ تأسيسه، بعضهم أصبح يمدح نظام البعث ويضع صورة الرئيس السابق كصورة رمزية على حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي مفتخراً بأنه صدَّامي، ومفتخراً بإنجازات البعث، ويلقي باللوم على المكوّن الشيعي متجاهلاً حقيقة أن حزب البعث السابق جلّ عناصره من الشيعة وتأسس أصلاً في الناصرية، العشرات إن لم أقل المئات من قياداته كانوا شيعة المذهب، وأصبح السُّنة يلقون باللوم على الشيعة بمناسبة وبدون مناسبة.
والشيعة أيضاً من جانبهم، يعزون الفشل في إدارتهم للحكم طوال 19 عاماً إلى "الإرهاب السني" كما يسمونه، ولدى البعض منهم إيمان وعقيدة بأن كل إرهابي سُني، وكل تفجير إجرامي حدث في العراق كان خلفه البعث السابق والسنة، وكان سبباً مباشراً في إفشال التجربة الشيعية في حكم العراق. وأصبحت إيران بُعدهم الديني والمذهبي، حتى أصبح البعض منهم تابعاً لإيران ومستعداً لفعل أي شيء من أجل إرضائها.
والمكون الثالث القابع في شمال العراق يدّعي أنه بريء مما جرى ويجري، متجاهلاً كم الأموال والسلاح التي نهبها من الدولة مع سقوط النظام السابق ودوره المحوري في المساعدة على احتلال العراق، كذلك الأراضي التي ضمها إلى إقليمه بعد انسحاب الجيش العراقي أمام "داعش"، واحتلال الموصل، وصلاح الدين، وأجزاء من كركوك، وديالي، والتغيير الديموغرافي الذي عمل من خلاله على إسكان الأكراد في بلدات وقرى عربية تمهيداً لأجراء الاستفتاء وضمها إلى الإقليم بما فيها أراضٍ غنية بالنفط، وغير ذلك الكثير لست بصدد كتابته أو الحديث عنه هنا كي لا أصل إلى مرحلة الاستفتاء على الانفصال التي حصلت، والتي أثبتت أن الكثيرين منهم أصبح لا ينتمي للعراق.
ومن خلال ما سبق نرى أن الشعب العراقي قد فقد هُويته الوطنية، وتمسك بهويته القومية والمذهبية وفقدان الهوية الوطنية هو أولى علامات الموت السريري لأي بلد؛ لأن البلدان لا تعيش إلا بالهوية الجامعة لكل أطياف الشعب على اختلاف قومياتهم ومذاهبهم، وإذا اراد الشعب العراقي إنقاذ العراق فعليهم أولاً أن يستعيدوا هويتهم الوطنية، وأن يجمعوا على حب العراق على حساب انتمائهم المذهبي والقومي وأي شيء آخر.
تلك هي الحقيقة المُرة التي لا يريد أحد الاعتراف بها، وقد ينتقدني البعض على كتابتها، لكن ذلك للأسف لن يغير شيئاً من الواقع الذي نعيشه اليوم. ولن يغير حقيقة أننا جميعاً وضعنا بصماتنا على السكين التي ذبحت الوطن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.