ستندم إن لم تتعلمها مبكراً.. 7 دروس فهمتها عن الحياة بعد أن تجاوزت الخمسين عاماً

عدد القراءات
963
تم النشر: 2022/05/24 الساعة 10:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/24 الساعة 10:42 بتوقيت غرينتش

أكرمني الله بأخوات غاليات راقيات، كنت معهن على إذاعية مرئية، وضع الله لها بفضله وكرمه الانتشار والقبول، فجعل لها جمهوراً عريضاً، يسمعونها في السيارة ووسائل المواصلات وفي البيوت، البرنامج كان 20 حلقة، وطرقنا فيه أنا وأسماء وإيمان، موضوعات متنوعة مما يهم المرأة بعد سن الخمسين، ومما تعيشه وتعاني منه، وكان موضوع حلقتنا الأخيرة خلاصة لما تعلمناه في هذه الحياة، فرأيت نقلها لَكُنَّ.

وبالمناسبة كثير من الرجال تابعوا برنامجنا وأثنوا عليه، وقالوا إنهم استفادوا منه، فنصائحنا تنفع الرجال لأننا نتشارك معهم بمساحة واسعة من الخبرات والمشاعر الإنسانية، ونتشارك معهم الحياة اليومية في البيوت، وبالتالي خبراتنا تفيدهم لكي يفهموا زوجاتهم، فتتحسن العلاقات الأسرية.  

دروس فهمتها عن الحياة

وهذه السبع خبرات مما تعلمته أنا، وشيء مما أفادتني بي زميلاتي الغاليات:

1- تعلمتُ أن أستمتع بكل لحظة من حياتي؛ مهما كانت الظروف قاسية:

فحين استعرضت حياتي الطويلة، وجدت فيها مواقف جميلة ومميزة، على أني لم أدرك روعتها إلا حين مرت عليها أيام وسنوات، وتبدل الحال ورأيت ما بعدها وعرفت الدنيا! فكل لحظة لن تعود، وكل مكان قد لا تدوسينه ثانية، وكل شخصية قد يكون لقاؤك معها الأخير.

وكنت أظن أن الحياة ستطول، فإذا بها تمر سريعاً، وكنت أظن جدي وبيته الكبير سوف يدومان لي، وأن جدتي ولدت كبيرة ولها أحفاد وستبقى ترعانا وتستضيفنا بقلبها الرحيم… حتى صحوت يوماً على خبر وفاتها، وإذا بها قد اختفت من حياتي رحمها الله.

فقررت ألا أقع في هذا الفخ مرة أخرى، وأستمتع بكل لحظة وأكتشف حلاوتها وأنا أعيشها (وليس بعد مضيها).

فاستمتعي بكل يوم وبكل نعمة، فكل ما أنت فيه لن يبقى ودوام الحال من المحال، وما يذهب لا يعود، ولهذا قال المصطفى عليه السلام اغتنم خمساً قبل خمس (الحياة والشباب والصحة والمال والفراغ).

 وإن كل ما نعيشه في حياتنا اليومية هو جزء منا- ولو كان مملاً ورتيباً ومزعجاً- وسيبقى مركوزاً في كياننا، وسوف نَحِنُّ له يوماً. فلا شيء يبقى كما تعودتِ عليه: فأولادك سيكبرون ويغادرون، وقد تهاجرين فتفارقي وطنك أو المكان الذي ألفتِهِ…

وإذا سألتني كيف أستمتع؟

عادة هم ينصحون بأن تنظري للنصف الممتلئ من الكوب، وتشاهدي النعم التي بحياتك، وتنسي السلبيات… وأنا لن أنصحك بهذا، لأنه سيكون صعباً عليك ومتعذراً وأنت داخل المحنة (تشعرين بألم البلاء، وقهر المصيبة، وصعوبة التصرف…)، والأمور خارجة عن إرادتك.

ولذلك أنا سأنصحك، بأن تبتعدي عن مشكلتك، فالابتعاد علاج لأي مشكلة حتى حين، ويكون بالابتعاد النفسي والمكاني:

وأما النفسي، فالترويح بأي شيء يجعلك بمزاج جيد، ولو كان كوب قهوة، أو مشاهدة فيلم، أو سماع أغنية، أو النظر من الشباك ومراقبة المارة والحياة، أو سماع صوت عصفور، أو رؤية قطة… وإن توفر لك الخروج من البيت، فيكون أفضل فاذهبي للحديقة القريبة، للطبيعة، لنهر أو بحر بالجوار، أو لصديقة صدوقة تحبينها ويمكنك الاسترخاء معها…

نصيحتي لك "رَوِّحي عن نفسك كل يوم، وأولاً بأول، ولا تتأخري"؛ وإلا تراكمت عليك المنغّصات وغلبتك وقهرتك.

