حرّكت مبادرة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، المعنونة بـ"لمّ الشمل"، ركود الساحة السياسية، التي طال نومها، وكثر ركودها، وغاب "حسّها"؛ حيث شرع الرئيس تبون في مشاورات سياسية مع عدة تشكيلات حزبية وشخصيات مستقلة، من بينهم الوزير الأسبق للاتصال عبد العزيز رحّابي، ورئيس حركة حمس "عبد الرزاق مقري"، وآخرون، حيث قال هذا الأخير إنه سلّم مقترحات لرئيس الجمهورية، واستمع له بخصوص الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الجزائر.
ولكن هل سيكون لمّ الشمل، الذي أعلن عنه الرئيس تبون، بهدف جمع هذه الأحزاب؟! أم من أجل رصّ الصفوف وتقوية الجبهة الداخلية، بهدف سد الباب أمام من يريد التفرقة والفرقة للشعب الجزائري، من أجل تحطيم الدولة الجزائرية وتمزيقها، بعد أن باءت كل المخططات الدامية بالفشل، خصوصاً عقب الأحداث المفصلية التي عرفتها الجزائر، والتي فشل "أعداء الجزائر" في الاستثمار فيها وتحويلها عن مسارها الحقيقي البنّاء، إلى مسار هدّام ودموي، عبر بث الإشاعات والفرقة، والاستثمار الدنيء في كل ما يعكر صفو الشعب الجزائري، من خلال اختلاق أزمات تخص الحياة اليومية للمواطن، التي انتهت وتلاشت، وظهرت أنها مجردت لوبيات تسعى لاستهداف الأمن والاستقرار وتلويث الساحة.
في نظر المجتمع الجزائري، وفي نظر خبراء، وفي نظري أنا كمراقب للوضع السياسي في الجزائر، فإن لم الشمل الحقيقي يكون بفتح حوار حقيقي مع جميع التشكيلات السياسية والأحزاب والشخصيات الوطنية الحاملة لمشاريع وخارطة طريق، من شأنها المساعدة والمساهمة في بناء دولة قوية لا تزول بزوال الرجال، ولا تنحني من هبوب الرياح، رياح الأعداء ورياح الزمن ورياح الخيانة، وخاصة خيانة الجيران والأصدقاء، ومن يتنكرون للجميل وينكرون فضل الجزائر في المنطقة وفي العالم العربي، وما قدمته طوال السنين الماضية للقضية الخالدة، وهي القضية الفلسطينية، بل بالعكس هذه النيران اللافحة التي تستقي لهيبها الوهمي من وقود الخيانة والتطبيع والعمالة، وارتضت لنفسها أن تكون بيدقاً في يد كل من يحمل كرهاً أو حقداً للجزائر والجزائريين وتاريخ الجزائر، وخاصة أصحاب النظرة الاستعمارية القاصرة تجاه الأمة الجزائرية.
لمّ الشمل يكون مع من اختلف مع الجزائر في الاجتهاد لا في الأصول، مع من أراد الخير للجزائر ولكن ضلّ السبيل واستغلته أيادي التشويه، لمّ الشمل الحقيقي يكون بفتح الفرص للنخب الفعالة العميقة صاحبة الرؤى الاستراتيجية البعيدة عن ثقافة "البلاطوهات" وعن السطحية والتفاهة والتتفيه، ولمّ الشمل الحقيقي يكون كذلك بتصحيح الاختلالات التي يعرفها قطاع الإعلام في الجزائر، من خلال بناء قطاع إعلام قوي متراص قادر على التأثير والمساهمة في تمتين الوحدة الوطنية وبناء جزائر الشهداء، لمّ الشمل قد بدأ وشُرع فيه ولكن عليه أن يكون واضحاً وشفافاً ويتبنى الرؤى الحقيقة، من خلال الاستماع للجميع، فلمّ الشمل سياسة حميدة، لا تدل إلا على حسن نية من أطلقها وتبناها وساهم فيها ورسّخ لها، فيد الجزائر مفتوحة لأبناء الجزائر الأوفياء الأبرار مع من لن يرضوا الهوان للجزائر العظيمة، فكل من يشكك في مبادرة لم الشمل قبل أن تبدأ حتى في قلبه علّة واضحة، ومرض خبيث، ينخر جسده المتهالك، وهو مرض الحقد، فبالتالي فلندع المسار يكتمل، ولنترقب النتائج؛ فإن لم نساهم في البناء فعلى الأقل نساهم بالصمت وعدم التشكيك وعدم التنفير من هذا المشروع الذي أراه واعداً لتصحيح الاختلالات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.