تشهد فلسطين منذ رمضان عام 2022، اقتحامات دائمة لباحات المسجد الأقصى من قِبل الجماعات الاستيطانية المتطرفة، مدعومة من قِبل حكومة نفتالي بينيت المتطرفة، التي تشكل حاضنةً لهذه الجماعات المتطرفة، وتغذّي التطرف والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي.
كما تُواصل الجماعات المتطرّفة إطلاق الدعوات بهدف اقتحام باحات المسجد الأقصى، وبدء هدم قبة الصخرة من أجل تشييد "الهيكل" المزعوم، وتتصاعد سياسة البطش والقتل والاعتقال وهدم المنازل في مدن الضفة الغربية، لا سيّما في مدينة جنين، التي يسعى الكيان الإسرائيلي إلى كسر شوكتها بكل ما أوتي من جبروت وقوة.
وفي سياق السياسة الإسرائيلية الممنهجة، بهدف إسكات الكلمة وقتل الحقيقة، اغتالت قوات الاحتلال الإسرائيلي الصحفية شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة في فلسطين المحتلة، في وضح نهار الحادي عشر من مايو/أيار 2022، أثناء تأدية واجبها الصحفي بمدينة جنين، في جريمة هزّت العالم بأسره، ورغم موجة الانتقادات والاستنكارات التي خرجت من كل حدبٍ وصوب في بقاع الأرض، استكملت القوات الإسرائيلية جريمتها بالاعتداء الوحشي على جنازتها والمشيعيّن في مدينة القدس، على مرأى ومسمع العالم.
ولم تكتفِ سلطات الاحتلال بالاعتداء على جنازة الشهيدة شيرين، حيث تكرّر المشهد ذاته في جنازة الشهيد المقدسي وليد الشريف، بعد خمسة أيام فقط من جنازة شيرين، ولاحظنا ولاحظ العالم حرص الاحتلال الإسرائيلي على محاربة العلم الفلسطيني خلال تشييع جثمان الشهيدة شيرين أبو عاقلة والشريف، وما بعد هذه الأحداث، فيما يبدو أننا أمام فصل جديد من المعركة الوجودية والهوياتية مع إسرائيل، لا سيّما في المدينة المقدّسة، تطرح أسئلة جديدة حول مدى الجنون الذي يمكن أن يصله الإسرائيليون، وما إذا كان هذا التمادي قد يشعل فتيل حرب دينية إقليمية؟.
مما لا شكّ فيه، في ضوء ما سبق سرده من أحداث، أن الحكومة الإسرائيلية قد جُنّ جنونها، وتُعاني من تخبّط سياسي كبير، بفعل العزلة الإعلامية والسياسية التي أوقعت نفسها بها بعد اغتيال شيرين وما تلاه من أحداث، إلى جانب المخاطر المحيطة بالائتلاف الحكومي، الذي أصبح هشاً وآيلاً للسقوط في أية لحظة.
ينظر قادة الاحتلال إلى هذه الأزمة من منظور أوسع وأشمل، ولعلّ موافقة الحكومة التي تقع تحت خطر الصدمة والتفكيك، على مسيرة الأعلام تشير إلى أن الهدف الأكبر من رفع سقف الجنون الاحتلالي هو قياس المدى الذي يمكن أن تصل إليه موجة الانتقادات والاستنكارات الأممية، إلى جانب اختبار حجم المواجهة الفلسطينية الشعبية والرسمية.
بمعنى أن هذا التصعيد الإسرائيلي يعتبر بمثابة منصة لاختبار منظومة المجتمع الدولي من جهة، ومنظومتنا النضالية من جهة أخرى، سيحدّد الاحتلال في ضوء النتائج طبيعة الأدوات والسياسات الجديدة التي سينتهجها في حربه على الكيانات الفلسطينية.
وعليه فإن المطلوب فلسطينياً حسم وحدة الموقف في مواجهة الاحتلال، من أجل أن يخسر العدو الخائب الرهان، كما يخسر في كل مرّة أمام شعب فلسطين الصنديد. وأما الأسئلة المتعلقة باحتمالات انفجار الأوضاع في فلسطين والمنطقة، فستجيب عنها منظومة المجتمع الدولي، التي يراهن الاحتلال على صمتها كما يحدث دوماً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.