2- الاحتفاظ بمكنونات نفسي لنفسي قدر الإمكان:

فلا تبوحي بخفايا حياتك، ولا تثقي ثقة كاملة بأي شخصية؛ فالعلاقات والأفكار تتغير وتتبدل، وحبيب اليوم قد يكون غريباً غداً، وصديق الفكر قد يكون عدوه.

فمثلاً: أختي التي كانت الأقرب لي قد تصبح الأبعد، وتتباين أفكاري مع أفكارها رغم نشأتنا في بيت واحد. وبنت عمي التي كانت طائشة وأصغر مني، قد تنضج ذات يوم وتكبر وتعي، فتصبح شخصية حكيمة يمكنني الاستفادة من خبرتها.

وإذا سألتني: لمن أشكو إذن، وكيف سأتدبر مشكلاتي وأحزاني وحدي؟!

فسأقول لك: اختاري عدة شخصيات ممن حولك، ممن تثقين حالياً بهن، وبوحي لكل واحدة بجانب واحد أو اثنين من خبايا حياتك، مما يتناسب مع تخصصها المهني، أو خبراتها الحياتية، أو طبيعة شخصيتها وجبلتها وسعة صدرها وكبر عقلها، بحيث: تسلّيك أو تنسيك أو تتوجع معك، أو تعطيك حلاً.

والفكرة "ألا تضعي كل أسرار حياتك مع شخصية واحدة"، قد تنقلب عليك يوماً فتستعملها ضدك، أو تشمت بك.

3- رأيت أن أرحم نفسي حين أحاسبها، فهي ضعيفة أمام الظروف القاهرة، وضحية لأمور أكبر منها:

فمهما تعلمتِ ستفاجئين بمواقف جديدة لم تمري بها، فارفقي بنفسك، واعذريها، ولا تكثري من لومها؛ فإن العلاقات والأحداث والتكنولوجيا أصبحت سريعة جداً ومتجددة دوماً؛ ولذلك كلما تعلمنا من الحياة درساً… جاءتنا بمواقف مختلفة وصادمة لم نعاينها من قبل، ولم نألفها (فلا نستفيد من خبراتنا السابقة!)، وهذا مربكٌ ومحزن، ويجعلنا نخطئ وقد آلينا على أنفسنا أن نكون حذرات واعيات.

بالإضافة لأن الله سبحانه قد خلقنا بصفات وراثية وجبلة من الصعب جداً تغييرها، وهي تقود سلوكنا في بعض المرات غصباً علينا… فاقبلي نفسك، وتصالحي معها إذا أخطأت، فكل ابن آدم خطاء، والمهم عدم الإصرار عليه، مع محاولة تجنبه، أو التخفيف منه.

فلا تقولي: لو أني فعلت كذا لكان كذا… فالأمر قد انتهى، وفكري ماذا يمكنك أن تصنعي الآن؟

وكما أن بعض الهزات الأرضية والزلازل تكون شديدة ومدمرة، وفوقها لها ارتدادات مرعبة وخطيرة؛ فإن بعض ما نتعرض له (خاصة بطفولتنا) يبقى أثره مدى الحياة في جانب ما من شخصياتنا، ويصعب علينا الخروج من تأثيراته.

4- أصبحتُ كالكشافة شعاري "كوني مستعدة" وتوقعي الأذى، ومن المقربين منك:

لا بد، وأكرر لا بد، "لكل إنسان" من بلاء كبير أو أكثر؛ ولا يمكننا التحكم فيه أو اختياره، فهو من قدر الله في كتاب من قبل أن نبرأها، وما أصابنا لم يكن ليخطئنا: جفت الأقلام ورفعت الصحف. وهذا جداً مطمئن أنه "قدر الله، ولو بدا من البشر"، وقد يأتينا فجأة.

ولذا لا تقولي: "الله يعاقبني، لأني أخطأت، أنا أستحق…"، فهذا محبط، وليس بالتفكير السليم. والصواب أن تتذكري: أن الدنيا أصلاً دار بلاء، ولن تتمكني من التفريق بين: البلاء الذي أصابك بسبب خطئك، وبين البلاء الذي هو لرفع الدرجات، فلعله لك سر عند الله (لأن الله يبتلي الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل)، فاكتفِ بالاستغفار، واستمري بمحاسبة نفسك برفق وعدل.

وإن المزعجات من الصغائر أشد فتكاً من الكبائر، وهي التي تقوض الحياة وتخرب العلاقات أكثر من الكبائر، فكلمة واحدة مؤذية قد توقع البغضاء، وحركة بالفم أو اليد قد تُشعر بالمهانة وتوغر الصدر.

