من أخطر الأوبئة التي أصابت الدولة المصرية وتسببت في انهيارها وتقزمها وإراقة دماء أبنائها، هو وباء الفساد والخلل الاجتماعي والاقتصادي الذي أصاب جسد الدولة وأنهكها ودفع بها إلى المنحدر الخطير الذي تمر به الآن.
فلا يوجد في الدولة المصرية حالياً سوى طبقتين اجتماعيتين.. طبقة شديدة الثراء، وطبقة غارقة في الفقر حتى أذنيها.
ففي ظل انعدام للطبقة المتوسطة بعد انهيارها تماماً بسبب الاستراتيجية الاقتصادية الخاطئة التي عبّدت الطريق لهيمنة القوات المسلحة المباشرة على الاقتصاد المصري وتنفيذ المشروعات بمختلف أنواعها وفي كل القطاعات تقريباً، والدخول على خط الإنتاج العام بمشروعات عملاقة وأخرى متناهية الصغر، ومنافسة المواطن في سوق العمل، وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة في عملهم ومزاحمتهم في مصادر أرزاقهم، وهم الذين تتشكل منهم الطبقة المتوسطة دافعة الضرائب والتي تعد من أهم مصادر الدخل القومي في دول العالم، ذات المنظومة المؤسسية المتكاملة.
حدث ذلك بسبب ترعرع الفساد في جسد الدولة، وبسبب غياب رقابة حقيقية على السلطة التنفيذية في الدولة وعلى المال العام، وفي ظل انعدام منظومة حكم مدنية، مؤسسية، وانعدام السلطة البرلمانية في البلاد، وتسيد نظام حكم ديكتاتوري فردي يتحكم بمفرده في دولة بأكملها وفي مصير شعبها ومستقبله.
كل ذلك أدى إلى سحق الطبقة المتوسطة، وخلق طبقتين، الأولى هي الطبقة شديدة الثراء والتي تعيش في رفاهية تامة، وهي الفئة المميزة والتي لا تمثل أكثر 10% من المجتمع. والطبقة الثانية، هي الطبقة التي تشمل الفقراء ومدقعي الفقر والفقراء الجدد الذين سقطوا من الطبقة المتوسطة، تلك الطبقة تمثل غالبية المجتمع المصري.
الطبقة الثرية تحصل على أعلى المرتبات والوظائف والمناصب المميزة والرتب العالية وتتحكم في ثروات وموارد الدولة. والطبقة الفقيرة يعاني معظمها من البطالة المقنعة، يفتقدون لأبسط حقوقهم في بلادهم من العيش الكريم، يضطر الكثير منهم إلى الهجرة للخارج للبحث عن عمل وعن حياة كريمة افتقدوها في بلادهم.
الطبقة الثرية والحاكمة تقترض الدولة من أجلها ومن أجل رفاهيتها وزيادة ثرائها، وتقوم بالإغداق عليها لكسب تأييدها وتعضيد نظام حكمها لتزيد من قبضتها على البلاد وتقوية نفوذها.
الطبقة الفقيرة والتي يتحتم عليها تسديد ديون الدولة وخصوصاً القروض التي تم اقتراضها لرفاهية الطبقة الأولى الثرية، وذلك عن طريق قيام الطبقة الفقيرة المعدومة البائسة برفع الدعم الاجتماعي عنها ودفع رسوم الخدمات إجبارياً.
الطبقة شديدة الثراء تعيش في منتجعات وقرى سياحية وأحياء راقية تتمتع بكل الخدمات ويتوفر فيها جميع مستلزمات الرفاهية والراحة.
الطبقة الأخرى الفقيرة، تعيش في العشوائيات ومساكن الطبقة المتوسطة المتآكلة، وتعاني من انتشار القمامة وانعدام البنية التحتية من شبكات الصرف الصحي والكهرباء في الكثير من القرى والنجوع والمناطق والمدن النائية وترهلها في مناطق أخرى، مما يتسبب في انتشار الأمراض والأوبئة وارتفاع نسبة الوفيات.
الطبقة الثرية تعيش في أمن وأمان كاملين، وتحصل على حماية أمنية كاملة من قبل قوات الأمن والمدربة جيداً، وهم وأسرهم وأولادهم فوق القانون ويتمتعون بحصانة كاملة، ويرون أنفسهم أنهم فوق القانون.
الطبقة الأخرى تعيش دون حماية أمنية منظمة، تعيش في أجواء تنتشر فيها الجريمة والمخدرات والبلطجة المنظمة، طبقة تعاني من حوادث السطو والسرقة، وحياتهم مرتع سهل للبلطجة والبلطجية، معرضون أحياناً للمعاملة الأمنية التعسفية، طبقة تهدر كرامتها في الداخل والخارج.
الطبقة الثرية تتمتع بثروات البلاد وتستحوذ على معظم الدخل القومي وتستولي على أملاك الدولة وتهيمن على القرار السياسي في البلاد. والطبقة الفقيرة فاقدة لحقوقها في بلادها، غارقة في البؤس والفقر، تعاني من الحرمان من كافة الخدمات، الصحية والتعليمية، فاقدة لحياة كريمة.
الطبقة فاحشة الثراء تستحوذ على معظم المناصب المهمة والهامة والسيادية في الدولة، يتمتعون بحماية أمنية كاملة. وأبناء الطبقة الفقيرة يلاقون الموت وهم أحياء في صورة إهدار للكرامة، أو في قوارب الموت وهم في طريق الهروب للخارج بعد أن حرموا من أبسط حقوقهم في بلادهم، أو الموت في المعتقلات، أو بالتصفيات خارج إطار القانون وبعيداً عن أروقة المحاكم، أو يقتل أبناؤهم الجنود في القوات المسلحة المصرية غدراً في سيناء، وفي حوادث متكررة وبصورة مؤلمة ومريبة وتحت مسمى الإرهاب.
فدماء فقراء الشعب المصري أصبحت مباحة وتراق في كل مكان، وكرامتهم أصبحت مهانة. حتى الدولة وأمنها القومي والمائي التي حافظ عليها آباؤنا وأجدادنا من قبل ومنذ آلاف السنين، أصبحت مفتوحة ومعروضة للتنازل أو البيع أو بحق الانتفاع، للقابعين في الخارج والطامعين في بلادنا.
وعليه: إننا نخشى أن قد يأتي علينا يوم يتحول المصريون فيه إلى عمال سخرة بعد فقدانهم لوطنهم بالكامل، إذا استمر الوضع يسير على هذا المنوال، ويستمر الدفع به في هذا الطريق المظلم لندخل في المنحنى الخطير والذي قد نفقد فيه كل شيء.
إنه ناقوس خطر يهدد الجميع.. فهل نحن على درجة من الوعي والمسؤولية وندرك مدى المخاطر المهولة التي تحيط بنا وتهدد وجودنا وتقضي على آخر أمل في استرداد حقوقنا وضمان مستقبلنا ومستقبل أولادنا وأحفادنا، وقد ينهي الدولة التي تؤوينا وإلى الأبد، إذا لم ننهض من ثباتنا ومن غفلتنا ونحاول استدراك الأمر، لننقذ ما يمكن إنقاذه قبل أن نفقد ما تبقى لنا. ألا وهو الوطن!
الحرية، الكرامة، السلام، الحقوق، العدالة، حق الشعوب في الحياة، الديمقراطية، الإنسانية، الاحترام المتبادل، إيقاف القتل وإراقة الدماء.
ثوابت، علينا أن نعمل عليها ونطالب بها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.