في جميع دول العالم التي تحترم الإنسان وتعتبره ثروتها الحقيقية وكنزها الذي لا يعوض، فإنها تقدم لأبنائها الكثير، ففي شبابهم يمنحها أبناؤها قوتهم وجزءاً كبيراً من صحتهم، فيعملون، ويبنون، وينتجون، ويتجندون، ويدافعون عنها إن مسها الضر، ويكونون الأسر وينجبون الأطفال الذين يكونون عماد مستقبلها، وعندما يكون أبناؤها أطفالاً، تغدق عليهم، فترعاهم صحياً وجسدياً ونفسياً وعقلياً واجتماعياً، وتتابع نموهم وتوفر لهم الملاعب والألعاب والتعليم والمتابعة والأبحاث العلمية اللازمة التي تستطلع كل ما يؤثر فيهم، ليشبوا شباباً صالحين نافعين أصحاء.
وبعد زواجهم تتكفل بتوفير كل ما يعينهم على بناء الأسرة ونجاحها، وتتكفل بكل ما يحتاجه أبناؤهم حتى يصبحوا شباباً منتجين، فلا يشكلون عبئاً على ذويهم.
وفي شيخوختهم عندما تخبو قوتهم وتتلاشى قدراتهم، تأخذ بيدهم مرة أخرى.. فتعود لكفالتهم ورعايتهم وعلاجهم وتوفير احتياجاتهم وتدفع لهم رواتب تقاعدية تمكنهم من عيش ما تبقى من أيامهم بكرامة وسلام.. فيشعرون بقيمتهم وإنسانيتهم، وأنهم ليسوا مجرد عدد زائد لا قيمة له.
أما في بلادنا، فلا يوجد احترام للإنسان، فليس هو الثروة ولا هو رأس المال، بل هو عبء ثقيل زائد لا قيمة له، عليه أن يدفع الكثير فقط لمجرد أن يبقى وتعترف هذه البلاد به، لا يهم إن شعر في أحيان كثيرة أن جنسيته لعنة تحل عليه وتطارده أينما حل أو ارتحل، ولأنه عربي، عليه أن يدفع وهو مغلق فمه.
ادفع أيها المواطن العربي الضرائب الباهظة دون أن تتلقى أي مقابل في حياتك أو حتى بعد موتك، فإن لم يستطع ذووك شراء قبر لك، فلا تتوقع أن تتطوع بلادك بأن توفر لك قبراً، ادفع لتبقى تحت مظلة التأمين الصحي الذي لا يوفر لك كل ما تحتاج من علاج ودواء، وابذل الغالي والرخيص للحصول على شهادة جامعية لتصطف بعدها في طابور العاطلين على العمل إن لم تربطك علاقة بشخص ذي نفوذ يستطيع أن يتدخل بسحره الخاص فيوفر لك وظيفة ما، أو فلتغلف شهادتك داخل إطار مذهب جميل للذكرى، واذهب للعمل كعامل في أي مجال كان علك تستطيع توفير لقمة العيش الكريمة لك ولأسرتك، والويل ثم الويل إن أصبت بمرض أو إصابة أضعفتك أو أقعدتك عن العمل، فإنك ستعاني الفاقة والحرمان وكل صنوف الإهانة والحرمان؛ لأنه لا أحد سيساعدك حينها، فكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه.
بلادك تحتاجك وحري بك أن تلبي، أعطها كل ما تملك ولا تنتظر منها شيئاً، أليست هي بلادك التي لا بلاد لك غيرها؟ أليس من حقها عليك أن تدفع لها شبابك وصحتك ليزداد قادتها ثراءً ويستطيع أبناؤهم أن يمتلكوا الشركات والحسابات البنكية الضخمة ويركبوا السيارات الفارهة ويطوفوا العالم ويدرسوا في أفضل الجامعات العالمية ويتزوجوا وينشئوا الأسر على أعتاق أمثالك؟ أليس أثمن كنز تمتلكه هذه البلاد هو زعماؤها الذين إن مسهم سوء حل بالبلاد وبأهلها وبال لا قِبَل لها به؟ أليست بلاد الربيع العربي خير عبرة حية أمامك؟ ألا يندم أهل تلك البلاد على خطيئتهم التي لم يستطيعوا الاغتسال من إثمها بشلال الدماء التي لم تتوقف عن السيلان؟ ألا يعضون أصابعهم ندماً ويقولون: ليتنا اتبعنا قادتنا ولم نثر عليهم ووقرناهم وأجللنا قدرهم كما يستحقون، لكنا الآن بأحسن حال، فمنذ وسوس لنا الشيطان وأطغانا فاتبعناه، حتى حل علينا الوبال.. ليتنا نعود كما كنا سعداء هانئين!
ولأن حالنا في الوطن المحتل فلسطين لا يقل سوءاً عن أي بلد عربي آخر، بل يتعداه، فإننا ندفع ها هنا أرواحنا، وأجزاءً من أجسادنا، وحريتنا وسلامنا وأمننا من أجل هذا الوطن الذي لا يعترف بنا.. فقادته المنتهية صلاحيتهم يقطعون الكهرباء والماء عنا، ويمنعون الدواء والتحويلات الطبية عن مرضانا وجرحانا، ويقطعون رواتب موظفينا، وأسرانا، وشهدائنا تحت حجج واهية شتى.. والمطلوب منك أيها المواطن الصالح الذي يحب وطنه في زمان الفتن هذا، فهو:
أن تتعبد في محرابهم آناء الليل وأطراف النهار.. وتسبح باسمهم صباح مساء.. وتكفر بمن سواهم.. وتدعو لهم بالبقاء وطول العمر.. لأنهم إن ذهبوا، فالويل لك.. فكيف ستعيش أنت؟ وماذا سيحل بك أيها التعس البائس؟ وكن عاقلاً فلا تركل النعمة بقدميك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.