يُطلق على رياضة كرة القدم لقب "الساحرة المستديرة"، ولا أعرف متى أُطلق هذا الاسم عليها ولا سبب ذلك، ربما للجمال والمتعة التي تقدمها لمشاهدي مبارياتها ومتتبعي مسابقاتها، وقد تكون لأسرها لقلوب المبالغين في الشعف بها.
في تاريخ رياضة كرة القدم، ظهر العديد من اللاعبين المميزين الذين لقبوا بـ"الساحر"، وأبرزهم الأسطورة البرازيلية بيليه، مثلما ظهر أيضاً مدربون لقبواً بـ"الساحر"، ولعل أشهرهم، المجري بيلا جوتمان، ولكن هذا الأخير، وُصف بهذا الاسم بسبب "لعنة جوتمان" التي أطلقها على نادي بنفيكا البرتغالي.
بدأ ممارسة الكرة في سن متأخرة واحترف بأمريكا
ولد بيلا جوتمان يوم 13 مارس/آذار 1900 بعاصمة المجر بودابست، في وقت الإمبراطورية النمساوية المجرية، ولذلك فقد نال الجنسية النمساوية في عام 1956، كما عاش في العاصمة فيينا التي توفي فيها يوم 28 آب/أغسطس 1981.
بدأ ممارسة رياضة كرة القدم، في سن متأخرة، وبالضبط لما كان يبلغ من العمر 19 عاماً، حيث انضم لنادي "إم تي كيه بودابست"، الذي تُوّج رفقته بلقبي الدوري المجري في سنتي 1921 و1922، قبل أن يلتحق بنادي "هاكواه فيينا" النمساوي، الذي استمر معه حتى عام 2026، حيث فضل بعدها الاستقرار بالولايات المتحدة الأمريكية، فلعب في صفوف عدة أندية بنيويورك وبروكلين حتى 1932.
وخلال فترة وجوده بأمريكا، وبالموازاة مع ممارسة رياضته المفضلة، دخل جوتمان عالم المال والأعمال، ففتح حانة غير قانونية، كما جرب حظه في المضاربة في سوق الأسهم، لكنه خسر أكثر من 50 ألف دولار خلال انهيار بورصة نيويورك في سنة 1929.
عاد جوتمان إلى أوروبا، وبالضبط إلى النمسا، في عام 1932، فلعب موسماً واحداً مع نادي هاكواه فيينا (1932- 1933)، قبل أن يعتزل اللعب نهائياً ويتحول لمزاولة مهنة التدريب مع النادي نفسه بداية من الموسم الموالي (1933-1934)، ثم أنشخيده الهولندي من 1935 إلى 1937، ليعود مرة أخرى إلى هاكواه فيينا في موسم (1937- 1938)، ويدرب بعدها يوبست المجري في موسم (1938- 1939).
اضطر جوتمان للابتعاد عن رياضة كرة القدم خلال الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، ثم استأنف نشاطه مدرباً لعدة أندية بالمجر وألمانيا وإيطاليا والأرجنتين وقبرص، قبل أن تُفتح أمامه أبواب الشهرة في عام 1953 لما تسلم مقاليد الإدارة الفنية لنادي ميلان الإيطالي.
قصصه الغريبة بدأت مع ميلان الإيطالي
يملك جوتمان مع إيه سي ميلان قصة غريبة شبيهة نسبياً بتلك التي يعرفها عنه المؤرخون مع نادي بنفيكا البرتغالي، وسأستعرضها لك، عزيزي القارئ، باختصار لتكون لك كمقدمة عن تلك التي سأسترسل فيها والخاصة بنادي العاصمة البرتغالية، بنفيكا.
ففي ديسمبر/كانون الأول 1953، تسلم جوتمان رئاسة الجهاز الفني لنادي ميلان خلفاً للإيطالي أريغو مورسيلي، وأنهى موسم (1953- 1954) في المركز الثالث لترتيب الدوري الإيطالي، ولكن في الموسم التالي (1954- 1955)، وعلى الرغم من أنّ الفريق اللومباردي كان متألقاً رفقة مدربه المجري؛ فإنّ إدارة النادي قررت إقالته في شهر فبراير/شباط 1955، في وقت كان فيه ميلان متصدراً للدوري.
