تعتبر مباراة نهائي دوري أبطال أوروبا التي أقيمت بين فريقي ريال مدريد الإسباني وليفربول الإنجليزي في ملعب باريس السبت 29/5/2022 بمثابة إغلاق أهم فصل في مسيرة اللاعب جاريث بيل مع الأندية، حيث تمكن أخيراً اللاعب من تحرير نفسه ومشجعي الفريق وحتى الإدارة من علاقة شخصية ومهنية حققت نجاحاً وفي الوقت نفسه سببت اضطراراً من الصعب إصلاحها مستقبلاً.
علاقة شابها الكثير من المد والجزر بين طرفين من المتوقع أن يكونا علاقتهما مهنية بحتة، ولكن دخول عوامل أخرى مثل الصحافة وعقلية اللاعب غير الاحترافية جعلت حتى في حالة مساهمته في إحراز اللقب الخامس عشر سيكون غير مؤثر ولن تُصلح الضرر الذي وقع سابقاً.
تصريح صادم كانت بداية شرارة الخلاف
يتطلب فهم النهاية الدراماتيكية للعلاقة بين جاريث بيل وريال مدريد الغوص بشكل أعمق في موسم سابق مهم للاعب والفريق. ومن المفارقات أنه كان ضد ليفربول في نهائي دوري أبطال أوروبا 2018 عندما دخل بديلاً قبل نهاية المباراة بأقل من 30 دقيقة ليسجل هدفين -هدف بركلة خلفية وأخرى بعيدة المدى- أصبحا من أفضل وأجمل الأهداف في تاريخ نهائيات مسابقة دوري أبطال أوروبا حتى الآن.
وفي اللحظات التي أعقبت المباراة وشعوره بأهمية مساهمته في تحقيق اللقب الأوروبي الرابع عشر لفريق ريال مدريد خرج اللاعب بتصريح صادم مشككاً في اختيارات المدرب للتشكيلة. حيث قال بعد المباراة: "أشعر بخيبة أمل كبيرة لعدم بدء المباراة، شعرت بأنني أستحق أن أبدأ، ولكن من الواضح أن المدير يتخذ تلك القرارات. ولسبب أو لآخر سأضطر للجلوس في الصيف ومناقشة الأمر مع وكيلي واتخاذ القرار المناسب".
تصريح صادم ومفاجئ تناولته الصحافة كعادتها وأنشأت منها عناوين فرعية مثيرة، وأفردت لها الكثير من المساحات في البرامج الرياضية ومنصات التواصل الاجتماعي، ما أثر بشكل أو بآخر على فرحة الفوز للفريق ككل، وجعل الاهتمام ينصبّ على اللاعب بدلاً من الإنجاز الجماعي الذي تحقق.
حيث شعر اللاعب بأن لديه نفوذاً للتحدث وانتقاد قرارات مدربه زين الدين زيدان على الملأ بعد مساهمته في تحقيق اللقب الرابع عشر مع 21 هدفاً في جميع المسابقات، ولكن بعد خمسة أيام فقط من قيادة ريال مدريد للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الثالثة على التوالي، اتخذ المدرب الفرنسي قراراً مفاجئاً بالابتعاد عن النادي.
صدام عنيف مع مدرب صعب المراس
مع مغادرة بطل الثلاثية الأوروبية ونجم الفريق الأول إلى يوفنتوس وحلول المدرب الإسباني جولين لوبيتيجي بديلاً للفرنسي، اتضح للجميع أن هناك بداية وحقبة جديدة على وشك البدء سيكون فيه الويلزي نجم الفريق الأول والعمود الفقري فيه، ولم يخذل الويلزي التوقعات حيث أثبت نفسه في فريق ريال مدريد بشكل أساسي، لكن النتائج كلفت لوبيتيجي وظيفته قبل نهاية شهر نوفمبر 2018.
ليتدخل المدرب سانتياغو سولاري لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن أتى شهر مارس من عام 2019 لتنتهي فترة المدرب القصيرة، لتُفتح الأبواب مرة أخرى لعودة المدرب الفرنسي بشروطه الخاصة، وفكرة انتقام واضحة من اللاعب الويلزي الذي تجرأ على انتقاده في العلن.
