في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تشهدها مصر، وتضخم فاتورة الديون التي زادت بمقدار 100 مليار دولار خلال آخر 8 سنوات، والضغوط الدولية على النظام المصري لتحسين الوضع الحقوقي، تحدث رأس السلطة، عبدالفتاح السيسي، في حفل "إفطار الأسرة المصرية" عن إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، وإطلاق حوار سياسي تشارك فيه جميع القوى السياسية بدون استثناء أو تمييز، وهو الحوار الذي أُسندت إدارته إلى الأكاديمية الوطنية للتدريب، كما أشار إلى أن الأوضاع على وشك الاستقرار بعد سنوات من الاشتباكات المسلحة في سيناء التي أسفرت عن مقتل 3277 فرداً وإصابة 12 ألفاً آخرين من عناصر الجيش والشرطة في أنحاء البلاد، فضلاً عن إنفاق الجيش مليار جنيه شهرياً على مكافحة الإرهاب خلال الفترة من 2013 إلى 2017.
ووسط تلك الأجواء اشتعلت الاشتباكات فجأة في سيناء بعد فترة من الهدوء النسبي، وقُتل ما يزيد عن 22 ضابطاً وجندياً من الجيش على الأقل، فضلاً عن العشرات من أعضاء الميليشيات القبلية الموالية للقوات المسلحة في سلسلة هجمات امتدت من تخوم قناة السويس إلى رفح في أقصى شمال شرق سيناء، وهو ما أثار حالة من الجدل حول دوافع تصاعد هجمات تنظيم ولاية سيناء.
فالبعض في جانب النظام مثل الرئيس السابق لإدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة اللواء سمير فرج برر الهجمات الأخيرة بأنها رد فعل على التسريبات التي تضمنها مسلسل "الاختيار 3"، فيما البعض الآخر من المحسوبين على المعارضة يرون أن النظام المصري يقف خلف التصعيد في سيناء لتعزيز سردية دوره الوطني في حماية البلاد وإشغال المصريين عن معاناتهم اليومية، وبين هذا وذاك تغيب الحقائق، وتختفي أبعاد مهمة محلية ودولية لها انعكاسات كبيرة على المشهد السيناوي، ويساعد فهمها على فهم خريطة الأحداث في سيناء.
الاشتباكات المسلحة في سيناء
تشابكت أحداث خارجية ومحلية لتدفع تنظيم ولاية سيناء لتكثيف هجماته خلال شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار 2022، الحدث الأول هو إعلان تنظيم الدولة الأم على لسان متحدثه الإعلامي الجديد إطلاق حملة ثأرية انتقاماً لمقتل زعيميه البغدادي والقرشي بعنوان (غزوة الثأر للشيخين)، وعقب ذلك تبارت فروع التنظيم بما فيها فرعه السيناوي في تنفيذ هجمات لإثبات الفاعلية والوجود دون الانشغال بالسياقات السياسية المحلية في كل دولة.
وضمن تلك الحملة تبنى تنظيم ولاية سيناء عدة هجمات خلال النصف الثاني من شهر أبريل/نيسان الماضي استهدفت بشكل أساسي المسلحين القبليين الموالين للقوات المسلحة الذين اقتحموا معقل التنظيم في قرية المقاطعة جنوب مدينة الشيخ زويد، وقال التنظيم إن 20 مسلحاً من عناصره بقرية المقاطعة التي تبلغ مساحتها 4 كم مربع تمكنوا من قتل وإصابة ما يزيد عن 20 مسلحاً قبلياً.
وفي المقابل نشر اتحاد القبائل صور عناصر من تنظيم ولاية سيناء تمكن من قتلهم أو إلقاء القبض عليهم بالقرية المذكورة، لكن عود الثقاب الذي أشعل الوضع هو نشر اتحاد القبائل صور نحو 11 امرأة رفقة أطفالهن قال إنهن من نساء عناصر تنظيم ولاية سيناء استسلمن للاتحاد بعد مقتل أزواجهن بقرية المقاطعة، وعقب ذلك تغيرت وتيرة ونوعية هجمات التنظيم ليشن هجومين كبيرين ضد قوات الجيش أحدهما استهدف تمركزاً عسكرياً قرب محطة رفع مياه "عرام 2" على بعد أقل من 30 كيلومتراً من مجرى قناة السويس؛ مما أسفر عن مقتل 17 ضابطاً وجندياً بحسب تتبع جنازات الضحايا، ثم تلاه تنفيذ هجوم آخر استهدف حاجزاً عسكرياً في رفح؛ مما أدى إلى مقتل ضابط و5 جنود، وقال التنظيم في بيان تبنيه للهجومين إنه يأتي (ضمن بعض الثأر للمسلمات الأسيرات في رفح) بحسب تعبيره.
تلك الهجمات تثبت أن تنظيم ولاية سيناء لا يزال قادراً على شن هجمات مؤثرة، ولكن عند فحص الخط الزمني لمعدل هجماته سنجد أنها تشهد تراجعاً كبيراً، ففي منتصف عام 2016 بلغ متوسط عدد هجماته 48 هجوماً شهرياً بحسب إحصائيات معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، بينما في نهاية عام 2021 تراجع عدد الهجمات التي يتبناها إلى متوسط يتراوح من 3 إلى 5 هجمات شهرياً، بل تبنى في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 هجوماً واحداً فقط، واعتمد التنظيم خلال العام الأخير بشكل رئيس على استخدام العبوات الناسفة وعمليات القنص لتجنب سقوط خسائر في جانبه، وبالأخص في ظل تناقص عدد أفراده الذين تقدرهم المصادر الأمنية المصرية حالياً بقرابة 200 فرد في أقصى تقدير، بعد أن كانوا يُقدرون بنحو 800 فرد في عام 2017، وهو ما يشير إلى نجاح الجيش في تقويض قدرات التنظيم الهجومية بشكل كبير.
هل يستمر التصعيد؟
لقد ساهمت التدابير المشددة التي اتخذها الجيش بالتزامن مع إطلاق العملية الشاملة في عام 2018 في حصار عناصر ولاية سيناء، والتضييق على خطوط إمدادهم اللوجستي، وقد تضمنت تلك التدابير تقييد بيع الوقود للمواطنين عبر صرف حصة للسيارة الواحدة بمقدار 30 لتراً كل أسبوعين، وحظر استخدام سيارات الدفع الرباعي، ومنع دخول الدراجات النارية وقطع غيارها إلى سيناء، واشتراط دخول المواطنين المصريين من خارج سيناء لها بتصريح أمني، ثم جاءت الخطوة الأخيرة عبر تعزيز المجموعات القبلية المسلحة ودعمها بالعتاد والتجهيزات لاقتحام معاقل التنظيم في رفح والشيخ زويد بشكل متتابع، وهو ما أدى إلى تصاعد وتيرة الاشتباكات في سيناء مؤخراً، ولكن لا يتوقع أن يستمر ذلك التصعيد.
إنما يتوقع خلال الفترة المتبقية من العام الحالي تراجع هجمات ولاية سيناء، وتمكن المجموعات القبلية المتحالفة مع الجيش من بسط سيطرتها على معاقل التنظيم في ظل قدرتها وقدرة الجيش على امتصاص تداعيات الهجمات المضادة وتعويض خسائرهما من الأفراد والمعدات بسهولة، بينما لا يتمكن تنظيم ولاية سيناء من ذلك في ظل الحصار المفروض عليه، فضلاً عن رغبة الأهالي في العودة إلى قراهم ليستكملوا حياتهم بعيداً عن معاناة التهجير والتشريد التي لاقوها خلال السنوات التسع الأخيرة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.