لا تتوقف السلطة السياسية في لبنان عن سلسلة جرائمها للانتقام من لحظة 17 أكتوبر/تشرين الأول وما تمخض عنها من زعزعة استقرار المنظومة وفك ارتباطها وتغيير التحالفات وإنهاء صورة "الزعامات التي لا تقهر" عبر شتم المقدسات والكراسي والعمائم والمقامات دون قدسية لأحد، وهذا الانتقام ليست طرابلس ببعيدة عنه؛ بعد أن شكلت في الثورة صورة المدينة المتجذرة بالدولة الوطنية والتي أطلقت من ساحاتها شعارات المطالبة بتغيير النظام الطائفي والانتقال لدولة مدنية علمانية حديثة لا مكان بها لسلطة رجال الدين على المواطن لإخضاعه فكرياً للقبول بسلطة القهر المتمثلة بنواب ووزراء المدينة المسؤولين عن نكبتها وجوعها وغرقها في بحور العوز والفقر والإذلال، وتستكمل السلطة مسلسل الاستخفاف بالعاصمة الثانية عبر توقف أي عمل إنقاذي للجثث الـ33 الغارقة في البحر منذ أسبوع ونيف دون حتى التفكير بالغليان الحاصل في مناطقهم وبين عائلاتهم المفجوعة بالموت والتقصير.
ويتجلى اليوم انتقام هذه العصبة المتحكمة بإشغال الرأي العام اللبناني من مدينة طرابلس شمالي لبنان بمرشحي "التهريج والبراشوت" والذين هبطوا على المدينة ويمارسون كل أشكال التحوير للمعركة الحقيقية في وجه المنظومة ورجالاتها ومرشحيها وفلولها، وهذا التسخيف اليومي للمعاناة عبر تحويل فصول المعركة من محاكمة شعبية للقوى التقليدية والتي ساهمت بتدمير طرابلس على مر السنين، إلى التلهي بمواقف ومقاطع فيديو يومية لمرشحي الصدفة كعمر حرفوش، أو النقاشات اليومية عن رجل الأعمال الهابط على طرابلس من أستراليا (إيهاب مطر) والذي تثار حوله علامات استفهام في ظل ما يحكى عن مبالغ خيالية يجري دفعها لاستقطاب الناخبين والمندوبين والإعلاميين، وهو المتحالف مع الجماعة الإسلامية حليفة المنظومة السياسية على فتات المقاعد في النقابات والجامعات والبلديات.
وما بينهما من لوائح شكلتها الأجهزة الأمنية أو سمحت بتشكلها لتحويل الأنظار من ممارسات التجويع والتآمر إلى السخرية والتهافت بغية القول لسكان أفقر المدن العربية إن البديل عن تقصيرهم وإجرامهم هو الذهاب لتحويل المدينة مساحة للسخافة والخفة والضياع.
وأمام تلك الممارسات المستمرة لا بد من تذكير كل اللبنانيين تحديداً بمزايا لوائح السلطة وإنجازاتها في تركيعهم وسرقة أموالهم وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية والتي باتت حلماً مستحيلاً..
أولاً: لائحة الإرادة الشعبية وهي أبعد ما تكون عن ذلك، فهي لائحة إرادة نصر الله والأسد، والتي يقودها وريث الزعامة الإقطاعية الطرابلسية فيصل كرامي حليف كل أنواع القتلة والغطاء الطائفي السني لحزب الله ونظام التطهير العرقي في دمشق والذي لم يتوانَ في كل المحطات عن الالتحاق بركب المنظومة الحاكمة وغطائها السوري والإيراني متحالفاً مع نظيره في الإقطاع السياسي جهاد الصمد واللذين استغلا نفوذ الحزب وفريقه في المحكمة العسكرية لبناء زعامة على آلاف مؤلفة من مذكرات التوقيف والرخص غير الشرعية لمواقف سيارات الأجرة والتي تحتكر خط السيارات وتحتجز الأرصفة دون رخص شرعية، وهذه اللائحة ستجد دعمها المستمر من بلوكات المجنسين في سوريا واستغلال النظام السوري للحزب العربي الديمقراطي في الطائفة العلوية في جبل محسن؛ نتيجة سياسة عزل الجبل والعلويين عن محيطهم الوطني في طرابلس؛ خدمة للمشروع الطائفي الذي تقوده إيران وحلفاؤها.
