نجوميته ونجاحه لا شك فيهما، وشباك التذاكر على مدار أكثر من ثلاثين عاماً خير دليل، كما أن تقديمه أفلاماً جيدة لا يحتمل الجدال، فمَن مِن متابعي أفلام السينما المصرية يُمكنه أن يستبعد أفلاماً مثل "الغول" و"الإنسان يعيش مرة واحدة" و"الإرهاب والكباب" و"حب في الزنزانة" من قائمة الأفلام الأفضل في تاريخ السينما المصرية، التي وصفها النجم المصري العالمي عمر الشريف قائلاً: "إحنا عندنا كام مخرج كويسين قدموا كام فيلم كويسين"!
الأفلام الجيدة في تاريخ السينما المصرية الممتد لنحو مئة عام قليلة بالفعل، والكلام عن الريادة السينمائية لا يتعدى كونه "طق حنك"، ويكفي فقط قراءة بعض الكتب التي تناولت موضوع الاقتباس في السينما المصرية، لنعرف أن بعض الأفلام التي تضمنتها قائمة أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية مقتبسة أو "منحوتة" من أفلام ومسرحيات أمريكية وأوروبية، وهنا أقول "منحوتة"، لأن صناعها لم يذكروا أنها مقتبسة.
وإذا كانت قراءة تلك الكتب صعبة أو مرهقة فيكفي أن نتذكر أن ممثلاً مثل عادل إمام يعتبره الكثير من الفنانين زعيماً للوسط الفني، وهو الذي قدم أفلاماً كثيرة مبتذلة تحت شعار "تجارية"، أكثر بكثير من الأفلام الجيدة أو العميقة، فإذا كان عادل إمام قدم مئة فيلم فإن أفلامه الجيدة لا تتعدى ربع هذا الرقم، إلا إذا اعتبرنا أفلاماً مثل "عصابة حمادة وتوتو" و"بخيت وعديلة" و"البحث عن المتاعب" و"المهم الحب" و"24 ساعة حب" وغيرها من الأفلام التجارية، أفلاماً جيدة.
الحظ حالف عادل إمام خلال مسيرته الطويلة، فحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً، وقدم أفلاماً جيدة مع مؤلفين متميزين مثل وحيد حامد، ومخرجين جيدين مثل سمير سيف ومحمد فاضل، ورغم ذلك فإذا ما أمْعَنَّا النظر في أفلام عادل إمام الجيدة فسنجد أن بعض أدواره فيها لم تكن مناسبة له، وهو الذي لا يمتلك مواصفات النجم "الجان"، سواء كشكل أو تكوين جسماني، ولكن ضعف المنافسة في فترة من الفترات، وعدم وجود خيارات أمام الجمهور جعل من عادل إمام نجم شباك، وحقق نجاحاً جماهيرياً جعل صناع الأفلام يسندون إليه تلك الأدوار، وأقبل الجمهور محدود الثقافة على أفلامه إقبالاً كبيراً، فوثق في نفسه لدرجة الغرور، فأصبح يقدم الأفلام لكي يضع نفسه في مكانة كبيرة كشخص، فظهر في فيلم "سلام يا صاحبي" وقال جملته الشهيرة "أنا مفيش مرة ما بتحبنيش"، وهي جملة ذكّرتني بالحكاية التي حكاها الممثل سمير صبري عن الراحل رشدي أباظة، الذي أصر على تغيير نهاية فيلم "حكايتي مع الزمان"، الذي جمعه مع المطربة الراحلة وردة الجزائرية، والتي كان من المفترض أن تتركه في النهاية، ولكنه قال باستنكار: أنا رشدي أباظة البطلة تسيبني؟!
وإذا كان رشدي أباظة قال تلك الجملة في لحظة جنون فإن بعضاً من الجمهور تقبلها منه، وهو المعروف بوسامته وامتلاكه جسداً رياضياً، فحصل على لقب "الدنجوان"، فإن عادل إمام لم يمتلك مواصفات تجعله يقدم دوراً يقول فيه تلك الجملة المثيرة للسخرية.
اعتقد عادل إمام أن النجاح دائم لن يزول، وأن الجمهور لن يهجره مثلما هجر غيره، ولكن المفاجأة حدثت عام 1997، عندما حقق فيلم "إسماعيلية رايح جاي" نجاحاً غير مسبوق، فاختل توازنه، خصوصاً عندما أشعلت الصحافة الأزمة بينه وبين محمد هنيدي، فظهر "الزعيم" في برنامج تلفزيوني وخلال الحوار قال للمذيعة: "أنا مفيش فيلم عملته منجحش وكسّر الدنيا"، وهي الجملة التي ذكرتني بمجرد أن سمعتها بجملة "أنا مفيش مرة ما بتحبنيش"، فضحكت مرغماً.
كما ذكرت فإن عادل إمام قدم أفلاماً جيدة مثل فيلم "الغول"، وفتحت تلك الأفلام الطريق أمامه لتقديم المزيد منها، ولكنه اختار تقديم أفلام تجارية اعتمد فيها بشكل كبير على تقديم مشاهد جنسية مبتذلة من دون ضرورة درامية.
ونتيجة لطريقة تفكير عادل إمام حدث ما لم يحسب "الزعيم" حسابه، فبعد النجاح الهائل في شباك التذاكر على مدار سنوات عديدة، وبعد التمجيد والتفخيم من الكثير من الفنانين، عُرضت مسرحية "بودي جارد" على إحدى المنصات الإلكترونية قبل نحو عام، وانهالت التعليقات السلبية العنيفة على الزعيم، الذي تفنن في تقديم الكوميديا المعتمدة على جسد المرأة والإيحاءات الجنسية.
ومن قبل عرض المسرحية فشل مسلسل "فلانتينو"، الذي عُرض في العام نفسه فشلاً ذريعاً، وذلك بعدما ابتعد عادل إمام عن السينما منذ عام 2010، بعدما قدم فيلم "زهايمر"، ومن قبله فيلم "بوبوس"، الذي تعرّض لموجة هجوم عنيفة بسبب محتواه الجنسي المبتذل. وهكذا انتهى الحال بالزعيم الذي سقط رداء الزعامة عنه للأبد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.