منذ احتلال العراق عام 2003، بدأت إيران مرحلة جديدة من مراحل حربها الدائمة على العراق، دأبت من خلال فصولها إلى استخدام كل الأدوات الممكنة، وحتى غير الممكنة، من أجل السيطرة على العراق وتحويله إلى أرض قاحلة، تسكنها قبائل جائعة، تتقاتل فيما بينها من أجل السلطة والمكاسب، وتعمل على استنزاف خيراته من خلال إفقاره من الناحية الصناعية والزراعية، وبذلك تصدر له منتجاتها بأضعاف الأسعار العالمية رغم رداءتها.
ساعدت الحكومات العراقية، المتعاقبة على حكم العراق إيران، على تنفيذ هذا المخطط، وتمكنت من وضع أشخاص في مواقع السلطة في العراق لم يكن همهم سوى تنفيذ ما يطلب منهم، وغير قادرين على عدم تنفيذ المطالب الإيرانية، ومن يرفض إما يقتل أو يستبدل.
إغراق السوق العراقية بالمنتجات الزراعية، وبأسعار أقل من أسعار الفلاح العراقي، أفقر فئة الفلاحين، وأصبحت الزراعة غير ذات جدوى، وتحول أغلبهم إلى مهن أخرى تاركًا أرضه، وبعضهم أتلف أطناناً من المحاصيل الزراعية استنكاراً لتصرفات الحكومة وعدم منع الاستيراد، للسماح للفلاح العراقي ببيع محاصيله، كذلك عملت على تجريف البساتين في المناطق الزراعية، بحجة البحث عن مطلوبين، أو عقوبة لأصحابها بحجة مشاركتهم في أعمال إرهابية، وصادرت الحكومة الكثير من الأراضي الزراعية بحجة المشاريع الوهمية التي لم تنجز سوى على الورق.
وعلى مدى 19 عامًا، أصبحت بلاد الرافدين خالية من الزراعة بشكل كامل، ما عدا المشاريع التي تديرها المؤسسات الدينية التابعة لإيران في بعض محافظات الجنوب، وأصبح الفلاح يزرع ليأكل هو وعائلته لا أكثر.
إيران قطعت الكثير من روافد نهر دجلة، التي تنبع من أراضيها وتتجه للحدود العراقية، من خلال بناء السدود، وتحويل مجرى تلك الروافد إلى أراض داخل إيران؛ حيث قطعت مياه نهر الوند الذي يمر عبر منطقة خانقين إلى داخل الحدود العراقية في محافظة ديالى، وكذلك نهر الزاب الصغير الذي يمر من إيران إلى داخل مدينة السليمانية؛ ما تسبب في شحة غير مسبوقة في المياه لتلك المحافظة وصلت حد انقطاع مياه الشرب، كذلك قامت بالعمل نفسه في أنهار سيروان، والكارون، والكرخة، وغيرها من الأنهار التي تعتبر من الروافد الأساسية لنهر دجلة، كذلك تسببت في جفاف كامل لبحيرات حمرين وساوة، والتي تحولت إلى صحراء جرداء بعد أن كانت مصدراً مهماً للثروة السمكية ومياه الشرب في العراق.
تركيا من جانبها أيضاً عملت على بناء العديد من السدود على نهري دجلة والفرات؛ ما تسبب في انخفاض منسوب المياه خلال الأعوام التي تلت احتلال العراق، ولم تتمكن الحكومة من التفاوض مع الجانب التركي بما يضمن مصالح البلد وحقه في المياه حسب المواثيق الدولية.
إن استخدام إيران لحرب المياه ضد العراق دون وجود حكومة قادرة على إيجاد الحلول والتصدي لتلك الحرب؛ لا يقل عن الحرب العسكرية، بل يمكن القول: إنها أخطر منها؛ لأنها تقتل الإنسان، والحيوان، والنبات، وأصبحت سلاح تدمير شامل لكل نواحي الحياة في العراق، والخاسر الوحيد في هذه الحرب هو الشعب العراقي الذي لا حول ولا قوة له.
ولن يتم تغيير الحكومة المتنازلة بسبب سيطرة إيران على كامل العملية السياسية في العراق من خلال ميليشياتها المسلحة، ولا حتى من خلال الاستنكار والمظاهرات، فتلك في الغالب تقابل بقمع دموي وصل إلى حد استخدام القناصة ضد المتظاهرين السلميين، كما حصل ضد المتظاهرين في احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، وسط غياب دولي غير مبرر لما يجري للشعب العراقي من إبادة جماعية.
وما زال غياب الحكومات الحقيقية القادرة على انتزاع حقوق شعبها من الدول التي تعمل على قتله؛ ما زال يجعل العراق دولة تعاني من التصحر، وتتعرض لعواصف ترابية شبه يومية تزيد من معاناة الشعب، وحولت حياته إلى جحيم حقيقي لا يطاق، والتصحر والعطش ما هو إلا واحدة من المشكلات الكثيرة التي أصبحت الحكومات العراقية المتعاقبة سبباً فيها دون أية فرصة ممكنة لوضع الحلول لهذه الأزمات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.