في يوليو/تموز من العام الماضي حقق صافي العُملات الأجنبية بالبنوك التجارية المصرية عجزاً، بعد تحقيق فائض لمدة عشرة أشهر متتالية، ومع مرور الشهور زادت قيمة العجز؛ مما دفع تلك البنوك إلى زيادة الاقتراض الخارجي لسد ذلك العجز، إلا أن قيام الفيدرالي الأمريكي برفع سعر الفائدة والحرب الروسية الأوكرانية وخروج غالب الأموال الساخنة من مصر، زاد من قيمة ذلك العجز بالبنوك التجارية لعشرة أشهر متواصلة، حتى بلغ حوالي 8 مليارات دولار بشهر أبريل/نيسان الماضي، الأمر الذي أثر على تمويل تلك البنوك لعمليات الاستيراد، وأعاد السوق السوداء للدولار التي يزيد بها سعر الدولار عن سعره الرسمي، رغم الإجراءات البوليسية المشددة تجاه المتعاملين بتلك السوق.
إلا أن التعاملات فى العديد من الشركات أصبحت تتم على أساس سعرها، مثل شركات السيارات ومحلات الذهب ومحلات التليفون المحمول، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تتابع أسعارها يومياً، الأمر الذى زاد من احتفاظ الكثيرين بالدولار وزاد من الطلب على الدولار توقعاً لزيادة سعره، وهو ما حدث فى مارس/آذار ويتوقع تكراره تزامناً مع توقيع اتفاق القرض الجديد لمصر من صندوق النقد الدولي.
وفي خزائن البنك المركزي المصري، تراجع فائض صافي أصول العملات الأجنبية منذ شهر يوليو/تموز من العام الماضي، والذي يمثل الفرق بين ما لديه من عملات وما عليه من التزامات مطلوب سدادها بنفس العملات الأجنبية، وظل الفائض الذي كان يبلغ 17.5 مليار دولار قبل تراجعه يتناقص خلال الشهور التالية، حتى تحول إلى عجز فى مارس/آذار من العام الحالي، واستمر ذلك العجز بشهر أبريل/نيسان الماضي بقيمة 4.8 مليار دولار، رغم ما حصلت عليه مصر من أموال من الدول الخليجية خلال العام الحالي.
12.7 مليار دولار عجزاً بالجهاز المصرفي
وهكذا تراجع صافي العملات الأجنبية بالجهاز المصرفي الذى يجمع كلاً من البنوك التجارية الثمانية والثلاثين والبنك المركزي معاً، منذ شهر يوليو/تموز الماضي من 16 مليار دولار في شهر يونيو/حزيران، حتى تحول إلى عجز بشهر فبراير/شباط الماضي، وزادت قيمة ذلك العجز في الشهرين التاليين حتى بلغ 12.7 مليار دولار في شهر أبريل/نيسان الماضي.
الأمر الذي دفع السلطات المصرية إلى تجهيز العديد من الشركات الحكومية لبيع أسهمها لصناديق سيادية خليجية ومستثمرين خليجيين، في محاولة لتقليل تلك الفجوة الدولارية التي لم تستطع القروض والودائع الخليجية، التي تم الحصول عليها منذ الربع الأخير من العام الماضي سدها، حيث تم الحصول خلال الربع الأخير من العام الماضي على 3 مليارات دولار قروضاً من الإمارات، و3 مليارات دولار كوديعة من السعودية و1 مليار دولار من بنك الصادرات الإفريقي، وما يقرب من المليار دولار من الصين.
وخلال الشهور الأولى من العام الحالي تم الحصول على وديعة ثانية من السعودية بقيمة 5 مليارات دولار، وطرح سندات بالسوق الياباني بنحو نصف مليار دولار، والحصول على أموال أخرى من الدول الخليجية لم يتم إعلان تفاصيلها بعد، نظراً لعدم إعلان قيمة الدين الخارجي خلال الربع الأول من العام الحالي حتى الآن، وذلك بخلاف بيع أسهم بخمس شركات حكومية لشركة إماراتية بنحو 1.8 مليار دولار.
وكانت بيانات البنك المركزي المصري الخاصة بموارد ومدفوعات النقد الأجنبي المصري بالعام الماضي، والخاصة بميزان المدفوعات، قد أشارت إلى بلوغ الفجوة بين الموارد والمدفوعات الدولارية 34.4 مليار دولار، تم سدادها من خلال استخدام قروض خارجية بحوالي 28 مليار دولار، وبيع أدوات دين حكومية للأجانب بنحو 6 مليارات دولار.
