بدأت بالمندوب الأممي ثم تصفية قادة المقاومة.. سياسة الاغتيالات الإسرائيلية تعود إلى الواجهة من جديد

عربي بوست
تم النشر: 2022/05/10 الساعة 10:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/11 الساعة 07:48 بتوقيت غرينتش
الشيخ الشهيد أحمد ياسين

بعد دعوة نواب ومسؤولين سابقين وصحفيين إسرائيليين إلى اغتيال قائد "حماس" في قطاع غزة قبل أيام، برزت إلى الواجهة سياسة الاغتيال الإسرائيلية، كنهج ثابت في إطار الصراع المفتوح مع الشعب الفلسطيني.

يمكن الجزم بأنه رغم التناقضات الثانوية بين الأحزاب الإسرائيلية حول زمن وتوقيت الاغتيال، لأسباب تتعلق بتحولات المشهد السياسي وانهيار الجدار الأمني الإسرائيلي من خلال العمليات الفدائية المتكررة، فإن إسرائيل ستحدد اللحظة الحاسمة للقيام بعملية الاغتيال لأي رمز أو ناشط فلسطيني داخل فلسطين أو خارجها، بغض النظر عن انتمائه الفصائلي. 

المجازر والاغتيالات

في الوقت الذي تحتفل فيه دولة الاحتلال الإسرائيلي بالذكرى الرابعة والسبعين لإنشائها؛ تثبت السياسات الإسرائيلية اليومية أن الاغتيال أصبح فكراً ومنهجاً منظماً لدى قادتها وحكوماتها المتعاقبة.

بعد عام 1948 أصبحت الاغتيالات سياسة راسخة عند قادة إسرائيل السياسيين، لا سيما أنهم شاركوا بأنفسهم في العديد من الاغتيالات، وعلى رأس هؤلاء بعض الشخصيات التي تبوأت منصب رئيس وزراء إسرائيل من قبيل إسحاق شامير، وإسحاق رابين، وأرييل شارون، وشمعون بيريز، ومناحيم بيغن، حيث انضووا تحت لواء العصابات الصهيونية، "الهاغانا" و"الشتيرن" و"الأرغون" وغيرها من العصابات الصهيونية.

تلك العصابات ارتكبت أبشع المجازر بحق الشعب الفلسطيني كمقدمة لتهجيرهم. وقد كان من أهم أعمال العصابات الصهيونية قبل عام 1948 التفجيرات في الأسواق العربية، في حيفا ويافا والقدس، وتوّجت أعمالهم في اغتيال الوسيط الدولي الكونت برنادوت في القدس، 17 سبتمبر/أيلول 1948؛ بسبب صياغته تقريراً للأمين العام للأمم المتحدة يدين إسرائيل، ويُحمّلها تبعات النكبة الكبرى في عام 1948.

ولم تتوقف سياسة الاغتيالات الإسرائيلية، حيث حفل تاريخ إسرائيل منذ نشأتها، في مايو/أيار 1948، بملاحقة بعض الشخصيات العربية والفلسطينية التي تعتبرها مناهضة لتلك السياسة واغتيالها، حتى في بعض دول أوروبا وأمريكا، وليس في العواصم العربية مثل تونس وبيروت فحسب، وأصبحت الاغتيالات نهجاً إسرائيليا ثابتاً، أو ورقة ضغط وتهديد تبنّتها ولوّحت بها كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948، وصولاً إلى حكومة "نفتالي بينيت" الحالية.

يعتقد أن سياسة الاغتيال الإسرائيلية باتت مقننة، وتشرف عليها المؤسسة التنفيذية، لتطال رموز الكفاح الوطني الفلسطيني، بغض النظر عن الخلفية السياسية لهذا الرمز أو ذاك. وفي هذا السياق أكدت تانيا راينهارت، أستاذة اللسانيات في جامعة تل أبيب، في كتابها المترجم في دار الفكر في دمشق قبل عقدين من الزمن، أن سياسة الاغتيال السياسي ليست جديدة في إسرائيل، لقد استخدمتها داخل الأراضي المحتلة وخارجها منذ زمن طويل، بما في ذلك أثناء السنوات التي تلت اتفاقات أوسلو الموقعة في عام 1993.

أنماط الاغتيال الإسرائيلي 

يعتبر النمط الإسرائيلي من الاغتيالات منذ انتفاضة الأقصى في نهاية عام 2000 سياسة غير مسبوقة، حيث بلغ ذروته باغتيال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وأبو علي مصطفى، أمين عام "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" السابق، ورموز آخرين من الفصائل والقوى الفلسطينية.

وقد أشار المحلل السياسي الإسرائيلي عوزي بنزيمان، أكثر من مرة، إلى أن عمليات الاغتيال التي تمّ اتخاذها من أعلى الهرم السياسي تخلق ظروفاً تُحفّز إسرائيل على استئناف عملياتها العسكرية، وتسرع دائرة العنف بعد مرور فترة وجيزة من الهدوء مع الفلسطينيين. 

اللافت أن أخطر قرار في مباركة وتقنين عمليات الاغتيال الإسرائيلية قد صدر عن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر، في 3 يوليو/تموز من عام 2001، حيث أشار إلى مواصلة سياسة الاغتيالات والتصفيات ضد الناشطين الفلسطينيين، وذهب المجلس المذكور إلى أبعد من ذلك، حيث أكد في الأول من أغسطس/آب 2001، أنه قرّر اتّباع السياسة المذكورة، وأنه ليس هناك أحد من الفلسطينيين محصن أمام الاغتيال.

في الاتجاه نفسه، كان أفرايم سينيه -نائب وزير الحرب الأسبق- أعلن أكثر من مرة أن جيش الاحتلال سيواصل ضرب الفلسطينيين، وأن الاغتيالات والتصفية الجسدية للفلسطينيين تعتبر وسيلة فعالة وأكثر دقة من غيرها، في حين زعم الرئيس الإسرائيلي السابق موشيه كتساف، في أكثر من مناسبة، أن اغتيال إسرائيل لكوادر فلسطينية يندرج في إطار الدفاع عن النفس. 

العدالة الدولية

يلحظ المراقب للقضية الفلسطينية منذ عام 1948 أن إسرائيل أدارت ظهرها لكل قرارات الشرعية الدولية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حين اغتالت الشرعية الدولية نفسها عند اغتيال الوسيط الدولي في فلسطين الكونت برنادوت، في القدس، في أيلول/سبتمبر من عام 1948، أي بعد إنشاء إسرائيل بأربعة أشهر فقط. وتعتبر عملية اغتياله اغتيالاً للحقيقة، حيث سعى إلى إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة، فيها توصيف دقيق للممارسات الصهيونية، وعمليات الطرد التي طالت آلاف العرب من قراهم ومدنهم في أنحاء فلسطين.

ولم تتوقف عمليات الاغتيال الإسرائيلية منذ عام 1948، بيد أنها كانت تظهر للعالم كضرورة وسياسة إسرائيلية في أوقات محددة مسبقاً. ولهذا تعتبر عمليات الاغتيال الإسرائيلية دالةً على الإرهاب المنظم من قِبل الحركة الصهيونية وإسرائيل.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نبيل السهلي
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
تحميل المزيد