حيث وضح أن الضرر الذي حدث بين اللاعب الويلزي والمدرب الفرنسي صاحب الشخصية القوية في الصيف الماضي لا يمكن إصلاحه، وفي الوقت نفسه لم يكن لدى اللاعب الويلزي أي استعداد لإصلاح ما كُسر أو رغبة في إعادة المياه إلى مجاريها.
ولم يتأخر المدرب الفرنسي في رفع الكارت الأحمر أمام لاعبه الويلزي الذي تجرأ على تحديه، حيث أعلن علناً رغبته في مغادرة جاريث بيل للنادي بعد الهزيمة الودية أمام بايرن ميونيخ، حيث قال في مؤتمره الصحفي: "نأمل أن يغادر قريباً، سيكون ذلك أفضل للجميع. نحن نعمل على نقله إلى فريق جديد".
أثار هذا التصريح رد فعل عنيفاً من وكيل اللاعب. ولكن في غضون أيام انسحب ريال مدريد من الخطوة المقترحة وترك اللاعب لحاله، وما زاد الأمر سوءاً معاناة اللاعب أو ادعائه الإصابات بصورة مستمرة، ما جعله حرفياً خارج الملعب أو على مقاعد البدلاء بصورة مستمرة حتى أصبح موضع هجوم مستمر من الجماهير عند لمسه الكرة في كل مرة يلعب فيها.
من بطل الرابعة عشر إلى عدو الجماهير الأول
في شهر مارس الماضي أطلق أحد كُتاب صحيفة ماركا الرياضية اليومية المؤثرة على اللاعب جاريث بيل وصف "الطفيلي الويلزي" رداً على تألقه رفقة منتخبه وتسجيله هدفين ضمن تصفيات كأس العالم 2022 في مرمى المنتخب النمساوي، بعد أن غاب قبلها بأيام قليلة عن مباراة الكلاسيكو أمام برشلونة والتي شهدت هزيمة قاسية للفريق الملكي.
هجوم مباشر من صحيفة مؤثرة غذى مشاعر الكراهية ضد اللاعب الذي لم يتوقف عن صنع أعداء له منذ فترة طويلة، بدأت بصدامه المباشر مع مدربه وإصاباته المتعددة والأهم الاستياء الكبير من أن أداءه رفقة منتخبه يفوق كثيراً أداءه مع ناديه، وأكملها بعد رفعه علم بلاده مكتوباً عليها (ويلز، جولف، مدريد.. بهذا الترتيب) في احتفاله رفقة زملائه بعد تأهل المنتخب إلى نهائيات كأس الأمم الأوروبية 2020، وهو الأمر الذي جعل من المستحيل التعاطف معه أو دعمه جماهيرياً وإعلامياً.
مغادرة من الباب الخلفي
أمام منتخب ويلز مباراة واحدة فقط عن إنهاء انتظار دام 64 عاماً للحصول على مكان في نهائيات كأس العالم في قطر في وقت لاحق من هذا العام. وفي حين أن تركيز جاريث بيل كان على نهائي دوري أبطال أوروبا الخامس في مسيرته، إلا أنه يعرف في قرارة نفسه أن اليوم الأهم بالنسبة له هو عندما يواجه منتخبه إسكتلندا أو أوكرانيا في المباراة النهائية الحاسمة في الخامس من شهر يونيو القادم.
وقد أنهي جاريث بيل مسيرته مع ريال مدريد باللقب الخامس له في دوري أبطال أوروبا، وعلى الرغم من أن إنجازاته المهنية مع لوس بلانكوس لا مثيل لها إلى حد كبير، لكن لا تتوقع أن يذرف أي من الطرفين الدموع.
ولكن الشيء المؤكد أنه سيغادر ورأسه مرفوع ليُغلق نهاية قصة تجرأ بطلها على الحديث علناً ضد مدربه وتمسك بمبادئه ومعتقداته الخاصة واصطدم بالجميع بلا استثناء، ولكن قد تكون للقصة بقية بناءً على نجاح منتخبه في الشهر القادم والذي سيكون العامل الأساسي في تحديد وجهته المقبلة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.