اختار النواب الصوماليون في مجلسي البرلمان، الشيوخ والشعب، المكوّن من 327 عضواً، الرئيس حسن شيخ محمود كرئيس عاشر للصومال منذ استقلالها عن إيطاليا وبريطانيا في 1960، في اقتراع بدأ صبيحة الأحد الماضي في حظيرة طائرات المعروفة بأفَسِيَوني في مطار آدم عبد الله الدولي الخاضع لحراسة مشدّدة من قِبل قوات الاتحاد الإفريقي والقوات الصومالية، تحسباً لهجمات يمكن أن تشنها حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ووُصفت العملية التي أدت إلى إعادة انتخاب الرئيس السابق حسن شيخ محمود بالماراثونية؛ إذ استمر الاقتراع إلى ثلاث جولات تنافس فيها 39 مرشحاً، وهي نسبة كبيرة مقارنة بالانتخابات الرئاسية السابقة لهذا البلد الواقع في منطقة القرن الإفريقي المضطربة.
كان من بين أبرز المرشحين الرئيس المنتهية فترته محمد عبد الله فرماجو ورئيسان سابقان حسن شيخ محمود وشيخ شريف شيخ، ورئيس الوزراء السابق حسن على خيري، وعمدة مدينة مقديشو السابق ثابت عبدي محمد، ورئيس إقليم بونتلاند سعيد عبد الله ديني. في الجولة الأخيرة، بعد منتصف الليل، حصل حسن شيخ محمود على 214 صوتاً، بينما حصل الرئيس محمد فرماجو على 110 أصوات، وفسدت ثلاثة أصوات. تميزت هذه الانتخابات عن سابقتها بتأجيل استمر لمدة عامين نتيجة الخلاف على آلية تنظيم الانتخابات التشريعية بين الحكومة الفيدرالية ورؤساء الأقاليم، إلى جانب خلافات أخرى حول مقاعد نيابية في منطقة جدو، جنوب الصومال.
تقلد حسن شيخ محمود رئاسة الصومال من سبتمبر/أيلول 2012 إلى فبراير/شباط 2017. وكان معروفاً بمشروعه المسمى خطة "سياسة الركائز الست" التي كانت تهدف إلى تحقيق الاستقرار وسيادة القانون وبناء السلام والمصالحة والانتعاش الاقتصادي والوحدة الوطنية. وُلد الرئيس الجديد في بلدة جلالقسي بمنطقة هيران عام 1955. تخرج في الجامعة الوطنية الصومالية بدرجة البكالوريوس في التكنولوجيا وحصل على ماجستير في التعليم التقني من جامعة بركات الله في الهند. في عام 1999، شارك حسن شيخ محمود في تأسيس المعهد الصومالي للتنمية الإدارية والتنظيمية في مقديشو، والتي تُعتبر حاليا واحدة من أهم المؤسسات التعليمية في الصومال. في عام 2008، عُين حسن شيخ محمود كرئيس تنفيذي لشركة Telecom الصومالية. في عام 2011، دخل السياسة وأنشأ حزب السلام والتنمية المستقل، الذي انتخبه كرئيس للحزب.
وتأتي إعادة انتخابه وسط ارتفاع معدلات التضخم والجفاف المميت الذي ترك ما يقرب من 40٪ من سكان البلاد يعانون من الجوع. ويواجه الرئيس الجديد تحديات كثيرة ومتنوعة تتضمن إكمال الدستور والاستفتاء عليه وكسب ثقة الجمهور والتحضير لانتخابات مباشرة في 4 سنوات وتحسين علاقات الحكومة الفيدرالية مع الأقاليم. ولكن تُعتبر التحديات الأمنية هي الأهم. ويتطرق هذا التحليل ثلاثة جوانب منها بشكل مقتضب.
الخطة الأمنية الانتقالية
على الرغم من أن الكثير من الخلافات السياسات التي يعاني منها الصومال مصدرها الدستور المؤقت الذي يأخذ أكثر من تفسير في مسائل جوهرية. فمثلاً، يحدّد الدستور المؤقت أربع سلطات حصرية للحكومة الفيدرالية في مقديشو، وهي: الدفاع والشؤون الخارجية والسياسة النقدية والمواطنة، إلا أنه يرجئ، في نفس الوقت، تفاصيل هذه السلطات إلى مفاوضات وتشريعات لاحقة.
لا يشير هذا الدستور إلى كيفية مشاركة الحكومات الإقليمية والفيدرالية في المسؤوليات، خاصة في الملف لأمني. يمكن القول إنه من الناحية العملية، هنالك اتجاهان في إدارة الملف الأمني في هذا البلد؛ الاتجاه الأول هو الاتجاه الذي عُرف برئيس المنتهية فترته محمد عبد الله فرماجو المعروف بميله إلى النظام المركزي. والاتجاه الثاني يلمح إلى التشاور مع الأقاليم ويعطي دوراً أساسياً للأقاليم في ملف الأمن. وتسمى الوثيقة الرئيسية التي تأخذ هذين الاتجاهين بالخطة الأمنية الانتقالية. وتعود هذه الخطة إلى عام 2017 ولا سيما بعد أن تم استبعاد خيار عملية سلام تديرها الأمم المتحدة في الصومال وتم توجيه الجهود لنقل المسؤوليات الأمنية من البعثة الإفريقية إلى قوات الأمن الصومالية وذلك بعد أن اتفق، نظرياً، كل من: الرئيس المنتهية فترته محمد فرماجو ورؤساء الأقاليم على مبادئها الرئيسية التي أشارت إلى التعاون والتشاور بين الأقاليم الفيدرالية والحكومة الفيدرالية في مسألة تحرير المدن من حركة الشباب ودمج القوات الصومالية على ثلاث مراحل حتى نهاية عام 2021. بالإضافة إلى ذلك، تضمنت الوثيقة مبادئ متعلقة بالمصالحة والحكم المحلي والوصول إلى العدالة وسيادة القانون، والانتعاش الاقتصادي.
