لم يحمِها كونها إنسانة ولا صفتها صحفية.. لماذا اغتيال شيرين أبو عاقلة جريمة حرب؟

عدد القراءات
14,045
عربي بوست
تم النشر: 2022/05/11 الساعة 13:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/11 الساعة 13:27 بتوقيت غرينتش
الصحفية الفلسطينية الراحلة شيرين أبو عاقلة/مواقع التواصل

خلعت اليوم الصحفية شيرين أبو عاقلة ثوب الصحافة بعد عشرات السنوات من العمل الدؤوب لترتدي ثوب الشهادة، وقد كانت شيرين تغطي اجتياح قوات الاحتلال لمخيم جنين وحي الجابريات، حين أطلقوا النار بشكل مباشر على الصحفيين والمدنيين، فأصيبت بطلقة في رأسها وأصيب زميلها بطلقة في ظهره، دون أن تسرق حياته هو الآخر.

وفي الساعة السابعة والنصف تقريباً أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية استشهاد شيرين أبو عاقلة، الصحفية المولودة بالقدس والتي درست الصحافة المكتوبة في الأردن بعد تركها الهندسة المعمارية، حتى التحقت بقناة الجزيرة، بعد أن عملت لعدة مؤسسات منها الأمم المتحدة.

نعيش في بلد نستيقظ كل يوم به على اسم شهيد جديد، بيوت مهدمة كما حصل بالأمس واليوم الذي سبقه في القدس وقرية بيت دجن، وحملات اعتقالات، ولا تزال أخبار الاعتداء على الصحافة واستهدافهم تحرك فينا شعور الدهشة والاستنكار، وذلك لعلمنا أن أصحاب هذه المهنة محميون أولاً بملابسهم الزرقاء وسُترتاهم التي تقول كلمة PRESS التي تتوسطها بالحرف: لا تطلق النار، لديّ حماية خاصة. وطبقة الحماية الثانية تعد التقنية المستخدمة للنشر، أي الكاميرا، فنحن نعرف ذلك ضمنياً وإن كانت الأحداث الأخيرة تثبت العكس، أن الاحتلال لا يود أن توثق جرائمه.

لكن مع وجود الهواتف المحمولة في أيدي الجميع وسهولة توثيق كل الاعتداءات انطلاقاً من تعدي الاحتلال على المتظاهرين في المظاهرات في أراضي الـ48 إلى لحظات الاعتقال لشباب وشابات من داخل الحرم الجامعي لجامعة بيرزيت وغيرها، وصور وفيديوهات حرب غزة التي لا نزال تحت تأثير مشاهد بكاء الأطفال فيها، الذين ودعوا عائلاتهم السنة الماضية، أصبحت مشاهد إدانة الاحتلال لشعوب العالم جميعاً ومؤسساته الحقوقية كثيرة جداً، ولكن ردة الفعل في المقابل خجولة، وهو ما يدفع الاحتلال للشجاعة التي نراها اليوم في تحقيق ظلمه أمام الكاميرات، بل وقتل حامليها أيضاً.

أما عن الطبقة الثالثة التي تحمي الصحفيين، والتي تعد الأسمى والأكثر سماكة وتماسكاً، رغم أنها لم تستطع حماية شيرين أبو عاقلة اليوم ولا ياسر مرتجى منذ بضع سنوات، فهي قوانين حقوق الإنسان، حيث يندرج حق الحماية للصحفيين خلال الحروب في ذات موضع حماية المدنيين والذي يعد التعدي عليه جريمة حرب تتسبب لمرتكبه بالمحاكمة من قِبَل المحكمة الجنائية الدولية.

فهل سنشهد إدانة من منظمات حقوق الإنسان أو المحاكم التابعة لها لجريمة اليوم بحق شيرين أبو عاقلة وعائلتها باعتبارها مدنية، وصحفية، وهما الصنفان الخاصان جداً المتوجب حمايتهما: مدنية وصحفية؟ أشكّ في ذلك، خاصة أن الشهرين الفائتين كانا بمثابة إثبات أن تعريف "المدني" يختلف بين بقاع الأرض، وأن من تطبق عليهم الحقوق كالشعب الأوروبي الأبيض مختلفون عمن يطالبون بها يومياً كشعوب العالم الثالث أمثالنا.

فبعد اغتيال غادة سباتين، الأم لستة أطفال والتي كانت تعاني قصوراً في النظر، واستشهاد فتاتين إحداهما في الخليل وأخرى في بيت لحم في اليوم نفسه (10-04-2022) لم نشهد أي تحرك أو حتى بيان إدانة من المؤسسات الحقوقية العالمية والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة، ما يبرهن بالجزم أن ما نشهده دليل على استحقار الإنسان الفلسطيني والمرأة الفلسطينية واستباحة دمائه أياً كانت وظيفتها.

حين تذوب جميع ظروف الحماية وتنقطع الحبال من الضحية المثبتة بأحبال واهية ويقترب الشارع من الانفجار كما حدث اليوم؛ حيث استمرت الاشتباكات بين جنود الاحتلال وشباب من جنين لساعات، ثم اتسعت حتى تصل إلى منطقة البيرة؛ حيث استشهد الشاب ثائر خليل الذي يبلغ من العمر ست عشرة سنة فقط، ويظهر وزير خارجية الاحتلال ويعبر عن حزنه لاستشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة، ولا يكتفي بذلك فحسب، بل يطالب بتحقيق مشترك. فهو يدرك أن بتجاوزه الخطوط الحمر جميعها سيسأل، وإن كانت مساءلة غير مرضية لنا.

كيف عرفنا شيرين؟ في بلد تدرج به الصحافة والإعلام من الاختصاصات الأكثر انتشاراً وتسجيلاً، وفي حين أنه من المتاح لك أن تتحول إلى صحفي عبر نشر أحداث اعتقال جارك أو استشهاد صديقك، لتحرك الرأي العالم الفلسطيني والعربي وحتى العالمي كما يحدث حين الاعتداءات على غزة، أو كما رأينا الحراك الإعلامي السنة الماضية في أحداث حي الشيخ جراح، يصعب علينا من وراء الشاشات أن نحفظ كل هذه الأسماء.

لكن لشيرين وجه مألوف جداً وصوت أكثر ألفة من غيره، كان حاضراً في كل أزقة فلسطين التاريخية، من البحر إلى النهر، رغم ضعفه في الأراضي المحتلة بسبب سياسات الاحتلال التفريقية.

إلا أن الوجه الذي شارك معنا لحظات الانتفاضة الثانية، وخاصة من جنين يودعنا اليوم أيضاً من جنين، تاركاً تاريخاً قد يحول صاحبته لأيقونة للصحافة الفلسطينية باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من هذا الشعب، ولا يزال الصحفي الفلسطيني إنساناً فلسطينياً مثل غيره، لا تحميه الصحافة مثقال ذرة، معرضاً للموت بالدرجة ذاتها التي تتعرض لها فتاة تذهب للمدرسة في الخليل أو رجل يجلس ببيته في غزة.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ميرا كريّم
كاتبة وباحثة فلسطينية، مهتمة بقضايا الأسرى واللاجئين الفلسطينيين
كاتبة وباحثة فلسطينية، مهتمة بقضايا الأسرى واللاجئين الفلسطينيين
تحميل المزيد