ينتظر عشاق رياضة كرة القدم في جميع أنحاء العالم، بشغف كبير، موعد إجراء نهائي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، المقرر يوم 28 مايو/أيار الجاري بالعاصمة الفرنسية باريس، بين فريقي ريال مدريد الإسباني وليفربول الإنجليزي، ولكن الكثير من هؤلاء المتابعين ومحبي الكرة الأوروبية قد يتفاجؤون حينما يعلمون أن لقب أشهر وأقوى البطولات القارية للأندية يمنح للنادي المُتوّج به قيمة مالية ضئيلة جداً، مقارنة بأغلى مباراة في العالم، تلك الجائزة التي يتحصل عليها صاحب المركز الثالث لدوري الدرجة الأولى الإنجليزي "الشامبيونشيب".
وسيحتضن الملعب الأسطوري "ويمبلي" بالعاصمة البريطانية لندن، يوم 29 مايو/أيار 2022، لقاءً يعتبر بمنزلة أغلى مباراة لكرة القدم في العالم، يجمع بين نوتينغهام فورست وهدرسفيلد تاون؛ من أجل الظفر ببطاقة الصعود (التأهل) إلى الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم لـ"البريميرليغ".
وكان فولهام، بطل الشامبيونشيب، ووصيفه بورنموث قد حجزا مقعديهما مباشرة في الموسم المقبل في البريميرليغ، فيما شاركت 4 أندية أخرى في "البلاي أوف"، حيث التقى في الدور نصف النهائي، ذهاباً وإياباً، صاحب المركز الثالث "هدرسفيلد تاون" مع السادس "لوتون تاون" فيما واجه صاحب المرتبة الرابعة نوتينغهام فورست، الخامس شيفيلد يونايتد ، فتأهل على إثر ذلك إلى الدور النهائي فريقا هدرسفيلد ونوتنغهام، اللذان سيخوضان إذاً أغلى مباراة كرة قدم في العالم.
على الرغم من أنّه لا يوجد مبلغ محدد لمكافأة الفائز بالمباراة، فإنّ لقاء نهائي الـ"بلاي أوف" لدوري الدرجة الأولى الإنجليزي يعتبر أغلى مباراة لكرة القدم في العالم بسبب العوائد التجارية والإشهارية التي تأتي معها، وخاصة البث التلفزيوني، الذي تملك حقوقه شبكة "سكاي سبورتس" البريطانية، والتي ترعى مسابقة الدرجة الأولى الإنجليزية لكرة القدم.
بطولة "الشامبيونشيب" بدأت في سنة 1892
وقبل التوضيح أكثر حول القيمة المالية لهذه المباراة الغالية، والتي تُسمى أيضاً بـ"مباراة الخوف"، اسمح لي عزيزي القارئ بالحديث باختصار عن تاريخ "البلاي أوف" في الدوري الإنجليزي لكرة القدم.
"الشامبيونشيب" هو مسابقة المستوى الثاني للدوري الإنجليزي لكرة القدم، بعد الدوري الممتاز، وقد كانت تُسمى عند إنشائها في عام 1892، دوري الدرجة الثانية، ثم وبعد إعادة الهيكلة التي جرت على الكرة الإنجليزية في سنة 1993، التي عرفت بإنشاء الدوري الإنجليزي الممتاز، أصبحت المسابقة تُسمى "دوري الدرجة الأولى"، قبل أن تتحول تسميتها في عام 2004 إلى دوري الـ"شامبيونشيب".
وبدأ الاعتماد على "البلاي أوف" لأول مرة في سنة 1896، عندما بحث مسؤولو الرابطة الإنجليزية لكرة القدم صيغة الصعود والنزول بين دوري الدرجتين الأولى والثانية، بحيث قرروا إجراء، عقب نهاية كل موسم رياضي، بطولة مصغرة تجمع بين 6 أندية، وهي تلك التي تحتل المراتب الثلاث الأخيرة لبطولة الدرجة الأولى، والتي تحتل المراكز الثلاثة الأولى لبطولة الدرجة الثانية، ليتم تحديد الفرق الـ3 التي تلعب في الموسم الموالي في دوري الدرجة الأولى.
