بالموازاة مع التألق اللافت لكريم بنزيما في الموسم المثير لنادي ريال مدريد الإسباني، ظهر اسم آخر عند الحديث، في الأيام الأخيرة، عن مسلسل "ريمونتادا" للنادي الملكي، ونعني به اللاعب الدولي البرازيلي الشاب رودريغو، الذي كان "الورقة الرابحة" لمدرب الفريق، كارلو أنشيلوتي، بتسجيله عدة أهداف حاسمة، صنع بها الحدث في الوسط الرياضي العالمي.
ولد رودريغو سيلفا دو جوش، يوم 9 يناير/كانون الثاني 2011 بمدينة "أوساسكو" التابعة لولاية ساو باولو البرازيلية، ونشأ ضمن عائلة رياضية، بحيث كان والده "إيرك"، المولود في عام 1984، لاعباً محترفاً، ونشط في مركز الظهير الأيمن ضمن العديد من الأندية البرازيلية، قبل أن يعتزل في سنة 2016.
ويؤكد والد رودريغو أنه لم يكن له أي تأثير على نجله في اختيار الأخير لممارسة رياضة كرة القدم وتميزه فيها؛ بحيث سبق له التصريح لصحيفة رياضية برازيلية أنّ النجم الحالي لريال مدريد كان موهوباً منذ صغره، ويفضل اللعب مهاجماً، في حين أنه كان (أي الوالد) مدافعاً.
تكوَّن بسانتوس وكان يلقب بـ"نيمارزينهو"
بدأ رودريغو تكوينه الرياضي في الشارع، قبل أن يكتشفه أحد المدربين ويضمه لمدرسة كروية صغيرة في سنة 2006 بمدينة "تشيارا"، ثم كان قريباً من الانضمام لنادي ساوباولو، قبل أن يخطفه الغريم "سانتوس" ويضمه لمدرسته في أواخر عام 2010.
وسرعان ما برز رودريغو بصفته أحد أهم اللاعبين الواعدين بالبرازيل الذين يرشحهم الاختصاصيون لإنجاز مشوار احترافي كبير، من خلال مراوغاته الجميلة، وحسّه التهديفي المميز، بحيث كان في سنة 2012، هدافاً للدوري المحلي لفئة أقل من 11 عاماً برصيد 20 هدفاً.
وتزامنت السنوات الأولى لرودريغو مع سانتوس مع التألق الكبير للنجم البرازيلي نيمار في صفوف النادي نفسه، قبل رحيله في صيف 2013 نحو نادي برشلونة الإسباني؛ ما جعل زملاءه في الفريق يلقبون الطفل بـ"نيمارزينهو".
ومن خلال بحث سريع عثرت على تقرير قديم عن رودريغو بصحيفة "غلوبو" البرازيلية الشهيرة، نشر يوم 27 فبراير/شباط 2013، أي حينما كان الطفل الصغير يبلغ من العمر 12 عاماً فقط، أكد من خلاله أنّ نيمار هو مثله الأعلى، وأنّ الأخير يعرفه بحيث سبق له التحدث إليه على هامش إحدى الحصص التدريبية للفريق الأول لسانتوس.
والده رفض انتقاله إلى برشلونة في 2013
وفي التقرير القديم نفسه، كشف والد رودريغو، أنّه تلقى عرضاً بشأن ابنه من نادي برشلونة الإسباني، ولكن، وبعد التشاور مع الأصدقاء والمقربين، نُصِح بأنه من الأفضل للاعب أن يبقى في بلده في مثل هذه السن الصغيرة.
وبالفعل واصل رودريغو تكوينه وتطوره التدريجي ضمن الفرق السنية لنادي سانتوس، قبل أن يوقع على عقده الاحترافي الأول يوم 21 يوليو/تموز 2017، لمدة 5 أعوام، ليشارك بعدها في أول مباراة رسمية مع الفريق الأول يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أمام أتلتيكو مينيرو، في إطار الدوري البرازيلي، ثم خاض أول مباراة في "كوبا ليبارتادوريس" يوم 1 مارس/آذار 2018 حينما دخل بديلاً في الدقيقة الـ82 من مواجهة نادي "كوسكو" البيروفي؛ ليصبح بذلك أصغر لاعب في تاريخ نادي سانتوس يشارك في هذه المسابقة الأمريكية الجنوبية، بعمر 17 سنة و50 يوماً، ثم أصبح أصغر لاعب برازيلي يسجل هدفاً في تاريخ البطولة نفسها، وذلك خلال لقاء نادي ناسيونال الأوروغوياني (3-1) يوم 15 مارس/آذار 2018، حيث كان يبلغ حينها 17 عاماً وشهرين و6 أيام.
انضم لريال مدريد في 2019 مقابل 45 مليون يورو
خاض رودريغو 3 مواسم مع الفريق الأول لسانتوس، سجل خلالها 17 هدفاً، وقدم 8 تمريرات حاسمة في 80 مباراة رسمية في كل المسابقات المحلية والقارية، وقد كان الفتى حينها قد نضج بما فيه الكفاية ليخوض مغامرة احترافية خارج البلد، فكانت الوجهة إلى إسبانيا، وبالضبط إلى ريال مدريد، الذي تعاقد معه يوم 14 يونيو/حزيران 2019، لمدة 6 سنوات، في صفقة بلغت قيمتها 45 مليون يورو، بعد صراع مع عدة أندية أوروبية كبيرة أخرى، على غرار برشلونة وباريس سان جيرمان ومانشستر سيتي.
