في تسارع مع الزمن تسعى حكومة نفتالي بينت الإسرائيلية إلى تهويد الحرم الإبراهيمي وتغيير هويته الحضارية الإسلامية وواقعه التاريخي والقانوني القائم عبر عمليات هدم وبناء وتجريف، وصولاً إلى هدم أجزاء من الدرج التاريخي للحرم، وتنفيذ عمليات حفر بآليات ثقيلة في ساحاته الخارجية؛ بحجة استكمال مشروع المصعد الكهربائي.
مقدمة لتهويد المدينة
يلحظ المتابع للنشاطات التهويدية؛ بأن الاعتداء الصارخ والاستفزازي على الحرم الإبراهيمي خطوة متقدمة لفرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليه في انتهاك صارخ للقانون الدولي وجزء لا يتجزأ من عمليات تهويد قلب مدينة الخليل وبلدتها القديمة بما يخدم روايات الاحتلال التلمودية وأطماعه الاستعمارية التوسعية؛ في وقت تمّ خلاله إزالة دولة الاحتلال أجزاء من درج الحرم الإبراهيمي، واستمرت في عمليات الحفر والتدمير التي طالت مساحات شاسعة من مساحة الحرم؛ جنباً إلى جنب مع بناء مستعمرة إسرائيلية في عمق البلدة القديمة في مدينة الخليل؛ وسيـتم إقامة 31 وحدة سكنية استعمارية في مجمع الحافلات القديمة، ويعتبر البناء الأول منذ عقدين من الزمن.
ويعكس القرار المخطط الاستيطاني للسيطرة على محافظة الخليل بكاملها، والتي وصل عدد المستعمرات والبؤر الاستعمارية فيها إلى خمسين موقعاً استيطانياً موزعة توزيعًا ممنهجًا يعزز القبضة الشاملة على المدينة ومن ثمّ التوسع باتجاهات عدة؛ في وقت يسكن فيها 120 ألف فلسطيني، في مقابل نحو ثلاثين ألف مستعمر إسرائيلي.
واللافت أن بداية النشاط الاستعماري الإجلائي الإحلالي في مدينة الخليل منذ احتلالها في حزيران/يونيو من عام 1967، عبر الاستيلاء بداية على بعض الأبنية في داخلها، وتحويلها إلى أحياء سكنية لليهود؛ ودخول 73 مستوطناً مدينة الخليل في 10/5/1968، حيث سكنوا فندق "النهر الخالد"، وأعلنوا نيتهم البقاء؛ بدعم من سلطات الاحتلال، وتوسعوا في منطقة المسجد الإبراهيمي، حيث توجد مغارة "الماكيفلا" التاريخية، والتي تضم قبور الأنبياء، وهي جزء من المسجد.
وفي عام 1968، أقرت حكومة الاحتلال بناء مدرسة دينية في الخليل، لتستقطب وتجلب دعاة التهويد والاستعمار، وحوّلت جزءًا من المسجد الإبراهيمي إلى "غرفة صلاة"؛ تمهيداً للسيطرة على المسجد وجواره. وفي سبتمبر/أيلول من عام 1968، سمحت سلطات الاحتلال للمستعمرين الصهاينة بإقامة كنيس مقابل المسجد الإبراهيمي، وتعد هذه الخطوة الأولى في خلق واقع جغرافي يهودي داخل مركز المدينة؛ كما فتحت مدخلاً وطريقاً جديداً إلى المسجد الإبراهيمي، وأقامت نقاط مراقبة عسكرية حول المنطقة. وفي 1970 أقام الاحتلال مستوطنة كريات أربع، في محيط البلدة القديمة في المدينة بهدف إيجاد ربط ديموغرافي بين البؤر الاستيطانية والمستوطنين الذين يحتلون أحياء في المدينة وبلدتها القديمة حيث يقطنها قرابة ثمانية آلاف نسمة، وتعدّ النواة الأساسية لحركة المستوطنين المتطرفين في الضفة ومقراً لحركة "كاخ" الصهيونية. وفي عام 1978، احتلت مجموعة من المستوطنين مبنى الدبويا وسط المدينة، وأطلق عليه المستوطنون فيما بعد اسم "بيت هداسا".
وفي عام 1983 أقيمت بؤرة قرب مبنى الدبويا عرفت باسم "بيت رومانو"، بعد السيطرة على مدرسة "أسامة بن المنقذ" بادعاء أنها أملاك يهودية. وفي عام 1984، وأغلقت سلطات الاحتلال سوق الخضار المركزية في البلدة القديمة، وسلمتها فيما بعد للمستوطنين لإقامة بؤرة استيطانية جديدة، بالإضافة إلى بؤر أخرى استعمارية أخرى .
رسم ديموغرافيا قسرية
يكمن الهدف الإسرائيلي الجوهري من اعتداءات المستوطنين المتكررة على مدينة الخليل وتنشيط الاستعمار فيها انطلاقاً من الحرم الإبراهيمي؛ في محاولة دولة الاحتلال إفراغها من أهلها العرب ومن ثم طمس هويتها العربية الإسلامية عبر رسم ديموغرافيا قسرية تهويدية.
فمدينة الخليل الفلسطينية في الضفة الغربية لا تزال الهدف الأول للأطماع الاستيطانية، كما أن أول عمل استيطاني تم في الضفة تمثل في إقامة نواة استيطانية في كفار عصيون الموقع الاستراتيجي على مشارف مدينة الخليل، وفي السياق نفسه يمكن التأكيد أن المخططات الإسرائيلية إزاء الحرم الإبراهيمي ليست أقل خطورة من المخططات الصهيونية لتهويد الأقصى المبارك.
تحدق بالحرم الإبراهيمي مخاطر جمة في المقدمة منها محاولات إسرائيل تحويل الحرم إلى كنيس يهودي خلال السنوات القليلة القادمة، ومن ثمّ جعل محافظة الخليل مستعمرة صهيونية وثكنة عسكرية متقدمة للجيش والمستعمرين للانقضاض على مساحات إضافية من الأراضي في عمق الضفة الغربية، حيث تعتبر الأرض الفلسطينية الركيزة الأهم للمشروع الصهيوني الذي لم تكتمل ركائزه رغم مرور 74 عاماً على إنشاء الدولة الإسرائيلية المارقة؛ بفعل مقاومة الشعب الفلسطيني المستمرة بأشكال متعددة ومشروعة لدحر الاحتلال في نهاية المطاف.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.