ما هي إلا أيام قليلة حتى تبدأ عملية الانتخابات البرلمانية اللبنانية في الداخل اللبناني، وذلك لأن العملية الانتخابية بدأت في الخارج في السفارات اللبنانية. تعد هذه الانتخابات من المحددات المهمة لمستقبل لبنان وعلاقاته الإقليمية والدولية، وذلك لأن العديد من الدول تعمل خلف الكواليس لإنجاح القوائم الانتخابية التي تدعمها لتحقيق مصالحها.
إن الانسحاب غير المفاجئ لسعد الحريري جعل العديد منا يتكهن حول وجهة أصوات الطائفة السنية، والسؤال الأهم من هذا وذاك هو ما الذي أوصل الحريري إلى هذه النقطة من مقاطعة الانتخابات؟
بالطبع توصلنا إلى نتيجة واضحة للعيان، مفادها أن ما أوصل سعد الحريري إلى هذه النقطة هو تدخلات السعودية اللامتناهية في العمل السياسي، وتغيُّر المصالح السعودية في لبنان وتحالفاتها، التي استدارت بشكل ملحوظ ومباشر نحو حزب القوات اللبناني وقائده الدكتور سمير جعجع.
لا يختلف اثنان حول الحجج السابقة التي أوردناها، فهي واضحة للعيان، كما لا يختلف اثنان على أن الطائفة السُّنية انقسمت بعد سعد الحريري إلى قسمين: قسم يلتزم بما أوصى به الحريري بمقاطعة الانتخابات، وقسم آخر حسم أمره بالتصويت لممثلي التيار الوطني الحر وحزب الله وبعض المستقلين، وذلك لأن الطائفة السنية بأغلب مكوناتها تنظر إلى السعودية بصفتها عاملاً أساسياً في الأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة التي وصلت إليها الطائفة، وبالتالي فلا بد من البحث عن بدائل وطنية ووفاق وطني يحمي هذا البلد من التدخل الخارجي، وكسر الحصار الاقتصادي الذي تعرض له لبنان خلال السنوات الثلاث الماضية.
السعودية وسعد الحريري
نشرت صحيفة "عكاظ" السعودية قبل أيام مقالاً يعكس السياسات والتوجهات السعودية في لبنان قبيل الانتخابات. من مقدمة المقال إلى خاتمته تم الهجوم على سعد الحريري بشكل غير مسبوق واستخدم في هذا المقال العديد من الألفاظ التي لا يليق لأي صحفي أو كاتب أو محلل سياسي أن يستخدمها.
يقول الكاتب إن سعد الحريري التحى كما الإيرانيين (وكأن الالتحاء أصبح صفة مختصة بالإيرانيين)، وقد نسي هذا الكاتب تاريخ وحاضر المملكة في الالتحاء والويلات التي جرتها للمنطقة. واتهم الكاتب سعد الحريري باتباع "التشيع السياسي".
لم يكتفِ الكاتب بذلك، بل اتهم الحريري بالفساد والفشل اقتصادياً وسياسياً والانبطاح لحزب الله والتيار الوطني الحر وإيران.
ما يثير غضب السعودية هو أن الحريري (على الرغم من الأخطاء التي ارتكبها) لم يفضل المواجهة العسكرية والحرب الأهلية لحل الخلافات مع الخصوم السياسيين في لبنان، وإنما اختار المواجهة السياسية واختار في بعض الأوقات الوصول إلى تسويات سياسية، وهذا بالضبط ما دفع الكاتب السعودي للقول إنَّ سعد الحريري فاشل في المفاوضات السياسية.
لقد وجد السعوديون ضالتهم فيمن يستعد كل يوم لخوض حرب أهلية ولا يأبه لكمّ الدماء التي من الممكن أن تسيل في شوارع لبنان الحبيب. لقد وجدوا ضالتهم في حزب القوات اللبنانية، الذي هاجم متظاهرين سلميين وقتل سبعة منهم بدم بارد في أحداث الطيونة، ومن ثم لم يمتثل للقضاء اللبناني.
يذكر الكاتب السعودي صراحة أسماء مثل فؤاد السنيورة وأحمد فتفت ومروان حمادة، بوصفهم صقوراً سياسيين في تيار المستقبل، تخلى عنهم سعد الحريري. والحقيقة هي أن ذكر هذه الأسماء بشكل شخصي جاء لدور هذه الأسماء في خرق صفوف الطائفة السنية، ودفعها للتصويت لحزب القوات اللبنانية (سيفشلون بالطبع).
أخيراً يتهم الكاتب سعد الحريري بأنه لا يعرف الخصوم من الأصدقاء، ويورد بعض الأسماء مثل سمير جعجع وفارس سعيد وأشرف ريفي وسامي جميل. ومرة أخرى ما يجمع هؤلاء جميعاً هو عداؤهم الخاص لمحور المقاومة والتيار الوطني الحر.
للوصول إلى نتائج منطقية علينا العودة إلى التسلسل الزمني منذ أزمة الوزير القرداحي إلى اليوم، لقد جاءت تلك الأزمة لزيادة الحصار على لبنان، ودفع بعض الدول العربية إلى سحب سفرائها من لبنان، وبعد الفشل الذريع لهذه الخطة ومع اقتراب الانتخابات النيابية اللبنانية قررت السعودية إعادة سفيرها إلى لبنان، لقيادة الجهود الانتخابية وعرقلة مشروع سعد الحريري بمقاطعة الانتخابات من قبل الطائفة السنية.
لقد وصل السعوديون وحلفاؤهم في لبنان إلى نتيجة مفادها أن للشعب اللبناني ذاكرة تاريخية جيدة نوعاً ما، وهم يعلمون جيداً مَن أسهم في حصارهم وتضييق الخناق في معيشتهم ودوائهم ومحروقاتهم، ومن أسهم بشكل مباشر في الاغتيال السياسي لقادتهم (كسعد الحريري). كما فهم هؤلاء المشهد بشكل واضح من أن الأصوات السنية ستذهب في مجملها إلى الأطراف الداخلية التي تسعى لإنقاذ لبنان وحمايته من التبعية. وعليه فقد جاء المقال في صحيفة "عكاظ" تدخلاً سافراً في الانتخابات اللبنانية، ومحاولة بائسة لحث سعد الحريري على التراجع عن موقفه، ودعم الحلفاء الجدد للسعودية. وبشكل عام يعبر هذا المقال عن مدى الفشل السعودي الفاضح في لبنان، والخسارة المحتملة لها هناك.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.