ولكن واجه نقل هذا الاتفاق إلى أرض الواقع خلافات سياسية، لا سيما حول كيفية تمويلها وكيف ينبغي أن تعمل قيادة الجيش المشتركة. وهذا الخلاف لم يتم حله بعد ولا أحد يعرف كيف سيواجه الرئيس الجديد الوثيقة، على الرغم من أنه ركز على الملف الأمني في حملته الانتخابية كغيره من المرشحين، فإنه لم يقدم تفصيلات توضح الاتجاه الذي سيسلكه في التعامل معها. هنالك تقارير أشارت إلى احتمالية أن يعيد التفاوض عليها مع الأقاليم والمجتمع الدولي. وهذا بجانبه قد يطيل الفترة التي تكون الصومال بلا خطة أمنية متفق عليها ويعزز الانطباع بأن الملف الأمني ليس من أولويات الإدارة الجديدة.
علاوة على ذلك، يتأثر الاتجاه الذي تأخذه الإدارة الجديدة بتحدٍّ آخر متعلق بالتمويل؛ إذ أشارت تقارير إخبارية إلى أن البعثة الإفريقية الجديدة التي حصلت على الموافقة من قِبل مجلس الأمن الدولي يوم الخميس 31 مارس/آذار والتي بموجبها ستستمر البعثة الإفريقية الجديدة إلى 2024، التي تسمح بتولي قوات الأمن الصومالية دوراً قيادياً في أمن البلاد، لم تؤمن التمويل اللازم. وتلاشت آمال الاتحاد الإفريقي في تأمينه من مصادر بديلة مثل الصين وروسيا ودول الخليج العربي والأمم المتحدة منذ أشهر. وبالتالي، تكون هذه العقبة المالية مشكلة أخرى تؤثر سلباً على توجهات الإدارة الجديدة في الملف الأمني حتى يوافق الاتحاد الأوروبي الذي موّل أكثر من 90٪ من ميزانية الصيغة القديمة للبعثة الإفريقية.
دعوات لتهميش دور جهاز المخابرات
تعتبر السمعة السيئة لجهاز المخابرات الصومالية تحديا آخر يواجه الرئيس الجديد؛ إذ انخرط الجهاز خلال الخمس السنوات الماضية بالخلافات السياسية لصالح الرئيس الماضي محمد عبد الله فرماجو. واتهمت المعارضة الجهاز بقتل أحد موظفيه. وإرساله قوات صومالية بدون موافقة البرلمان إلى إريتريا. كما اعتبر بعض من المحللين أن تمكّن حركة الشباب من اختراق مطار آدم عبد الله الدولي في 24 مارس الماضي دليلاً على التواطؤ بين جهاز المخابرات وحركة الشباب. نتيجة لذلك، ظهرت أصوات تدعو إلى حله بالكامل أو تحويله لمؤسسة ثانوية في الشرطة. مهما كان الخيار الذي سيأخذه الرئيس حسن شيخ سيكون له تبعات على الوضع الأمني.
صعود جديد لحركة الشباب
تواجه الإدارة الجديدة صعود نفوذ حركة الشباب التي تبدو أكثر إصراراً في السنوات الأخيرة؛ إذ نفذت الحركة هجمات على مدن رئيسية في البلاد، ولا سيما في العاصمة الصومالية مقديشو. كما يوضح الشكل التالي أن الحركة اشتبكت مع القوات الصومالية والإفريقية في إقليم بنادر ما يقارب 80 اشتباكاً مسلحاً. قامت الحركة بتفجير أكثر من 20 موقعاً في الإقليم. كما نفذت الحركة أكثر من 15 هجمة انتحارية منذ يناير/كانون الثاني إلى شهر مايو/أيار من هذا العام الجاري. فضلاً عن الابتزاز المالي الذي تقوم به الحركة في هذا الإقليم والأقاليم المجاورة.
على الرغم من أن هذا الصعود للحركة لا يعني أن الأمور تسير في صالحها، وأصبح للجيش الوطني الصومالي، خاصة القوات الخاصة التي دربتها الولايات المتحدة وتركيا وجود قوي في الأقاليم المجاورة للعاصمة. ولكن أدى الاستقطاب السياسي الأخير إلى تحويل الملف الأمني لقضية ثانوية. وتتمثل مسؤولية الرئيس حسن شيخ محمود ليس قط في إعادة الملف الأمني إلى مكانته، بل أيضاً استعادة معنويات الجيش وتوحيد صفوفهم أمام خطر صعود حركة الشباب.
في النهاية، على الرغم من دخول الصومال في مرحلة جديدة، فإن التحديات الأمنية المتشعبة والمتداخلة في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية لا تزال تستمر أكثر من ثلاثين سنة. ويتساءل العديد عما إذا كانت الإدارة الجديدة ستحدث فرقاً أصلاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.