“ما لم يتحقق بالقتل يتحقق بالمزيد منه”.. كيف يثبت اغتيال شيرين أبو عاقلة عجز إسرائيل الحالي؟

عدد القراءات
1,476
عربي بوست
تم النشر: 2022/05/16 الساعة 08:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/16 الساعة 08:28 بتوقيت غرينتش
اغتيال شيرين أبو عاقلة حلقة من مسلسل استهداف الصحفيين بالقدس

جريمة إسرائيلية مكتملة الأركان، هكذا يمكن وصف قتل بل إعدام إسرائيل المتعمد للشهيدة الإعلامية شيرين أبو عاقلة وإصابة زميليها شذا حنايشة وعلي السمودي. ولا شك أن الجريمة وبشكل عام تفضح الاحتلال الإسرائيلي وتكشف وجهه البغيض، وتؤكد استمرار جرائم القتل المتعمدة بحق الفلسطينيين دون استثناء بغض النظر عن خلفياتهم السياسية والمهنية.

صباح الأربعاء الماضي اقتحم جيش الاحتلال، كما يفعل دائماً، مدينة ومخيم جنين مدججاً بالدبابات والقناصة، ومروّعاً المدنيين الأمنيين بحجة اعتقال مقاومين مطلوبين، ولا بد هنا من التذكير بقاعدة وحقيقة قاطعة مفادها أن الاحتلال الإسرائيلي غير شرعي، وبالتأكيد لا يملك الحق في الاقتحامات والاغتيالات والاعتقالات، وبناء عليه فلا شك أيضاً أن أهالي جنين والفلسطينيين عموماً يملكون كامل الحق في التصدي للاحتلال وممارساته وتجلياته من قتل واعتقال وتهجير وتغيير ديموغرافي بكل الوسائل المتاحة لديهم.

لا بد من التأكيد أيضاً على حقيقة ذات صلة بما سبق مفادها أن الاغتيالات الإسرائيلية للمدنيين الفلسطينيين هي بحد ذاتها غير شرعية، وتعتبر بمثابة إعدام خارج المحكمة حسب المواثيق الدولية، ناهيك طبعاً عن عدم شرعية الاحتلال نفسه، وعدم امتلاكه الحق أيضاً في اعتقال أو محاكمة الفلسطينيين.

في السياق نفسه، لا بد من الإشارة إلى أن إسرائيل قتلت منذ بداية العام الجاري 58 مواطناً فلسطينياً ثلثهم من محافظة جنين "المدينة والمخيم"، والقرى التابعة المحيطة بحجة منع التصعيد أو تدهور الأمور نحو الأسوأ، علماً أن أفعال بل جرائم إسرائيل تصب الزيت على النار، وتؤجج شعلة المقاومة المتقدة أصلاً ضد الاحتلال من حيث المبدأ وممارساته القمعية ضد الفلسطينيين بدون استثناء، وبغض النظر عن انتماءاتهم السياسية ونشاطاتهم المهنية.

وفيما يخص جريمة إعدام شيرين أبو عاقلة التي سعت وزملاؤها للقيام بواجباتهم الوطنية والمهنية في نقل الحقيقة والوقائع كما هي، ولأن الاحتلال بحد ذاته جريمة ولا يتوقف عن ارتكاب الجرائم اليومية بحق الفلسطينيين فقد قتل شيرين كونه لا يريد نقل الحقيقة، ولأنه يفعل هكذا بكل من يتواجد في طريقه دون الاكتراث أبداً للفلسطينيين وحياتهم.

وحسب روايات الشهود المتعددة والمتزايدة يوماً بعد يوم، فقد تواجدت شيرين وزملاؤها الصحفيون بخوذهم ولباسهم الرسمي في منطقة مكشوفة مجاورة لمخيم جنين وخارج نطاق الاشتباك المباشر بين المقاومين المدافعين عن أنفسهم ومخيمهم بمواجهة جيش الاحتلال.

يد رخوة جداً على الزناد

أما الفيديو الذي تم ترويجه من قبل الاحتلال لمقاومين يعلنون فيه عن إصابة جندي إسرائيلي فتجري أحداثه داخل المخيم نفسه، وفي منطقة مغلقة وبعيدة جداً عن تلك التي تواجدت فيها شيرين وزملاؤها. بينما فيديو استشهادها يظهر أنها كانت في منطقة مختلفة تماماً وبعيدة عن الاشتباك ومكشوفة تماماً لجيش الاحتلال، ولا شك أن إطلاق النار الكثيف "والمعتاد من الاحتلال" وفي جميع الاتجاهات التي يمكن أن تتحرك فيها شيرين أدى إلى استشهادها وإصابة زملائها، كما قال تحقيق موقع "عرب 48"، الأربعاء، الذي استند لروايات الشهود، بما في ذلك زميلتها شذا حنايشة والشاب شريف العزب الذي قام بنقلها إلى المستشفى، وهو نفس ما تضمنه تحقيق منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، الأربعاء أيضاً، وما ذهب إليه تقرير صحيفة هآرتس، الخميس، الذي أشار إلى ترجيح فرضية إصاباتها وزملائها برصاص الوحدة الإسرائيلية الخاصة "دفدوفان" سيئة الصيت والسمعة التي قامت باقتحام المخيم، وأكّده أيضاً تقرير تحقيق وكالة فرانس برس، الجمعة، نقلاً عن مصوّرها الذي تواجد في عين المكان، وأكّد أن شيرين تواجدت بعيداً وبمسافة كافية عن إطلاق نار المقاومين، وفي منطقة مكشوفة وواضحة تماماً لجيش الاحتلال، إنهم تعمدوا ذلك فيما يشبه التعريف عن أنفسهم للقيام بواجباتهم المهنية.

