اغتيال شيرين أبو عاقلة.. محاولة إسرائيلية فاشلة لمحو الذاكرة الفلسطينية

عدد القراءات
9,935
عربي بوست
تم النشر: 2022/05/11 الساعة 10:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/11 الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش

"لا تحاربوهم فحسب لا تقتلوهم فحسب، يجب أن ندمر كل حجر يحمل أسماءهم، يجب أن نفتت كل جدار معبد حمل ذكراهم، اقتلوا كل رضيع يحمل أسماءهم، أحرقوا مدينتهم حتى تصبح رماداً ثم انثروها في السهوب وعلى أمواج البحر، كل من يردد أسماءهم يجب أن يقطع لسانه وتُسمل عيناه كل من يروي قصتهم يجب أن يندثر علموهم أن من يقاوم روما يُمحى من التاريخ إلى الأبد".

من خطاب السياسي الروماني "سينكا" في التحريض على قمع تمرد قرطاجة.

على مر التاريخ لم يكن الطغاة يخافون الجنود المقاتلين بقدر ما يخافون "ذاكرة التمرد"، بقدر ما يخافون من تراكم الذاكرة وتراكم القصص وتراكم البطولة التي تصنع صروحاً عملاقة معمدة بالدم والفداء، تطوف بها الأجيال الجديدة لتعلم لماذا تتمرد ولتتعلم حمل القصة.

إن ذاكرة الشعوب الجمعية مثل ذاكرة الأفراد تماماً، فذاكرتنا كأفراد هي التي تحدد من نكون، من نحب، ومن نكره، لماذا نشتاق، وماذا نغضب، وهكذا هي ذاكرة الشعوب المقهورة يتناقلها أبناؤها جيلاً بعد جيل، لذا يخاف الطغيان من قصص التمرد، ويخاف الطغاة من قصص الرجال والبطولة، ويخاف الطغيان من كل ذاكرة تحمل أشباح قتلاهم لتحوم هذه الاشباح للأبد فوق رؤوس الأجيال الجديدة تنادي بثأرها الذي لا ينام، تطلب الدم من رقاب قاتليها حتى وعد الآخرة.

لذا فإن كل احتلال وكل طاغية وكل جبار عنيد أياً كان لونه تشاركوا جميعاً في الحقد على الصورة والحقد الأبدي والثأر الجاهلي مع حامل الكاميرا وكاتب الكلمة، فقد دأب الطغيان على المحاولة المحمومة لمحو ذاكرة التمرد كيفما كانت وأينما كانت، حرق الكتب وطمس القصص وبتر الألسن.

قتل الصحفيين ليس قتل شهود ولا تخلصاً من جريمة حدثت، لا إنما الموضوع أعمق من ذلك وأكبر.

إن قتل الصحفيين هو محاولة بائسة لمحو ذاكرة التمرد حتى لا تنتقل عدوى الثورة للأجيال القادمة، حتى لا يتعلم الأطفال إذ غدو كباراً فقه التمرد ولاهوت التحرر.

قتل الصحفيين يراه الطغاة حماية وضمان مستقبل، لكن الحقيقة أن قتل الصحفيين هو ذاته قتل فرعون للرضع خوفاً على عرشه.

لقد تجاوز الطغيان مرحلة قتل الشاهد إلى مرحلة قتل المؤرخ على هذا الحدث حتى لا تستمر جذوة الثورة لتمحى الذاكرة إلى الأبد.

لكن التاريخ ذكر كل المقهورين ومن أُعدموا على مشانق الطغاة جميعا فرداً فرداً. كل بقصته واسمه ولقبه وتمرده، ذكرهم جميعاً وعاشوا في ذاكرتنا وألهمونا وأشعلوا فينا النار المباركة التي بورك من فيها ومن حولها ومن حملها ومن نقلها.

الطغاة لا يخافون فقط الأحياء المقاتلين إنما أيضاً ترعبهم وجوه الميتين وذكرى الذاهبين وترعبهم كذلك أقلام الكاتبين وصور المصورين وكل المتذكرين.

ستعيش شيرين أبو عاقلة عمراً أطوال من قاتليها، وسيستلم بطل آخر راية إيصال الحقيقة وكشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي التي لا تتوقف، وستظل الصحافة شوكة في حلق الاحتلال رغم كل جهودهم لاقتلاعها، وصداعاً يضرب رؤوسهم كما وجهوا الرصاص لرأس أبو عاقلة..

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عزام أبو العدس
متخصص في الأدب العبري
مدرس ومحاضر لغة عبرية تخصص أدب عبري وأعمل مدرس لغة عبرية في دائرة التعليم المستمر في جامعة القدس المفتوحة - فرع نابلس، باحث ومتخصص في الشأن الإسرائيلي.
تحميل المزيد