التلاعب بنتيجة مباراة ألغى "البلاي أوف" في 1898
وقد طُبقت تلك الصيغة في موسمين فقط، قبل أن تلغى بعد موسم (1897 – 1898) بسبب ترتيب نتيجة المباراة بين فريقي ستوك وبيرنلي اللذين اتفقا خلال الجولة الأخيرة على نتيجة التعادل سلبياً (0-0)، والتي سمحت لكليهما بضمان بقائهما في بطولة الدرجة الأولى.
وبسبب تلك المباراة الفضيحة التي لم تشهد أي محاولة للتسجيل من كلا الفريقين، قررت الرابطة الإنجليزية لكرة القدم تطبيق نظام جديد، وهو صعود 3 أندية من القسم الثاني إلى القسم الأول، وهبوط 3 أندية دون اللجوء إلى "البلاي أوف".
ونسي الإنجليز "البلاي أوف" لقرابة قرن كامل، قبل أن يقرر مسؤولو الكرة الإنجليزية اعادة إحياء الفكرة في ديسمبر/كانون الأول 1985، حينما قرروا تقليص عدد أندية الدرجة الأولى من 22 فريقاً إلى 20، وإقامة مباريات الـ"بلاي أوف" لتسهيل هذا التقليص، واتفقوا على أن تقام البطولة في موسمين اثنين فقط، ثم النظر في الاستمرار فيها في حال نجاحها.
وقد جرت البطولة المصغرة الأولى بعد نهاية موسم 1986- 1987، والثانية بعد نهاية موسم 1987- 1988، وجمعت بين أربعة أندية، وهي الفريق الذي احتل أقرب مرتبة غير معنية بالسقوط من الدرجة الأولى إلى الثانية، إضافة للفرق الـ3 المحتلة للمراكز من الرابع إلى السادس من الدرجة الثانية.
نجاح كبير بعد عودة "البلاي أوف" في 1987
وجمع نهائي (1986- 1987) بين تشارلتون أتلتيك من القسم الأول وليدز يونايتد من القسم الثاني، وانتهى بفوز تشارلتون الذي ضمن البقاء في دوري الدرجة الأولى، فيما جمع نهائي (1987- 1988) بين ميدلسبره من القسم الثاني وتشيلسي من القسم الأول، وعاد فيه الفوز لميدلسبره الذي صعد إلى دوري الدرجة الأولى، فيما نزل تشيلسي إلى دوري الدرجة الثانية.
وقد لقيت هاتان البطولتان المصغرتان اهتماماً جماهيرياً واسعاً، وإقبالاً كبيراً على مشاهدة المباريات بمدرجات الملاعب ومن شاشات التلفزيون؛ ما فتح شهية الرابطة الإنجليزية المحترفة لكرة القدم للاستمرار في اعتماد نظام "البلاي أوف"، خاصة في ظل العوائد المالية الضخمة التي بدأت حينها تلوح في الأفق من خلال تهافت الشركات الراغبة في رعاية المسابقة والأندية المشاركة فيها، قصد التسويق والإشهار لمنتجاتها.
ولكن وبداية من موسم 1988- 1989، أصبحت المشاركة في بطولة البلاي أوف مقتصرة على 4 أندية من دوري الدرجة الثانية، حيث يُقام الدور النهائي في مباراتين ذهاباً وإياباً، ثم بداية من الموسم الموالي (1989- 1990) على شكل مباراتين ذهاباً وإياباً في الدور نصف النهائي، ثم في النهائي بلقاءٍ واحدٍ يُقام بملعب "ويمبلي" بلندن، حيث فاز بالمباراة النهائية لذلك الموسم فريق "سويندون ثاون" على حساب "سندرلاند" بنتيجة هدف لصفر، بحضور نحو 73 ألف متفرج، ما يؤكد الجماهيرية الكبيرة التي اكتسبتها البطولة المصغرة وما زالت كذلك إلى يومنا هذا.
