"اتبع شغفك".. تحت شعار هذه الجملة الصغيرة، بيعت آلاف الكتب، واشتهر بسببها الكثير من محاضري التنمية البشرية، وظهر توجه ساد لفترة طويلة من الوقت، وما زال موجوداً وإن كان بشكل خافت، يدعو الجميع إلى البحث عن ذواتهم الضائعة التي طحنتها الرأسمالية، والحقيقة أن موضوع اتباع الشغف يلمس الشباب بشكل خاص، حتى لو قرروا عدم الأخذ بهذه النصيحة، فمجرد الاستماع إليه يتسبب في دفقة من الأدرينالين إليهم لبعض الوقت، وتحت هذا الشعار نفسه نُسجت قصة فيلم "واحد تاني" للممثل الكوميدي الكبير أحمد حلمي، فكرة جاهزة وسهلة، ومن المتوقع أن تجذب الشباب وتضحكهم، ولكن ذلك لم يحدث..
خلطة النجاح الجاهزة لإضافة الشغف إلى الكوميديا لم تنجح
يحكي لنا فيلم "واحد تاني"، الذي كتب قصته السيناريست هيثم دبور، وأخرجه محمد شاكر خضير؛ قصة مصطفى، الشاب البسيط الذي يعمل موظفاً في مصلحة السجون، يقضي مصطفى أيامه برتابة شديدة، حتى تأتيه رسالة من فيروز، صديقته بالجامعة وحبه القديم، تخبره فيها أنها قررت لم شمل الشلة القديمة، يذهب مصطفى إلى بيت فيروز، ويتفاجأ بما وصل إليه أصدقاؤه؛ إذ حققوا نجاحات كبرى؛ فإحدى الأصدقاء أصبحت مراسلة حرب، وغطت الكثير من الحروب، وآخر امتهن الموسيقى وأصبح شهيراً، وفيروز أصبحت منسقة حفلات، وحصلت على الطلاق مؤخراً.
نعرف، من خلال جلسة الأصدقاء، أن مصطفى لم يكن كذلك في الماضي؛ فخلال فترة الجامعة كان طالباً نشيطاً وطموحاً، حلم دوماً أن يصبح عازف درامز، وأن يتقن 7 لغات على الأقل، وأراد كذلك أن يصبح كاتباً، ولكنه تخلى عن أحلامه، واستسلم لروتين الوظيفة، حين يعود مصطفى إلى بيته يشاهد الفيديوهات القديمة له في الجامعة، ويزيح الغبار عن صوره، ولكنه لا يتعرف على نفسه، فيتهاوى على كنبة الصالة، ويغط في نوم عميق لينسى ما حدث معه.
حل اللبوسة المضيئة لاستعادة الشغف
يأتي جاسر، أخو فيروز، لمقابلة مصطفى، ويذكره بأيام الجامعة حين كان شاباً نشطاً، ويخبره أنه يملك الحل السحري حتى يستعيد شخصيته الطموحة والنشيطة، والحل هو في إجراء عملية جراحية عن طريق تركيب لبوسة مضيئة ستغير شخصيته للأفضل، وتجعله يمتلك الشغف لتحقيق النجاح، ومن هنا تبدأ مشكلة الفيلم؛ فحل اللبوسة كان مدخلاً لاستجرار الضحك عن طريق الإيحاءات الجنسية الفجة، وحتى هذه الطريقة لم تنجح في إضحاك المشاهدين. بدأ الأمر حين أُخبر مصطفى أن مركز الشغف في جسم الإنسان يقع في منطقة أسفل الظهر، ثم استمرت الإيحاءات الجنسية ولم تتوقف، أبرزها كان مشهد أحمد حلمي مع موظف البنك، الذي أدى دوره الفنان عمرو وهبة.
حالة المتفرجين في السينما: لقد شاهدنا كل هذا من قبل
الإيحاءات الجنسية لم تكن المشكلة الوحيدة في الفيلم؛ فبعد أن أجرى مصطفى عملية تركيب اللبوسة، حدث خطأ طبي، وتحولت شخصيته إلى اثنين: مصطفى الحالي، وإكس الشخص الشغوف صاحب الأحلام والطموحات، نعرف من الطبيب الذي أجرى العملية أن مصطفى سيعيش يوماً، وإكس سيعيش اليوم التالي، دون أن يدري ما فعله مصطفى بالأمس، وفور أن بدأت الأحداث بالتدفق شعرت أنني رأيت هذه الأحداث من قبل، فقصة انقسام الشخصيات داخل الجسد الواحد سبق تناولها في أكثر من عمل؛ هناك فيلم "جوناثان" الذي يحكي قصة توأم في جسد واحد، يتبادلان الأدوار، ويتواصلان مع بعضهما من خلال تسجيل الكاميرا، وهناك أيضاً مسلسل "Living with yourself"، الذي يحكي أيضاً قصة موظف يعيش حياة رتيبة، فينصحه صديقه بالذهاب إلى منتجع خاص، وهناك يجري عملية لتحسين الحمض النووي، حتى يحصل على أفضل نسخة منه، ولكنه حين يعود يكتشف خطأً طبياً حدث أثناء إجراء العملية، وهي أنهم استنسخوه، فنرى خلال الأحداث شخصيتين تتصارعان معاً.
