نكبة فلسطين.. هكذا يشهد التاريخ على باطل الاحتلال الصهيوني

عدد القراءات
1,377
عربي بوست
تم النشر: 2022/05/16 الساعة 14:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/16 الساعة 14:19 بتوقيت غرينتش

للذاكرة معنى جليل؛ فهي الحقيقة التي لا تنمحي أبداً، وهي شاهد الماضي والحاضر والمستقبل، لا تستطيع أن تحرّف حقائقها، وهي تفضح المتلاعبين بالألفاظ والمصطلحات والهوية والآمال والمبادئ والحقوق، هكذا هي الذاكرة؛ ساطعة في كل لحظة، صارخة في كل آن، نافضة غبار التناسي، فاضحة منطق الغصب والتزوير والزيف.

نكبة فلسطين

هذه الأيام تحل علينا ذكرى ما سمي بـ"نكبة فلسطين"، أي ذكرى اغتصاب أرض فلسطين، وهي ذكرى لم تكن لتحزن هؤلاء المجروحين والمرحلين والحالمين بالعودة، لولا أن لها مقابلاً عند العدو الغاصب، هذه الأيام ذكرى الغصب عند كل الشرفاء من الفلسطينيين، ومن أبناء هذه الأمة العربية والإسلامية، وهي ذكرى تأسيس كيان الغصب عند هؤلاء الصهاينة القتلة والمجرمين، أما عند "مناضلي الفنادق"، ومحترفي الجلوس على طاولة "المفاوضات"، عاشقي عدسات الكاميرات وهي تلتقط كلامهم السخيف عن "السلام العادل" و"خارطة الطريق" و… فإنها ذكرى ، يتمناها منطقهم الانهزامي أن تمر أيامها بسرعة؛ ذلك لأنها تشوش على "نواياهم الصادقة" مع العدو المحتل للأرض، في رغبتهم في الحوار والتفاوض، فيا ليتها لم تحل أيامها عندهم، ويا لها من مفارقة غريبة، العدو يحييها ويحتفل بها وتمنحه جرعة أخرى في استمرار إرادة الغصب والاحتلال، بينما هؤلاء عشاق "السلام والمفاوضات" حتى النخاع، لا يريدها منطقهم الانهزامي، أرأيتم لماذا؟

تعالوا لكي أسر لكم هذا "السر العلني" الذي تفضحه هذه الذاكرة الحية:

ذاكرة "النكبة" هذه، تعيد جدولة المطالب التاريخية للفلسطينين بشكل تلقائي، وترتبها وتربط العلة بالمعلول، وتفرز الجلاد عن الضحية، وتعري حقيقة الغصب.. 

