أصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الخميس الماضي، قراراً بتعيين حسين الشيخ أميناً لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير؛ ما يعني أنه بات الرجل الثاني فيها، وبالتالي مرشحاً فوق العادة لخلافته في قيادة المنظمة والسلطة المفترض أنها تابعة له ولو نظرياً، بينما بدا القرار في الشكل والمضمون معبراً عن المشهد الفلسطيني السياسي الحالي، أقله في بعده الرسمي لجهة تفرد محمود عباس بالسلطة والقرار، وقطعه تماماً مع ذهنية المصالحة الوطنية والتوافق، وتعمد تكريس الانقسام السياسي والجغرافي الحالي، وربما حتى للأسف تأبيده بين فتح وحماس والضفة الغربية وغزة.
القرار المتوقع وغير المفاجئ بالطبع، والذي كان مسألة وقت فقط منذ تعيين الشيخ عضواً في اللجنة التنفيذية بالمنظمة، كما كتبنا هنا منذ فترة، صدر دون عقد اجتماع رسمي للجنة للتصديق ولو شكلاً على نية ورغبة الرئيس عباس، حيث عقد آخر اجتماع لها منتصف فبراير/شباط الماضي للتصديق على انضمام الأعضاء الجدد، بما فيهم الشيخ نفسه؛ ما يعني ببساطة عدم إجراء نقاش وتشاور أو حتى تنافس وتصويت حول القرار الذي تم اتخاذه من قبل محمود عباس منفرداً دون أي اعتبار لصورة وهيبة المؤسسة نفسها، وقواعد الحكم الرشيد بشكل عام.
في هذا الصدد لا بد من التذكير بحقيقة أن أعضاء التنفيذية فوجئوا بصدور القرار تماماً كما فوجئوا بإلغاء الاجتماع الذي كان مقرراً لمناقشة الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى في شهر رمضان الماضي، والذي قال حسين الشيخ نفسه إنه سيتخذ قرارات تاريخية فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل، قبل أن يتم إلغاؤه دون إخبار أعضاء التنفيذية الذين علموا به من الإعلام، ولم يتم التشاور معهم طبعاً لا عند إعلان الاجتماع ولا حول جدول أعماله، وبالطبع عند إلغائه.
وفي السياق الفتحاوي صدر قرار تعيين الشيخ بمنصبه الجديد كذلك دون معرفة اللجنة المركزية للحركة المعنية بالأمر، أعلى هيئة قيادية فيها، حيث عقد آخر اجتماع لها منذ أسابيع أيضاً دون أن يشهد أي نقاش حول الملف رغم أن الحركة معنية مباشرة به أو يفترض أنها كذلك؛ كونها صاحبة القرار الفعلي بالمنظمة، كما لوجود أعضاء فيها طامحين ومنافسين للشيخ أيضاً على خلافة محمود عباس.
بناءً عليه، يمكن الاستنتاج والتأكيد أن عباس اتخذ القرار منفرداً دون نقاش أو تصويت، لا داخل مركزية فتح ولا تنفيذية المنظمة على علاّت اللجنتين، حيث كانتا نتاج مؤتمرات أقرب إلى المهرجانات، سواء فيما يخص مؤتمر فتح الأخير الذي كان معلباً بكل ما للكلمة من معنى، وأقصى عباس من خلاله معظم معارضيه وأبقى آخرين ضعفاء مكسوري الجناح، وهو ما جرى نفسه في الاجتماع المجلس المركزي للمنظمة الذي سطا على صلاحيات المجلس الوطني، برلمان المنفى، وأجاز تعيين أعضاء التنفيذية الجدد بمن فيهم الشيخ نفسه دون نقاش وتوافق جدي أو تنافس ديموقراطي، خاصة بعدما قاطعته القوى المعارضة الرئيسة الثلاث، حماس والجبهة الشعبية والجهاد الإسلامي، وأنتج لجنة تنفيذية مترهلة هرمة غير ميثاقية، وبالتأكيد غير ديموقراطية ولا تعبر عن المزاج الشعبي الفلسطيني.
أسباب اختيار حسين الشيخ
في أسباب اختيار حسين الشيخ تكمن الإشارة إلى عدة معطيات؛ منها: أنه بات في السنوات الأخيرة بمثابة المساعد الأقرب للرئيس محمود عباس وذراعه التنفيذي للدفاع عن سياساته الفاشلة.
كما يحتفظ الشيخ بعلاقات جيدة ووثيقة مع إسرائيل؛ حيث أقام قنوات اتصال مفتوحة معها من خلال قيادة التنسيق متعدد المستويات معها تحت ستار وزارة الشؤون المدنية التي يتولاها. ومن هنا بدا لافتاً وغير مفاجئ بالطبع أن يتم نشر أول خبر عن قرار تعيينه في الإعلام الإسرائيلي وقبل صدوره رسمياً في رام الله.