الفكرة نفسها طُرحت أيضاً من خلال المسلسل الكوري "Hyde Jekyll Me"، ولكنها طُرحت في سياق فكرة الحديث عن مرض اضطراب الشخصية التفارقي، اللافت للنظر كان التشابه الشديد في التفاصيل الصغيرة؛ فقَصَّة الشعر، على سبيل المثال، كانت هي التي تجعل أبطال الفيلم يفرقون بين شخصية مصطفى وشخصية إكس، والأمر ذاته كان في المسلسل الكوري، حتى إن الأبطال في المسلسل الكوري كانوا يسخرون من الشخصية التقليدية في المسلسل ويطلقون عليها اسم "ذي التسريحة الجانبية"، وفي فيلم "واحد تاني" كانوا يطلقون على مصطفى الاسم نفسه "جايب شعرك على جنب".
وحتى مع كل هذه الاقتباسات كان يمكن أن يتسامح الجمهور لو كانت الأحداث مترابطة قليلاً، لو كان هناك دوافع للشخصيات، ولكن أحداث الفيلم كانت مفككة للغاية، الكل موجود حتى يخدم البطل، فلا يوجد أي خطوط درامية خاصة بباقي الأبطال؛ فقصة القط التي رأيناها في الخليفة، والذي أدى دوره الفنان عمرو عبد الجليل، كانت مهلهلة وغير مترابطة مع أحداث الفيلم، وفي هذا السياق يجب أن نذكر أن عمرو عبد الجليل لم يخرج حتى الآن من شخصية إبراهيم توشكى، وتكاد هذه الشخصية تقضي عليه، فطريقة رمي الإفيهات أصبحت غير مضحكة ومبتذلة، حتى حضور روبي بشخصية فيروز كان باهتاً؛ مجرد دور أنثوي رغم أن السيناريو كان من الممكن أن يوظف قصة حبهما القديمة باعتبارها دافعاً لمصطفى للتغيير، ولكنه لم يفعل ذلك، والانقسام في شخصية البطل كان سطحياً للغاية، فمصطفى شاب خجول ورتيب وممل، حتى في مظهره، وإكس على العكس تماماً.
الأمر الجيد في الفيلم كان الأغنيات، وخاصة أغنية "الحركة دي"، التي اشتهرت بشكل كبير على السوشيال ميديا، وروبي حاولت إثبات حضورها قليلاً من خلال أغنية مرحة غنتها أثناء الأحداث، وقد أضفت الموسيقى وجو الغناء بعض المرح على السينما، وإن كان الفيلم قد عاد ليفصلنا مرة أخرى بسبب الإعلان التجاري الذي ظهر بشكل فج وأكثر من مرة لإحدى شركات الأجهزة الكهربائية.
أحمد حلمي.. منحنى الصعود والهبوط
دخلت السينما لأول مرة في حياتي عام 2006؛ كنت فتاة جاءت لتوها من مدينة بعيدة بصعيد مصر ولم تدخل سينما في حياتها أبداً، شعرت بالرهبة من القاعة المظلمة، وفكرت كثيراً في الخروج، ولكن بعد أن بدأت أحداث فيلم "ظرف طارق" نسيت كل شيء، واندمجت مع الأحداث وضحكت من قلبي، وقتها امتلأت قاعة سينما مترو بالضحك، وقررت بعدها أن أدخل أي فيلم للنجم أحمد حلمي.
دخلت بعدها من أجله مطب صناعي، ثم كدة رضا، وآسف على الإزعاج، وبعدها عسل أسود، في كل الأفلام السابقة كان أحمد حلمي يجعلنا نضحك ثم نبكي، خاصة في بعض المشاهد التي ظلت علامة فارقة، مثل مشهد اكتشافه لموت والده في فيلم "آسف على الإزعاج"، وعدم قدرته على العودة للولايات المتحدة في منتصف فيلم عسل أسود.
من بعد فيلم عسل أسود بدأ منحنى أحمد حلمي ينخفض قليلاً، ولكننا، جمهوره، كنا ندخل أفلامه بسبب الرصيد الذي يملكه لدينا؛ دخلنا بلبل حيران، و"إكس لارج" الذي كان جيداً إلى حد ما، وصنع في مصر، ومن بعدها تهاوت أفلام حلمي للغاية، خاصة فيلمه قبل الأخير "خيال مآتة"، كان فشلاً ذريعاً متجسداً في فيلم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.