عُرف بأنه ابن الرئيس، الذي يعمل في أحد البنوك الأجنبية في بريطانيا والتي كانت تتاجر في الديون الحكومية المصرية.
ثم عاد فجأة للقاهرة ليخطو أولى مراحل تدشينه السياسية، فأصبح رئيساً للجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم، ورويداً رويداً تعاظم دوره وأصبح الرئيس غير المتوّج على عرش الجمهورية المصرية، خلف والده الرئيس مبارك الذي بلغ به السن مبلغه.
ومع تعاظم الدور السياسي لنجل الرئيس "جمال مبارك" وتصعيده لرجاله في أروقة النظام السياسي المصري فقد بدا أن نظر نجل الرئيس قد أصبح يرنو ناحية كرسي الرئاسة، في محاولة لتولي الحكم خلفاً لوالده مدعوماً برجال الأعمال ووزير الداخلية القوى "حبيب العادلي" ورجال الحزب الوطني الحاكم.
وهكذا أصبحت الساحة السياسية مهيأة لولي العهد الجمهوري لتولي الحكم، خصوصاً مع اعتياد الشعب على سماع الأخبار المتتالية عن ذلك. لكن ظاهر الحوادث لم يستطع أن يخفى غضباً مكتوماً مما يجري.
قطاعات واسعة من الشعب المصري، الأغلبية، ترفض توريث الحكم من الرئيس الطاعن في السن إلى نجله الشاب، لعدة أسباب منها تغلغل وسيطرة رجال الأعمال، أصدقاء جمال مبارك، على مفاصل الدولة الاقتصادية المتزامنة مع تدهور أحوال المعيشة.
ومعارضة سياسية ترى في جمال مبارك إعادة إنتاج لنظام سياسي مات وينتظر مراسم دفنه. فوق هذا وذاك غضب مكتوم داخل القوات المسلحة غير راضٍ عن ملف التوريث وهو ما وتّر العلاقة بين نجل الرئيس ووزير الدفاع العتيد "محمد حسين طنطاوي"، بالإضافة إلى المزاج الغربي والأمريكي غير الراضي عن توريث الحكم وأوضاع حقوق الإنسان بمصر، والمعتقد بأن نظام مبارك فقد صلاحيته وحان وقت تنحيه.
على الناحية الأخرى، كان هناك حليف إقليمي في الخليج يرى أن جمال مبارك يستطيع أن يقود مصر وذلك حفاظاً على مصالح كبيرة واستراتيجية يصعب تعويضها مع نظام جديد بخلاف آل مبارك.
ولكن كانت عوامل الغضب وعدم الرضا وتغير المزاج الداخلية والخارجية أقوى، فعجّلت باندلاع ثورة "25 يناير" والتي أطاحت بحلم نجل الرئيس بتولي عرش الجمهورية المصرية، وبات نزيل السجون والمحاكم لمواجهة تهم الفساد وبدأت أخباره تتوارى شيئاً فشيئاً تحت وطأة ما يحدث في البلاد في أعقاب الثورة وما تلاها في 30 يونيو/حزيران 2013.
عودة جمال مبارك
ومع توالي أحكام البراءة له ولأخيه الأكبر علاء ولوالده، عاد جمال مبارك للظهور في مناسبات اجتماعية متفرقة لعل أبرزها يوم جنازة والده وظهر فيها وهو يسلم على الرئيس الجديد للجمهورية، عبد الفتاح السيسي، في مشهد مشابه لمصافحة الرئيس مبارك لأسرة السادات يوم جنازته. مصافحة عنوانها أنه لا عودة مرة أخرى للحكم.
ولكن، قبل أيام أعلنت دولة الإمارات عن وفاة رئيسها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ابن مؤسس الإمارات الشيخ زايد آل نهيان، أكبر حلفاء نظام مبارك وداعميه، وبطبيعة الأمور تتوافد الوفود على الإمارات لتقديم واجب العزاء في الفقيد وكذلك تقديم التبريكات بتولي الحكم لخليفته القوى "محمد بن زايد آل نهيان". وفجأة ظهر جمال مبارك في أبوظبي لتقديم واجب العزاء نيابة عن أسرة مبارك مرتدياً حلة أنيقة ومصافحاً الشيخ محمد بن زايد.
حتى هنا يبدو المشهد طبيعياً ومتسقاً مع العلاقة الوطيدة بين الأسرتين. لكن فاجأ جمال مبارك الجميع وقام ببث بيان تبرئة لوالده الراحل وله ولأخيه الأكبر من التهم المنسوبة إليهم جميعاً بالفساد والرشى وختمه برسالة عاطفية إلى والده الراحل.
هذا البيان بما يحمله من كلمات يبدو عادياً، لكن شخصية جمال مبارك واختيار زمان إعلان التبرئة يحملان إشارات لا تخطئها العين.
لماذا اختار جمال مبارك بث هذا البيان مباشرة بعد عودته من لقاء ولي العهد السابق للإمارات ورئيسها الحالي المعروف بعلاقته الوطيدة برأس النظام المصري؟ هذا التساؤل يقودنا إلى تساؤل آخر، هل تمت الزيارة بموافقة النظام المصري، وهل كان النظام يعلم ببث جمال مبارك لبيان التبرئة المنشور؟
في ظل الأوضاع السياسية المعقدة بمصر، وتدهور الأوضاع الاقتصادية لشرائح عريضة من الشعب المصري، تلقف الكثير من المصريين هذا البيان باعتباره إعلان وتدشين عودة جديدة لجمال مبارك للحياة السياسية المصرية بمباركة خليجيه ضامنة لأمنه وأمن أسرته، وهو الأمر الذي ستؤكده الأيام القادمة أو تنفيه. لكن الحقيقة الواضحة للجميع هي أن الانسداد السياسي في مصر جعل البعض يرى في عودة جمال مبارك حلاً أو بديلاً سياسياً للنظام الحالي الذي لا يلبي طموحات المصريين في العيش الكريم.
شخصياً، أرى في زيارة جمال مبارك للإمارات وإعلانه بيان التبرئة وعزمه على ملاحقة كل من أساء إلى عائلته تأكيد خفي على رغبته في العودة للحياة السياسية المصرية وانتهاز الفرصة السانحة، ولكن كل هذا يبقى محل تكهنات حتى تظهر إشارات واضحة من النظام في القاهرة سواء برفض سلوك جمال مبارك أو ظواهر تشي بعودة جديدة له.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.