واستمر ملعب "ويمبلي" في احتضان المباريات النهائية لـ"البلاي أوف" إلى غاية سنة 2000، التي شهدت غلقه لإعادة تهيئته، فتم تغيير وجهة المتابعين نحو ملعب "ميلينيوم" بكارديف، الذي أقيمت عليه اللقاءات الحاسمة من أجل الصعود إلى القسم الأعلى حتى إعادة فتح الملعب الأسطوري بالعاصمة لندن في عام 2007، الذي استمر في استقبال الأعداد القياسية من الجماهير المنشطة للنهائيات باستثناء لقاء سنة 2020 بين فولهام وبرينتفورد الذي جرى دون حضور الجمهور بسبب جائحة كورونا.
أغلى مباراة في العالم
وكما أشرت فإنّ لقاء سنة 2020 بين فولهام وبرينتفورد قد جرى دون حضور الجمهور، ولكنه هو الذي زاد من شهرة نهائي "البلاي أوف" للشامبيونشيب، بوصفه مباراة كرة القدم الأغلى في العالم، وذلك عندما تحدثت عنه شركة Deloitte العالمية للمحاسبة والتدقيق، وكشفت أنّ النادي الفائز يتحصل على مكافأة بنحو 135 مليون جنيه إسترليني، إضافة لـ 130 مليون جنيه إسترليني في الموسم التالي في حال ضمان الفريق بقاءه في الدوري الإنجليزي الممتاز، وحتى في حال سقط النادي إلى الدرجة الأولى فإنه ينال دعماً مالياً بقيمة 75 مليون جنيه إسترليني يستلمه على مدى موسمين اثنين، وذلك لمساعدته في الوفاء بالعقود المالية الخاصة بفترة وجوده بالدوري الممتاز.
ولا يعني هذا أنّ النادي الفائز بلقاء "البلاي أوف" يتحصل على قيمة مالية أكثر من صاحب المركزين الأول والثاني لبطولة "شامبيونشيب"، الصاعدين مباشرة إلى الدوري الإنجليزي الممتاز دون المرور عبر "البلاي أوف"، إذ يُحتسب المبلغ من خلال نيل كل فريق تأهل إلى "البريميرليغ" على مبلغ يُقارب الـ100 مليون جنيه إسترليني، تمثل نصيبه من عائدات البث التليفزيوني التي توزع بالتساوي بين الأندية الـ24 المشاركة في البطولة، إضافة لمكافأة مالية بحسب المركز الذي يحتله كل فريق، حتى تصل إلى نحو 40 مليوناً للمتوج باللقب.
ويُطلق إذاً اسم "مباراة كرة القدم الأغلى في العالم" على نهائي "البلاي أوف" لبطولة الدرجة الأولى الإنجليزية، بسبب "مكافأة الصعود" الضخمة التي يتحصل عليها الفائز، مقابل اكتفاء الفريق المنهزم بمداخيل المباراة ومكافأة مشاركته في الدوري، ولذلك تُسمى أيضاً بـ"مباراة الخوف"، بحكم أنّ الفريق المنهزم يخشى تضييع حلم الصعود والقيمة المالية الفلكية.
وقد شهدت القيمة الإجمالية التي تحصل عليها النادي الفائز بالنهائي ارتفاعاً مضطرداً، إذ قُدّر مثلاً في سنة 2006 بـ30 مليون جنيه إسترليني، والذي ناله فريق واتفورد بعد فوزه على ليدز يونايتد ( 3-0)، فيما بلغ 170 مليون جنيه إسترليني (190 مليون يورو) في عام 2019، حينما صعد أستون فيلا بفوزه على ديربي كاونتي ( 2-1).
وبغض النظر عن القيمة المالية الضخمة التي سيتحصل عليها الفائز بمباراة يوم 29 من شهر مايو/أيار الجاري، سيسعى نوتنغهام فورست لتحقيق الصعود إلى الدوري الإنجليزي الممتاز بعدما غادر دوري الكبار في موسم (1998-1999)، فيما يريد هدرسفيلد، العودة للبريمرليغ الذي نشط فيه من 2017 إلى 2019.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.