عنف مشروع أم حماية لمصالح طبقات معينة.. هل نحتاج “الدولة” حقاً؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/06/01 الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/01 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش

إن مفهوم الدولة مفهوم ضارب في القدم؛ إذ إنه ظهر مع بداية بزوغ الحضارة البشرية وظهور نشاط التَّأريخ، إلا أن الدولة الحديثة -كما نعرفها اليوم- لم تظهر إلا بعد انهيار أكثر من حضارة قديمة بفعل تضارب القوى وتقادم غيرها من مصطلحات مشابهة كالإمبراطورية، والسلطنة، والمملكة، يرتبط كيان الدولة اليوم بالمعجم الديمقراطي، فقد ارتبط هذا الكيان السياسي بمفاهيم سياسية كالحدود والشعب والمواطنة، يزعم الكثير أن الدولة جاءت لتلغي حالة الفوضى واللاقانون التي كان يعيش في كنفها الإنسان بفعل غياب عنصر السلطة، يفترض هذا التصور أن وجود السلطة والقانون كفيل بأن يحقق العدل والسلم اللذين يبحث عنهما الجنس البشري، يستمد هذا التصور قيمته من نظرية العقد الاجتماعي التي ترى أن نشأة الدولة كانت نتيجة إجماع الشعب والحكام على قيام كيان محق للحق ومُبطل للباطل، تسود فيه العدالة الاجتماعية ويُردع فيه كل من آمن بقانون الغاب، وحاول استخدام القوة لأغراض شخصية.

تملك الدولة الحق في ممارسة "عنف مشروع" يكون حكراً عليها، حسب التصور السائد بأن شرعية العنف التي تمارسها الدولة ناتجة عن شرعية الدولة والدور المسند إليها، فالدولة تستمد مشروعيتها أساساً من وجود شعب أو ما يسمى المواطنين، وقد وُجدت الدولة لخدمتهم، فهي توفر لهم الأمن والسلم وتحفظ الاستقرار وقيمة العدالة الاجتماعية في الدولة، على خلاف ما كان عليه الوضع قبل نشأة هذه الأخيرة؛ حينما كان الإنسان لا يزال يعيش في حالة الطبيعة، كما أن الغرض من وجود الدولة إلى جانب توفير السلم والأمن يتجلى أيضاً في تحقيق الحرية وتحرير الأفراد من الخوف والعنف الذي سبق وجود الدولة وقانون الغاب الذي كان سائداً آنذاك، ولهذا فإن وجود الدولة يحرر القدرات العقلية والجسدية للإنسان، ويمكنه من تأدية دوره في المجتمع بكل حرية، ويمنحه حق الاختيار وتقرير المصير، فإن لهذا التصور حدوداً وقصوراً يكمن في تناقض الهدف الرئيسي من وجود الدولة (حماية المواطن من العنف)، وشرعنة العنف الناتجة عن شرعية هذا الكيان التي يستمدها من الدور الذي يلعبه.

في حين يرى عدد ليس بقليل من المفكرين والفلاسفة من قبيل الفيلسوف الإنجليزي جون لوك أن المجتمع المدني هو الذي يشارك في إشباع حاجة الفرد وتحقيق التنمية، في حين أن الدولة كيان يسمو بالفرد إلى مستوى الكونية يحقق كماله الأخلاقي، فالدولة تمثل إرادة الأمة، وهي بالتالي ليست وسيلة، وإنما هي غاية في حد ذاتها، يمكننا القول إذن إن الدولة ليست وسيلة لخدمة مصالح المواطن أو تنظيم حياة الأفراد بالضرورة، وإنما هي فكرة تم إسقاطها على أرض الواقع؛ لكي ترقى بالإنسان إلى تجسيد المطلق.

هناك أيضاً التصور الأناركي الذي يرى في وجود الدولة شراً مطلقاً، وفي مختلف الأنظمة السياسية أجهزة قمعية، وهو تصوُّر رفض أصحابه فكرة الدولة لا لشيء إلا لأجل الرفض؛ إذ إنه يغفل الصراع الطبقي الذي ينطوي عليه وجود كيان مثل الدولة، التي تعد سلاحاً قمعياً في يد البرجوازيين، وأصحاب (الرساميل) يسعى من خلاله هؤلاء إلى توسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء والحفاظ على نظام التفاوت الطبقي، الذي يقضي بحتمية تواجد طبقة كادحة لا تتمتع بأبسط حاجيات العيش الكريم، في ظل تركز القوة في أيدي الطبقة البرجوازية لا يمكن الحديث عن الدولة ككيان يستمد مشروعية من الأدوار المسندة إليه، ولا يمكننا الجزم بخصوص مسألة احتكار الدولة للعنف المشروع، من ناحية يظهر لنا أن هذا العنف ليس إلا وسيلة لحماية المواطن وفرض العدالة والحفاظ على سيادة القانون، وأحياناً نلمس في واقعنا المعيش حقيقة كون العنف الذي تحتكره الدولة وتقنّنه ووتشرعه لنفسها، قد أصبح غاية في حد ذاته.

أصبحنا نرى في القمع الشرس للمظاهرات والتلاعب الماكر بوسائل الإعلام رغبة عارمة في التحكم لأجل السيطرة، وقد تم تجريد العنف من صبغة المشروعية التي أضفتها عليه الدولة الحديثة بمختلف مؤسساتها، فمختلف الجهات والمؤسسات المكلفة باستخدام العنف لإرساء العدالة الاجتماعية وحماية حق المواطن لا تتدخل إلا لاستخدام العنف والقوة وسيلةً لحماية ممتلكات الطبقة الحاكمة، ولهذا أصبحت الدولة الحديثة رمزاً للقمع وممارسة العنف على أفراد يفترض بها حمايتهم. 

يعرِّف علماء الاجتماع عنف الدولة بشكلٍ عام وعلى نطاق واسع بأنه هو الخروج النيوليبرالي للدولة عن إطار استخدام العنف لغرض وحيد ألا وهو توفير الخدمات الاجتماعية والحماية الكاملة للشعب، إضافة إلى الاستخدام السري للتكنولوجيات الجديدة من طرف النظام لمراقبة المواطنين وقمع المعارضين، سؤال عنف الدولة ومشروعيتها أصبح من أبرز المشكلات الاجتماعية التي باتت تحدد شكل النظام والحكم، وتؤثر في حس المواطنة ونوعية حياة الأفراد والمجتمعات.

يحيلنا هذا الإشكال بوصفنا مجتمعاً معاصراً إلى أزمة وجودية وشك مزمن في مصداقية الدولة ومشروعيتها، ويبقى الوعي السياسي، الذي يسير في طور النمو في المجتمع العربي وغيره من المجتمعات، من أبرز المعوِّقات التي تحولُ دون الهيمنة الشاملة للأنظمة على الرأي العام، بخصوص موضوعات شائكة كالموضوع المطروح بين أيدينا.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
آية العنزوق
كاتبة مغربية في مجال التاريخ والفلسفة
تحميل المزيد