  1. فهي تذكرنا بأن الأرض الفلسطينية، كل الأرض الفلسطينية، مغتصبة، فليكذبني أحد إن كنت مخطئاً يا سادة.
  2.  هي لا تساوم على أراضي 48 وأراضي 67، هي تعيد عقارب زمن الاحتلال إلى الأصل، وتقول بصوت مرتفع: كل الكيان الصهيوني غاصب، كل أراضي فلسطين مغتصبة.
  3.  هي ترجع بنا إلى حقيقة موازين القوى الدولية، وحقيقة الشرعية الدولية، لتسائلها، بل تحاكمها، هل هي فعلاً عادلة؟ هل هذا المجتمع الدولي جاء ليعيد الحق إلى أصحابه، وليقيم العدل في البلاد والعباد؟ وهل شرعنة الاحتلال تعد عدلاً؟ ماذا يعني إذاً قرار التقسيم الذي منح الشرعية والغطاء الدوليين، لقيام هذا الكيان الغاصب؟ تجيبنا هذه الذاكرة: قرار التقسيم جائر، وما انبنى عليه كله جائر وباطل، مادام هذا الكيان الصهيوني قام على اغتصاب أرض ليست له، إن هذا القرار حرف الحقيقة، من مشكلة احتلال وغصب، إلى مشكلة أراضٍ متنازع عليها، ويا للعار! صار على "هُدى" هذا القرار و"منطقه الاحتلالي" عشاق "السلام والمفاوضات".
  4.  هي تفضح مأساة أكثر من 5 ملايين من اللاجئين الفلسطينيين، هجروا من أراضيهم وقراهم ومنازلهم في فلسطين، وتذكر بها، وتنبه المتغافلين الذين أرادوا تناسيها، هي تقول لهؤلاء: مطلب العودة إلى الديار هو مطلب وجودي استراتيجي ولا محيد عنه، هؤلاء المهجرون واللاجئون الفلسطينيون هم الذين يرسمون بمأساتهم اليومية، وبهويتهم غير المعرَّفة أو المؤقتة، طريق العودة لا محالة، ويذكّرون بمأساتهم حقيقة احتلال الأرض، ويعيدون مسار حقيقة التدافع إلى سكته الحقيقية.
  5.  هي تصحح بدماء الشهداء والجرحى، وبأحلام المهجرين بالعودة؛ بنود التحرير التي "عدلت" في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، إرضاءً لمسلسل "السلام المزعوم"، فتقول: الأرض كل الأرض، لا اعتراف بكيان صهيوني غاصب، وهي تصيح مستعرضة بطولات المقاومين الفلسطينيين والعرب من 48 إلى الآن: مقاومة المحتل خيار استراتيجي لا محيد عنه، وما دونه من حلول أحادية تلغي المقاومة من خياراتها وهمٌ في وهم، وإلا فلتسألوا هذه الذاكرة: ماذا حقق خيار "المفاوضات وإلقاء البندقية"؟ هل حرر الأرض؟ هل أعاد اللاجئين الفلسطيني إلى ديارهم الأصلية وقراهم؟ الذاكرة تشهد أن خيار "المفاوضات وإلقاء البندقية" خانها، وتنكَّر لخزانها المليء بالاحتلال والمجازر، والمليء أيضاً ببطولات الشرفاء من المقاومين.
  6. هذه الذاكرة تسقط خيارات الحلول المؤقتة، وتقول: إن "مدرسة المفاوضات وإلقاء السلاح" التي يتحرك روادها هنا، بكتاباتهم وتحركاتهم "ونضالاتهم الفندقية"، من أحط ما أنتجته مدارس المقاومات في المجتمعات البشرية عبر التاريخ، وهي تستدعي هؤلاء لزيارة أروقة النضالات الحقة عبر التاريخ؛ ليتأكدوا بالملموس أن "المفاوضات وإلقاء السلاح" لا يلتقيان أبداً، في منطق تحرير الأرض من المحتلين.
  7. وهذه الذاكرة أيضاً هي ضمير الأمة، الذي يجعل أحرارها وشعوبها ترفض خيارات تطبيع العلاقات الرسمية أو غير الرسمية من داخلها مع المحتل الصهيوني، فهو كيان احتلال باطل قيامه وتأسيسه، وبالتالي باطلة كل علاقة تطبيعية معه من داخل الأمة.  

الخلاصة

إلى هنا، تنتهي حلقة التذكير بالأحلام والمبادئ والآمال والتطلعات والتاريخ والمستقبل والمصير، وإلى هنا تضرب لنا هذه الذاكرة موعداً آخر معها قد يصبح مع توالي أحداث الغصب ومخلفاته، موعداً يومياً بل آنياً، لن تتلقح أرض فلسطين بغير ثقافة المقاومة، لن تنسى الذاكرة ذاكرتها، الكيان الصهيوني غاصب، الاحتلال يظل احتلالاً ولو تبدلت موازين القوى المادية، الحق سيظل حقاً، الباطل سيظل باطلاً، الظلم سيظل ظلماً، والذاكرة لا يمكن أن تغير من ذاكرتها التي تذكرنا دوماً بأصالة هذه المفاهيم والمقولات والاعتقادات، لا يمكن أن تغير من ذاكرتها لسبب بسيط وأبسط، فقط لأنها ذاكرة.. تصبحون عليها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد بوعشرين
كاتب وباحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي
ناشط حقوقي وسياسي، وكاتب وباحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي، من مواليد مدينة مكناس بالمغرب، خريج كلية الحقوق جامعة المولى إسماعيل تخصص اقتصاد، حاصل على الماجستير في الفكر الإسلامي من جامعة بيروت الإسلامية، ودبلوم دكتوراه في الفيزياء من جامعة محمد بن عبد الله بفاس، ناشط جمعوي ورئيس سابق لجمعية منبر الحوار للتربية والثقافة والفن.
تحميل المزيد