ثانياً: لائحة للناس والتي لم تقدم يوماً أي مشروع للناس، والتي تضم الصف الثالث من تيار الرئيس نجيب ميقاتي والذي وعد الطرابلسيين بعشرات المشاريع التي لم ينفِّذ منها شيئاً في كل المراحل التي تولى بها مناصب سياسية وحكومية وبرلمانية وساهم عبر صمته المستمر بتحويل طرابلس لمدينة مستهدفة بالشيطنة، كما احتضن قادة المحاور الذين لا يزالون يفرضون على جزء كبير من تجار طرابلس "الخوة" عبر تغطيتهم من بعض الأفرع الأمنية في طرابلس، وهذه اللائحة هي استكمال للتوريث السياسي بأبناء كل من: الراحل جان عبيد وابن النائب السابق كاظم الخير وابن النائب السابق أسعد هرموش وهي دون شك لائحة تجمع مصالح عالم الأعمال والتلزيمات والتحاصص على أشلاء الطرابلسيين.
ثالثاً: لائحة لبنان لنا والتي ترفع شعارات الارتماء بأحضان النظم العربية المسؤولة عن كوارثنا منذ 70 عاماً أو يزيد، ويقودها النائب السابق مصطفى علوش ومعه النائب سامي فتفت واللذان خرجا من عباءة الحريري الابن إلى عباءات متعددة، قلوبهما وجيوبهما عند الرئيس فؤاد السنيورة فيما عقلاهما عند سعد الحريري وابن عمته أحمد الحريري، والذي عاث أضراراً بطرابلس في السنوات الأخيرة باحتضان كل قادة المحاور والمفاتيح الانتخابية بدعم أجهزة الأمن والاستخبارات واستغلال مذكرات لتوقيف ووثائق الاتصال لإجبار مئات الشبان على العمل لصالح التيار الأزرق المتداعي منذ سنوات نتيجة إغلاق مزاريب الأموال الخليجية على زعامة الحريري وتسوياته مع حزب الله وجبران باسيل، ولا يمكن إغفال وقوع نواب المستقبل في غيبوبة طويلة، غيَّبتهم عن مدينتهم منذ العام 2018 خشية الغضب الشعبي على النكات السمجة للحريري (ما رح تلحقوا عليي مشاريع بطرابلس) والكذبة المفضوحة في الدولة المفلسة بوعود الـ900 ألف وظيفة.
رابعاً: لائحة إنقاذ وطن والتي لم يسعفها الحظ في إنقاذ بعض أعضائها من براثن اللوائح الأخرى، وهذه "التجميعة" الانتخابية والتي يقودها رئيس حزب القوات اللبنانية مستخدماً الوزير السابق أشرف ريفي بالتحالف مع سمير جعجع تود إلحاق طرابلس بمعراب، تماماً كمهمة فيصل كرامي بتحويل قرارها إلى حارة حريك، ولا يمتلك أشرف ريفي سوى خطاب شد العصب المذهبي الممجوج باتهام حزب الله وإيران باحتلال لبنان، فيما حليفه الأول هو من نصب ميشال عون بتفاهم معراب رئيساً لقعر جهنم الذي نعيشه اليوم والذي تدفع ثمنه طرابلس قبل غيرها، وإذا أردنا إحصاء مزايا ريفي فلا تنتهي، وتبدأ من وضع يده هو وأقارب زوجته على الأملاك البحرية مروراً بمخالفات البناء التي شهدها عهده في قوى الأمن الداخلي (بشهادة النائب عثمان علم الدين والذي انضم إلى لائحته) وليس انتهاءً بالسكوت على جولات العنف ولعبة المحاور واستقطاب "الشبيحة" في الجولات وتغطيتهم أمنياً ببطاقات أمنية لتسهيل تحركاتهم.
وهذه الأمور يرددها الطرابلسيون في كل لقاءاتهم وجلساتهم والتي تدار في أزقة الحارات، تحت صور المرشحين والزعامات الغائبة، والمنتشرة في المدينة والتي قد يموت مواطن على خلفية تعليقها على سطح مبنى أو على شرفة منزل لا كهرباء فيه ولا ماء طيلة اليوم، وعليه فإن المدينة والتي لا تزال تتألم من نكبة غرق المركب في عرض البحر وأبناؤها لا بواكي لهم، يتآمر أرباب اللوائح الأربعة عليها بقصص التهريج والتسخيف، بمرشحي الخفة، ظناً منهم أن ذاكرة شعب جائع ومفلس وغارق تشبه ذاكرة السمكة والتي سيجريها اصطيادها في 15 مايو/أيار إذا ما حصلت المعجزات وتبدلت الظروف في الساعات الأخيرة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.