وأطلق جوتمان عقب ذلك تصريحاً حاداً تجاه إدارة ميلان قال فيه: "أقالوني رغم أنني لم أكن مجرماً أو شاذاً جنسياً، وداعاً".
وأنهى نادي ميلان ذلك الموسم بطلاً لإيطاليا بقيادة إتوري بوريتشيلي، الذي خلف بيلا جوتمان، ليكون بذلك هذا الأخير، أي جوتمان، قد أسهم بشكلٍ كبيرٍ في تتويج "الروسونيري" بلقب الدوري الإيطالي لكرة القدم، دون أن ينال شرف تخليد اسمه في هذا الإنجاز.
وبعد مغادرته لميلان، واصل جوتمان تنقله ما بين الأندية، فدرب لانيروسي فينسيا الإيطالي (1955- 1956)، ثم بودابيست هونفيد (1956- 1957)، فساو باولو البرازيلي (1957- 1958)، الذي توج معه بلقب ولاية ساو باولو.
وحط الرحال بعدها بالبرتغال، فأشرف على تدريب نادي بورتو، فقاده لنيل لقب الدوري المحلي في موسم (1958- 1959)، ووصل رفقته لنهائي كأس البرتغال، الذي انهزم فيه أمام نادي بنفيكا لشبونة (0-1).
نجاح مُبهر وتاريخي مع بنفيكا
إضافة لفوزه على غريمه التقليدي بورتو، نجح بنفيكا أيضاً، في صيف 1959، في خطف المدرب الساحر بيلا، الذي وجد من جهته، في نادي العاصمة البرتغالية، الفريق المثالي الذي سيقوده نحو المجد الأوروبي، بحيث منحه مسؤولو النادي كل الصلاحيات فيما يخص الجانب الفني.
استعمل جوتمان هذه الصلاحيات في إحداث ثورة بتشكيلة الفريق، من خلال الاستغناء عن العديد من اللاعبين المخضرمين، والإبقاء على البعض منهم على غرار محرك الفريق، متوسط الميدان الهجومي ماريو كولونا.
وقام بالمقابل بضم عدة لاعبين شباب ومغمورين كجوزيه أوغستو وأنطونيو سيمويس، ثم أوزيبيو في عام 1960، الذي تحول فيما بعد لأسطورة الكرة البرتغالية، والذي جلبه جوتمان من الموزمبيق، التي كانت مستعمرة برتغالية، وذلك بتوصية من صديقة البرازيلي جوزيه كارلوس باور.
وتمكن جوتمان في قيادة بنفيكا للتتويج بلقب الدوري البرتغالي في موسمين متتاليين (1959 – 1960) و(1960- 1961)، ثم بلغ لأول مرة في تاريخ النادي، الدور النهائي لبطولة أوروبا للأندية البطلة (التسمية السابقة لمسابقة دوري أبطال أوروبا)، الذي خاضه يوم 31 مايو/أيار 1961 بمدينة بيرن السويسرية، وتُوج على أثره باللقب بالفوز على حساب نادي برشلونة الإسباني (3-2).
وأضاف بنفيكا لقباً أوروبياً ثانياً في الموسم التالي؛ حيث فاز في نهائي البطولة، يوم 2 مايو/أيار 1962 بمدينة أمستردام الهولندية، على نادي ريال مدريد الإسباني (5-3) بقيادة أوزيبيو الذي سجل هدفين اثنين، في حين سجل ثلاثية الريال أسطورة النادي الملكي، المجري فيرينتس بوشكاش.