ولا بد من منغصات يومية متكررة؛ فهذه هي طبيعة الحياة مهما احتطنا، واعلمي أن أذى الناس على رأسها، فلا بد من تعرضك لضررهم مهما حاولت وترقيت وترفعت، وتعاملت بنبل، فكثيرون وكثيرون للأسف يقابلون المعروف بالضر، والخير بالشر. والمؤلم أن الإيذاء يصلنا من أقرب الناس إلينا، ولا تعجبوا: فهم يعرفون أسرارنا، ويستطيعون الوصول لنا، ولبيوتنا ولكل من يلوذون بنا، مما يسهل عليهم التحريش والإفساد. وكل هذا لا يلغي أن ظلم ذوي القربى أشد على النفس من وقع الحسام المهند… ولهذا تتأثر نفسياتنا، ويسرع الاكتئاب المرضي لكثيرين منا.

ومن قواعد الحياة "من مأمنه يؤتى الحذر":

– فكم من أب أو أخت أو زوج أو جارة ظننا أنه من المستحيل أن ينزغ الشيطان بيننا… ولكنه فعل.

– وكم من بلاء أو مصيبة ظننا أنها حوالينا، ولا يمكن أن تصيبنا… وإذا بها تدق بابنا، وتقلق منامنا.

5- لا أحزن إذا لم تتحقق أحلامي:

فنحن حين فكرنا بآمالنا القديمة، وماذا حققنا منها؟ كانت صدمة أنه "لا شيء"! أو "شغلات بسيطة". على أننا اكتشفنا أننا أنجزنا أموراً أخرى قد تكون أجمل وأكثر فائدة أو أكثر ملائمة لشخصياتنا، وظروفنا.

وإذا كنتِ من اللاتي لم يحققن شيئاً (لا آمالك القديمة ولا غيرها): فإياك أن تحبطي أو تيأسي. فاليوم أصبح الإنجاز ممكناً بأي عمر، وكثير من العباقرة والمشهورين حققوا نجاحاتهم بعد الأربعين، وبعد الخمسين، بل بعد الستين.

وأصبح الإنجاز في متناول يدك وأنت بالبيت، فلديك منابر كثيرة لتتعلمي منها، ثم لتخرجي إبداعك عليها بالصوت والصورة.

وابدئي بالقراءة والثقافة والعلم ووسعي اطلاعك بالمجال الذي تحبينه، فهذا أكثر ما سيفيدك ويفتح لك باب النجاح.

6- أن أعيش لأجل فكرة، لا لأجل شخصية:

فقد علمتنا الحياة ألا نجعل من أولادنا أو أزواجنا أو أهلنا مدار حياتنا؛ وإلا: أصبحنا عبئاً عليهم في كبرنا. وكانوا عبئاً علينا في شبابنا، فلا يمكننا التعلم ولا العطاء ولا الاستراحة وقد نذرنا أنفسنا لراحتهم ونجاحهم هم، فإن لنفسك عليك حقاً.

وإننا بذلك سوف نتحول لأمهات عاميات جاهلات، ونحرمهم من أم واعية مثقفة، قدوة، وواجبنا أن نُعِدَّهم للحياة، مع الاستمرار بإعداد أنفسنا.

وتنضبط القضية بضبط الأولويات والموازنات، فحين يكونون صغاراً جداً وبحاجة للعناية 24 ساعة أكون معهم، ثم وكلما كبروا أتخلى عن هذه الوصاية، وألتفت لنفسي.

ولذا فإني أنصح كل امرأة بأمرين:

الأول- الدراسة وحمل شهادة.

الثاني- وبالإضافة إليها إتقان مهنة.

فمن لم تجد، فأنصحها بالسعي نحو هدف سامٍ: كالتطوع في مؤسسة خيرية، أو تربية طفل يتيم… أو أي عمل ينفع المسلمين.

7- المثالية غير ممكنة:

كنا في أوائل نشأتنا ننشد المثالية ونتوق إليها فتعبنا؛ وعشنا شبابنا في صراع بين المعالي التي نتمناها، وبين الواقعية التي تمليها علينا ظروف الحياة. ثم اكتشفنا تعذرها: فنحن كل يوم في شأن، ومهما حاولنا الاتجاه لفوق والارتقاء، فإن الدنيا تسحبنا لتحت وللواقع، ولمشاغلها، وتجرفنا بملذاتها، وليس خطأ أن نستمتع فيها، ونمارس هواياتنا، وليس غريباً أن نخطئ، فالله جعلنا بشراً لا ملائكة، والمهم ألا نقع بالكبائر، ونرتقي قدر استطاعتنا.

وتعلمنا أن الصواب يتعدد وليس شرطاً أن نمشي جميعاً على منهج واحد، فكل ميسر لما خلق له، والمهم الرقي بالشخصية، والإنجاز بالمهنة.

كانت هذه سبع أفكار، لبعض تجاربنا، والحكمة التي استفدناها من الحياة، وقد تجاوزنا الخمسين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عابدة المؤيد العظم
أستاذة الفقه والشريعة الإسلامية
عابدة المؤيد العظم، مفكرة إسلامية وباحثة في الفقه وقضايا الأسرة
تحميل المزيد