وفي العام الحالي وبعد خروج غالب الأموال الساخنة لتتراجع أرصدتها من أكثر من 34 مليار دولار في سبتمبر/أيلول الماضي، إلى أقل من 9 مليارات دولار بمارس/آذار الماضي، وبعد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على أسعار الطاقة والغذاء، زادت حدة مشكلة الفجوة الدولارية المصرية، مع صعوبة طرح سندات خارجية فى ضوء ارتفاع أسعار الفائدة بالعالم، وتراجع القيمة السوقية للسندات المصرية المقيدة بالبورصات الدولية، وانخفاض التصنيف الائتماني لمصر، وترقب الأسواق العالمية للاتفاق المصري مع صندوق النقد الدولي أولاً.
تعثر مستهدفات توريد القمح المحلي
ورغم زيادة قيمة الصادرات المصرية خلال الربع الأول من العام الحالي إلى 13.7 مليار دولار، فقد زادت قيمة الواردات بنفس الفترة إلى 22.6 مليار دولار، لتصل قيمة العجز التجاري إلى حوالي 9 مليارات دولار، وهي قيمة العجز المرشحة للزيادة في ظل تعثر برنامج توريد القمح المحلي الذي كان يستهدف جمع 6 ملايين طن قمح من المزارعين.
إلا أن ضعف سعر التوريد الحكومي تسبب في إحجام الكثيرين عن التوريد، لتصل كميات التوريد إلى 3.3 مليون طن فقط، رغم العقوبات البدنية المصاحبة لذلك والتهديد بمصادرة الكميات والعربات التي تحملها، مما سيدفع الحكومة لاستيراد كميات أكبر من الأسواق الدولية بالأسعار المرتفعة، ومثل ذلك سيحدث مع زيوت الطعام التي تنتج منها مصر أقل من 10% من استهلاكها.
وكذلك استيراد ثلث الاستهلاك من النفط الذي تعدى سعره 120 دولاراً للبرميل مؤخراً، وكان وزير البترول المصري قد أعلن زيادة قيمة صادرات الغاز الطبيعي إلى 3.9 مليار دولار، خلال الشهور الأربعة الأولى من العام الحالي، إلا أنه لم يعلن قيمة واردات الغاز الإسرائيلي داخل قيمة التصدير، والتي يتم تسييلها داخل محطتي تسييل بمصر، وهما المحطتان اللتان تملك جهات أجنبية النصيب الأكبر منهما، مما يعني استفادة صافية مصرية قليلة من رقم تصدير الغاز المُعلن.
وكان وزير البترول قد حذر من استحواذ محطات توليد الكهرباء على النصيب الأكبر من إنتاج الغاز المصري خلال أشهر الصيف، مما يؤثر على الكميات المتاحة للتصدير.
وقامت هيئة قناة السويس برفع قيمة رسوم العبور أكثر من مرة خلال العام الحالي؛ مما رفع من حصيلة إيراداتها، كما زادت حصيلة تحويلات المصريين العاملين بالخارج ارتباطاً بارتفاع أسعار النفط بمنطقة الخليج العربي، إلا أنه على الجانب الآخر فما زالت الإيرادات السياحية منخفضة في ظل فقدان السوقين الأوكراني والروسي.
33 مليار دولار تكلفة الدين الخارجي العام الحالي
توقع تأثر الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد لمصر بتراجعه دولياً، وخفض وكالة موديز نظرتها المستقبلية للاقتصاد المصري من مستقرة إلى سلبية مؤخراً، بسبب المخاطر المتزايدة لقدرة مصر على امتصاص الصدمات الخارجية.
كما أشارت بيانات البنك المركزي المصري إلى بلوغ قيمة أقساط وفوائد الدين الخارجي متوسطة وطويلة الأجل، خلال العام الحالي، 20.242 مليار دولار، بخلاف أقساط فوائد الديون الخارجية قصيرة الأجل خلال العام الحالي والبالغة 12.905 مليار دولار، والمتوقع زيادتها في ظل التداعيات المستجدة خلال العام الحالي؛ لتصل تكلفة الدين الخارجي أكثر من 33 مليار دولار؛ مما يعني المزيد من الاقتراض الخارجي لسداد أقساط القروض القديمة.
خاصة أن أقساط وفوائد القروض الخارجية طويلة الأجل بالعام القادم تصل إلى 16.926 مليار دولار، وهي الأقساط المستمرة حتى عام 2071، والتي تتغير قيمتها تباعاً بالزيادة في ظل الاستمرار في الاقتراض، حيث أعلنت وزارة المالية عن التجهيز لطرح صكوك سيادية بقيمة 2 مليار دولار، وتجهيز سندات الباندا بالسوق الصيني، بخلاف القروض من الدول والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية.
مع الاستمرار فى عقد صفقات السلاح بقيم ضخمة، والاستمرار فيما يسمى المشروعات القومية التي لا تتسق مع أولويات المواطن، مثل: الكباري العديدة بكل الطرق المؤدية إلى العاصمة الإدارية الجديدة، ومشروع "المونوريل" الواصل للعاصمة الإدارية التي لم يسكنها أحد بعد، بخلاف خط للسكة الحديد، رغم وجود الأتوبيسات والمواصلات العامة للمدينة الخاوية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.