وعقب ذلك الإنجاز التاريخي الذي حققه مع فريق بنفيكا، اشترط بيلا جوتمان على إدارة النادي الرفع من راتبه للاستمرار معه، لكن الرد كان سلبياً، ما جعل المدرب المجري يقرر الرحيل ويطلق "لعنته"؛ حيث خاطب مسؤولي النادي ساخطاً ومتوعداً: "سأرحل وأنا ألعنكم. لن تنالوا لقب بطولة أوروبا خلال السنوات الـ100 القادمة".
وحتى وإن كان قد قال ذلك الكلام في لحظة غضب، وأنا شخصياً لا أؤمن بوجود لعنة يطلقها إنسان تجاه آخر، فإن ما توّعد به جوتمان لا يزال مفعوله سارياً إلى الآن، حيث خاض بنفيكا 8 نهائيات أوروبية، منها 5 في بطولة الأندية البطلة أمام ميلان الإيطالي عامي (1963 و1990)، وإنتر ميلان الإيطالي (1965)، ومانشستر يونايتد الإنجليزي (1968)، وآيندهوفن الهولندي (1988)، و3 نهائيات في كأس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أو الدوري الأوروبي، أمام أندرلخت البلجيكي (1983) وتشيلسي الإنجليزي (2013) وإشبيلية الإسباني (2014).
تمثال أمام ملعب "دا لوز" للتخلص من لعنة جوتمان!
ويبدو أنّ المسؤولين الذين تعاقبوا على تسيير نادي بنفيكا بعد وعيد جوتمان قد آمنوا بـ"اللعنة" التي تكون قد أصابت فريقهم، خاصة في ظل تواصل الاخفاقات على الصعيد الأوروبي، وقد سعت إدارة النادي لوضع حد لها في سنة 2014 ولكن دون جدوى، فكيف ذلك؟
فلقد اقترح سفير المجر لدى البرتغال في عام 2014، نوربيرت كونكولي، على رئيس نادي بنفيكا، لويس فيليب فييرا، بنصب تمثال لبيلا جوتمان رافعاً كأسين لذات الأذنين (واحدة في كل يد)، وذلك بزعم إعادة روح المدرب وبالتالي التخلص من اللعنة.
ووافق رئيس بنفيكا على الفكرة بشرط نحت التمثال بالمجر وليس بالبرتغال، وهو الأمر الذي حدث بالفعل، وتم نصب التمثال الضخم الذي يفوق طوله مترين أمام مدخل ملعب "دا لوز" بالعاصمة لشبونة، في يوم 28 فبراير/شباط 2014، بمناسبة الذكرى الـ 110 لتأسيس النادي .
لكن فكرة السفير المجري لم تُغير أي شيء، واستمرت اللعنة بانهزام الفريق، بركلات الترجيح، يوم 14 مايو/أيار من العام نفسه، بملعب "يوفنتوس" بمدينة تورينو الإيطالية، في نهائي الدوري الأوروبي لكرة القدم، أمام نادي إشبيلية الإسباني.. لتستمر بذلك "اللعنة".
مدرب رحالة أشرف على 21 نادياً
وبدأ جوتمان لعب كرة القدم في مركز مدافع، ثم تحول إلى متوسط ميدان، وشارك في 4 مباريات دولية مع منتخب المجر من 1921 إلى 1924، سجل خلالها هدفاً واحداً، وكان ذلك خلال الفوز على المنتخب الألماني (3-0) في يونيو/حزيران 1921.
وبحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية، ليوم 17 يناير/كانون الثاني 2007، فإنّ سبب هذا العدد الضئيل من المشاركات الدولية يرجع لخلافه مع مسؤولي منتخب المجر خلال أولمبياد باريس 1924.
وقد تكون شخصيته القوية هي سبب توتر علاقاته مع مسؤولي معظم الفرق التي دربها، وكثرة ترحاله بين الأندية، حيث يطلق على اسم بيلا جوتمان إضافة للقب "الساحر المجري" اسم "المدرب الرحالة"؛ إذ أشرف على تدريب 21 فريقاً طيلة 40 سنة من العمل، أنهاها في عام 1973 مع نادي بورتو.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.