نشهد في الفترة الحالية خطاباً تركياً مختلفاً إزاء مختلف الأزمات العالمية، حيث لا نلحظ فيه أي تمييز بين صديق وعدو، وهذا بالتأكيد لا يؤشر إلى محورية وأهمية الدور التركي في القضايا العالمية فقط، بل يستهدف أيضاً الداخل التركي لاستنهاض حراك شعبي يعزز حظوظ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية القادمة.
والدليل الأول على ذلك هو سيولة الموقف التركي من الأزمة الأوكرانية، فمن جهة تغلق تركيا مضائقها أمام عبور السفن الحربية وتمنع الروس من استخدام الأجواء التركية عسكرياً.
وفي نفس الوقت تعمل على وساطة بين روسيا وأوكرانيا، ولا تلتزم بقرارات حلف الناتو حول تزويد أوكرانيا بالسلاح رغم عضويتها فيه، عدا عن ذلك تصعّد لهجتها حيال اليونان شريكتها في نفس الحلف أيضاً.
والدليل الثاني على مرونة الموقف التركي واستغلاله للظروف العالمية، هو عرقلة انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو، حتى تحصل على تعهد من الدولتين بعدم دعم التمرد الكردي، وفتح باب المفاوضات من جديد لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
وقبل أيام معدودة، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن اقتراب موعد بدء عملية عسكرية تركية في الأراضي السورية هدفها إنشاء حزام أمني أو "مناطق آمنة" بعمق 30 كيلومتراً، وهذا يعني انقلاباً على التفاهمات السابقة مع الجانب الروسي الذي يعاني عسكرياً في أوكرانيا واقتصادياً.
هل التصعيد التركي القادم على الجبهة السورية مرتبط بما يجري في أوكرانيا حالياً؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من التنويه إلى أنه وفق رؤيتي، يتمثل هدف الغرب الاستراتيجي بقيادة أمريكا من الوضع العالمي الحالي هو ابتزاز روسيا عبر الحرب الأوكرانية لإقناعها بفسخ التحالف مع الصين، للانفراد بالأخيرة في المرحلة القادمة.
وهذا يعني أن الشرق الأوسط لا يقع حتى في الحديقة الخلفية لهذا الصراع المستعر على الأرض الأوروبية، وأي ربط بين ما يجري في أوكرانيا وما يحصل من تطورات في سوريا يبنى على اعتقاد بالانكفاء الروسي عن سوريا، في الوقت الذي تقلص فيه الاهتمام الدولي بسوريا وحربها، ما يعني فرصاً أكبر لتوسع الدور التركي.
لكن الحيوية السياسية التي تبديها دول الناتو، بما فيها تركيا، في الفترة الحالية تقوم على رهان خطر، وهو هزيمة روسيا في أوكرانيا، والتي يروج لها الغرب دون أي مبرر أو دليل منطقي حيث إننا نشهد في أرض المعركة قضماً روسياً يومياً لأراضٍ ومدن أوكرانية جديدة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.