يتمتع الشيخ أيضاً برضا عربي مصري وأردني تحديداً بصفته خليفة غير مزعج لعباس، وسيستمر في نهجه الحالي، ولا يقل عن ذلك أهمية كونه مفتقداً للشرعية الداخلية وخاضعاً للوصاية الخارجية على اختلاف أنواعها وأشكالها العربية والإسرائيلية والدولية.
أمين سرّ منظمة التحرير الجديد مرضي عنه أمريكياً أيضاً وللأسباب والمعطيات السابقة نفسها، ووفق قاعدة أن الطريق إلى واشنطن يمر عبر تل أبيب.
يبدو لافتاً كذلك امتلاك حسين الشيخ علاقات قوية مع روسيا التي يزورها باستمرار، كان هناك منذ أيام فقط، مع التذكير بحقيقة أن أول تهنئة له بتعيينه عضواً في اللجنة التنفيذية أتت من موسكو، وتحديداً من نائب وزير الخارجية المكلف بشؤون المنطقة ميخائيل بوغدانوف.
وبالنسبة لتوقيت صدور القرار فقد جاء لافتاً بالتأكيد، خاصة بعد إعطاء أمريكا وإسرائيل، كما كتبنا هنا سابقاً، فرصة للقيادة الفلسطينية لترتيب أمور الخلافة دون مشكلات وأزمات ومطبات، ودون استئناف عملية التسوية أو المفاوضات مع تل أبيب، والاكتفاء بالمقابل باتصالات أمنية واقتصادية واجتماعية مع إسرائيل وأمريكا يقودها حسين الشيخ شخصياً بالنيابة عن محمود عباس.
في توقيت القرار أيضاً لا يمكن تجاهل صدوره بعد خسارة فتح المدوية في انتخابات المجلس الطلابي لجامعة بير زيت، ودفع ثمن السياسات الخطأ والفاشلة للسلطة التي يعتبر الشيخ أحد أركانها ومنفذيها الميدانيين، وتراجع شعبية الحركة بشكل عام؛ ما يفسر هروبها من الاستحقاق الانتخابي السابق العام الماضي، كما من أي استحقاقات ديمقراطية قادمة بما فيها الحزمة الانتخابية الكاملة الرئاسية والتشريعية.
بالعموم وضع القرار سالف الذكر حسين الشيخ في موقع يسمح له بخلافة محمود عباس، كما جرى مع هذا الأخير نفسه بعد استشهاد الرئيس ياسر عرفات، وذلك عبر إضعاف وتحجيم وتحييد منافسيه سواء داخل فتح أو المنظمة، خاصة أن التعيين تزامن مع الحديث حول تغيير حكومي قريب في السلطة سيمنح رئاسة الوزراء لشخصية اقتصادية غير سياسية من التكنوقراط؛ ما يعني إزاحة منافس آخر من طريق حسين الشيخ. وعملياً إحكام قبضته على كامل السلطة الفلسطينية أيضاً تحت ظل أو عباءة الرئيس عباس طبعاً.
لا بد من الإشارة أيضاً إلى أن الشيخ ما كان ليجتاز أي امتحان ديموقراطي جدي ونزيه لا داخل فتح أو المنظمة، وبالتأكيد ولا داخل الشارع الفلسطيني بشكل عام. ومن هنا يمكن اعتبار تعيينه بمثابة فرض للأمر الواقع وسعي لتكريس انتقال القيادة أحادياً وجبرياً دون توافق وطني واسع، علماً أن تعيينه يكرس كذلك الانقسام الحالي ويقطع نهائياً مع مسيرة الحوار المصالحة التي استمرت لعقدين تقريباً، وقبل ذلك وبعده يبدو حسين الشيخ دون كاريزما أو قدرات استثنائية عوضاً عن اتهامه بملفات فساد، ومسؤوليته عن عقد صفقات المشبوهة مع إسرائيل مثل صفقة لقاحات كورونا المنتهية الصلاحية التي أُبرمت بإشرافه شخصياً وتم إسقاطها شعبياً وإعلامياً بعد نشر تفاصيلها المخزية والمهينة في الإعلام الإسرائيلي.
إلى ذلك وعلى عكس ما أريد به فقد أكد القرار ترهل القيادة الفلسطينية الرسمية وفقدان شعبيتها وشرعيتها، وعزلتها وانفصالها عن الشعب المنشغل بمقاومة والاستيطان والتهويد وتغول الاحتلال، خاصة في الحرم القدسي الشريف والمدينة المقدسة بشكل عام، ورغم أنه نظرياً يمهد طريق الشيخ نحو خلافة عباس، لكنه حتماً لن يمر بسهولة، وسيلاقي معارضة وطنية واسعة داخل فتح وخارجها، مع التأكيد دائماً على أن الشرعية تأتي من الشعب الفلسطيني لا من عباس المعزول والعاجز، ولا من الاحتلال والغزاة على اختلاف مسمياتهم، ولا من أنظمة الاستبداد العربية الفاشلة والساقطة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.