وكان من المقرر أن يخوض رودريغو موسمه الأول مع ريال مدريد ضمن الفريق الرديف (كاستيا)، لكنه سرعان ما ضمه مدرب الفريق الأول، زين الدين زيدان للفريق الأول، فشارك في أول مباراة له في "الليغا" يوم 25 سبتمبر/أيلول 2019، أمام نادي أوساسونا (2-0)؛ حيث كان اللقاء مناسبة لتسجيل هدفه الأول بقميص الريال، ثم تألق بشكلٍ لافتٍ يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، بتسجيله "هاتريك"، أي ثلاثة أهداف في مرمى نادي غلطة سراي التركي (6-0) برسم دور المجموعات لدوري أبطال أوروبا لكرة القدم.
وإلى غاية كتابة هذه الأسطر، شارك رودريغو في 104 مباريات رسمية مع ريال مدريد، سجل خلالها 19 هدفاً، وقدم 11 تمريرة حاسمة، ولعل أشهر وأهم الأهداف التي وقعها، هي الثنائية التي سجلها في مرمى نادي مانشستر سيتي الإنجليزي (3-1) يوم الأربعاء 4 مايو/أيار 2022، في إياب الدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا، وأسهم بها في تأهل النادي الملكي الى نهائي البطولة القارية.
وقد شارك رودريغو في معظم تلك المباريات بصفته لاعباً احتياطياً، كما أنّ الكثير من الأهداف التي سجلها كانت حاسمة في تحديد النتائج النهائية للقاءات؛ ما يجعل منه حقاً "ورقة احتياطية رابحة".
كان حاسماً في وقت حاسم من الموسم
ويمكن القول: إنّ رودريغو كان حاسماً لفريقه ريال مدريد في وقت حاسم من الموسم الجاري (2021- 2022)؛ ففي مباراة الإياب للدور ربع النهائي لدوري الأبطال، أمام نادي تشيلسي الإنجليزي، يوم 12 أبريل/نيسان الماضي، بملعب "سانتياغو بيرنابيو" بمدريد، دخل اللاعب البرازيلي الشاب بديلاً لمواطنه كاسيميرو في الدقيقة الـ78 من المواجهة، في وقت كان فيه الضيوف متقدمين في النتيجة بثلاثية نظيفة، لينجح بعدها مهاجم الريال في تسجيل هدف إعادة الأمل في الدقيقة الـ80، ليلجأ الفريقان للوقت الاضافي، بحكم أنّ لقاء الذهاب بلندن انتهى لصالح "الميرينغي" بالنتيجة نفسها (3-1)، قبل أن يتكفل كريم بنزيما بتسجيل هدف التأهل للنادي الملكي في الدقيقة الـ96.
وبعد هذا التألق بـ5 أيام فقط، أسهم رودريغو بقسط كبير في "الريمونتادا" المثيرة أمام مضيفه نادي إشبيلية لحساب الجولة الـ32 من الدوري الإسباني؛ إذ وبعدما كان ريال مدريد متأخراً في النتيجة بـ0-2، دخل رودريغو في الشوط الثاني من المباراة بديلاً لزميله الفرنسي كامافينغا، فسجل الهدف الأول لفريقه، ثم قدم تمريرة الهدف الثالث والفوز لبنزيما (3-2) في الوقت بدل الضائع من اللقاء.
وقد قربت تلك النتيجة نادي ريال مدريد كثيراً من حسم لقب "الليغا"، الذي تأكد من نيله يوم 30 أبريل/نيسان عندما سحق نادي إسبانيول برباعية نظيفة برسم الجولة الـ34 من المسابقة، في لقاء شارك فيه رودريغو بصفته لاعباً أساسياً، وسجل الهدفين الأولين، في الدقيقتين الـ33 والـ43.
وعاد رودريغو إذاً ليؤكد أهميته ضمن تشكيلة ريال مدريد، يوم 4 مايو/أيار 2022، عندما دخل بديلاً لزميله الألماني توني كروس في الدقيقة الـ68 من مباراة الإياب للدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا، في وقت كانت فيه النتيجة متعادلة سلبياً (0-0)، قبل أن يفتتح الجزائري رياض محرز باب التسجيل للفريق الضيف مانشستر سيتي، ثم ينفجر المهاجم البرازيلي الشاب في اللحظات الأخيرة من اللقاء، ويسجل هدفين اثنين على التوالي، في الدقيقة 90 و91، ثم يتكفل بنزيما بتسجيل هدف التأهل في الوقت الإضافي.
هذا التألق المميز لرودريغو جعل بعض النقاد والمحللين الرياضيين يتساءلون ما إذا كان يستحق اللاعب الشاب مكانة في التشكيلة الأساسية للريال، وعدم الاكتفاء به ورقةً احتياطية، وهو التساؤل الذي سبق لمدرب الفريق، الإيطالي كارلو أنشيلوتي، أن رد عليه في تصريح لصحيفة "موندو ديبورتيفو" الإسبانية يوم 18 أبريل/نيسان 2022، قال فيه بنوع من الفلسفة: "الأرقام تتحدث عنه، وسيصبح لاعباً كبيراً، لقد صنع الفارق في الكثير من المرات، وعلى أية حال، فهو قادر على صنع الفارق بصفته لاعباً أساسياً مثلما هو قادر على القيام بذلك أيضاً عندما ينهض من كرسي الاحتياط".
وبالموازاة مع ترقب تحوله إلى "لاعب كبير" بحسب معيار المدرب أنشيلوتي؛ فإنّ رودريغو يأمل في كسب مكانة أساسية في منتخب بلده البرازيل، الذي شارك معه إلى حد الآن في 5 مباريات فقط، سجل خلالها هدفاً واحداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.