بالعموم، وكما قلنا ونقول دائماً تصرف جيش الاحتلال بطريقته الدموية والوحشية التي لا تقيم وزناً أو اعتباراً لحياة الفلسطينيين مع يد رخوة جداً على الزناد وتعليمات مخففة جداً لإطلاق النار لا توفر أحداً.

ورغم أن القياس مع الفارق فإن ما جرى مع شيرين يندرج في نفس سياق تدمير برج الجلاء بغزة أثناء الحرب الأخيرة العام الماضي، علماً أنه لم يضم سوى مكاتب إعلامية وصحفيين يقومون بواجباتهم الوطنية والمهنية، ما فضح جرائم الحرب الإسرائيلية ضد غزة وأهلها الآمنين وأكد الاستهداف المتعمد للصحفيين، خاصة أن الاحتلال قتل وبشكل متعمد ومباشر 47 صحفياً منذ العام 2000.

بدت طريقة تعاطي السلطات الإسرائيلية السياسية والعسكرية مع الجريمة الموصوفة لافتة جداً أيضاً وغير مستغربة بالطبع، حيث عقد اجتماع مبكر لمجلس الإعلام القومي "صباح الأربعاء" ضمّ ممثلين عن رئاسة الوزراء ووزارة الخارجية وقيادة الجيش وانصب اهتمام الاجتماع على كيفية دحض الرواية الفلسطينية وترويج فكرة أن شيرين قتلت برصاص مقاومين فلسطينيين، مع توزيع فيديو مزعوم لا تظهر فيه شيرين ولا حتى المكان التي استشهدت فيه.

التعاطي الإسرائيلي تضمن أيضاً طرح فكرة تشكيل لجنة تحقيق مشتركة مع السلطة الفلسطينية، وهو ما رفضته هذه الأخيرة عن حق، خاصة بعدما وصلت الوقاحة الإسرائيلية إلى حد طلب الحصول على أداة الجريمة المتمثلة بالرصاصة المتفجرة التي لا يملك المقاومون مثيلاً لها.

إسرائيلياً أيضاً؛ تم التعاطي مع مقتل شيرين في البداية كما العادة، حيث يمر الأمر بلا مبالاة ودون أي اكتراث، وعندما رأوا الاهتمام الإعلامي بالجريمة وعلموا أنها تحمل الجنسية الأمريكية أيضاً بدأت اللغة تتغير نسبياً، ولكن دون تحمل المسؤولية بل ترك كل الاحتمالات مفتوحة لتقليص الأضرار مع الإصرار والمكابرة على احتمال استشهادها برصاص المقاومين.

إلى ذلك وفي السياق الوطني الفلسطيني العام، يشبه استشهاد شيرين المشهد الملهم للشهيد الطفل فارس عودة بمواجهة الدبابة الإسرائيلية في انطلاقة الانتفاضة الأولى، ثم الشهيد الطفل محمد الدرة في انطلاقة الانتفاضة الثانية، ما يعني أن جرائم القتل الإسرائيلية مستمرة ولا تستثني أحداً من الأطفال والشباب والنساء والمسنين، كما حصل مع الشهيد الثمانيني عمر حماد في جلجال شمال رام الله- يناير/كانون الثاني الماضي- حيث ترك مقيّداً في البرد القارس دون أي اكتراث من جيش الاحتلال إلى نداءات استغاثته، وفقط بعد اتضاح أنه يحمل الجنسية الأمريكية، تغيرت اللهجة الإعلامية وتم الإعلان دعائياً عن تشكيل لجنة تحقيق صورية فقط لذرّ الرماد في العيون دون أي مراجعة أو استخلاص للعبر، بينما جرائم القتل تحصد أكثر من 50 فلسطينياً آخرين منذ ذلك الوقت.

ما لم يتحقق بالقتل يتحقق بالمزيد منه

من هذه الزاوية تحديداً أكد استشهاد شيرين أهمية الصورة في القضية الفلسطينية، وعجز إسرائيل عن إخفاء جرائمها من فارس عودة أمام الدبابة الانتفاضة الأولى ثم محمد الدرّة محتمياً بوالده في الانتفاضة الثانية، وشيرين محتمية بزملائها في ذروة الموجة الحالية من المقاومة الشعبية وتجلياتها.

في الأخير وباختصار، تحوّلت شيرين ولا شك إلى أيقونة وإعلامية ورمز للمهنة وحرية الصحافة وقداسة المهنة في مواجهة الغزاة، ووطنياً، استشهدت في ذروة الموجة الحالية من العمليات المقاومة، وباتت رمزاً لهذه الموجة التي ستتصاعد أكثر عكس ما يريده أو يتصوّره الاحتلال؛ حيث ولمرة أخرى لا تجدي قاعدة إن ما لم يتحقق بالقتل يتحقق بالمزيد منه، والجريمة تقدم دليلاً إضافياً على بشاعة الاحتلال وعدالة وأحقية المقاومة.

لا يقل أهمية عن ذلك الإصرار على مطلب التحقيق الدولي في الجريمة والذهاب بها إلى المحكمة الجنائية الأممية باعتبارها جريمة حرب ضمن خطة فلسطينية شاملة تلحظ المضي قدماً في المعركة السياسية والإعلامية والقضائية حول العالم لتجريم الدولة العبرية ونزع الشرعية عنها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ماجد عزام
كاتب وإعلامي فلسطيني
تحميل المزيد