موضوع أهمني كثيراً وأنا فتاة صغيرة، وسألت عنه جدي الشيخ علي الطنطاوي، فأفتاني بأنه يجوز، ويقع لي الأجر كاملاً، فبقيت لسنوات طويلة أصومهما معاً، وأطمئن وأرتاح أني قمت بفرضي وأديت ديني، وأصبحت بأمان طيلة العام.
ومات جدي رحمه الله، وجاء من يقول إنه لا يجوز!
فأين الصواب؟
وإن هذه القضية "الجمع بين نية قضاء رمضان، وصيام ست من شوال"، تهم النساء جميعاً، خاصة من تستصعب الصيام لمرض أو سفر أو لديها أطفال صغار، فكثر عنها السؤال والاستفسار، وأنا شخصياً سئلت عنها مراراً وتكراراً عشرات المرات، وتُعرف بالتشريك، أي الجمع بين عبادتين بنية واحدة.
وحكم التشريك تابع شرعاً لأمرين، فله حكمان:
1- يكون جائزاً إذا حصل المطلوب من العبادتين؛ قال الفقهاء: لو اغتسل "الجُنُب" يوم الجمعة:
(1) لرفع الجنابة وهو فرض.
و(2) لسنة الغسل وهي مستحبة.
فإن جنابته تزول ويحصل له ثواب غسل الجمعة.
2- لا يجوز: إذا تم الجمع بين عبادتين كل واحدة مقصودة بذاتهما ومفروضة؛ وضرب الفقهاء مثلاً كأن يصلي المسلم أربع ركعات، وينوي أنها:
(1) فرض الظهر.
و(2) سنة الظهر.
فهذا لا يصح، لأن كل عبادة مستقلة عن الأخرى.
وقاس بعضهم صيام المرأة ستاً من شوال عليها فمنعها، ولكن هذا القياس لا يصح بسبب الفارق الجوهري: "فوضع المرأة الحائض خاص"، وبالتالي يجب أن يكون له فتوى متفردة ومختلفة، وإليكِ التفصيلات:
(1) المرأة تتمنى صوم رمضان كاملاً، وتتوق للصلاة والقيام ولكنها تفطر كرهاً، وبناء عليه فإنها تفطر، ويُكتب لها أجر الامتثال والطاعة.
(2) ويكتب لها أجر الصيام كاملاً وكأنها صامت حقاً، فمن تمنى العمل الصالح بصدق وعجز عنه، كُتب له كاملاً: "إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر".
(3) الحيض كالمرض "من كان له عمل يعمله، فشغله عنه مرض أو سفر، فإنه يكتب له صالح ما كان يعمل، وهو صحيح مقيم"، فالأجر وقع للمرأة وكأنها صامت كل رمضان.
(4) قالوا: "لكي يتحقق الأجر، لا بد للمرأة من قضاء دينها ثم التنفل"، وكم يتعذر على النساء فعل الاثنين في شهر شوال (بسبب طول دورتها، أو ظروفها؛ فقد يمنعها زوج أو حمل أو وظيفة…).
(5) هدف المرأة من صيام شوال "أن تكون كمن صام الدهر"، ولكن الفقهاء قالوا: "الذي عليه قضاء من رمضان يقال عنه صام بعض رمضان، ولا يقال صام رمضان"! وهذا يعني أن المرأة لن تتمكن في حياتها من صيام الدهر إلا إذا آيست (وقد تكون وقتها عجوزاً مريضة فيجبرها الطبيب على الفطر!).
فالمرأة لها وضع، فهي تحيض ولا تكمل الصوم، فإذا لم يحتسب لها رمضان كاملاً، فلن يحسب لها صيام الدهر بحال، ولو قضت دينها أولاً ثم صامت الستة أيام.
وبناء على ما سبق أرى جواز تشريك النية خاصة للمرأة، وهاكم المزيد من الأسباب:
أولاً: المرأة أخذت ثواب صيام رمضان كاملاً إن شاء الله، وبقي عليها تعويض أيام فطرها، فإذا اختارت شوال بالذات لفضيلته، ألا يزيد الله لها في الثواب؟!
ثانياً: وإن صيام ست من شوال أمر مستحب، فهو يشبه ما ضربه الفقهاء مثلاً، من جواز إشراك النية في غسل الجمعة للجنب، فيقبل منها.
ثالثاً: وهو الأهم يقبل منها؛ لأن بعض الفقهاء انتصروا لهذا القول وأفتوا بهذا:
يقول الشيخ عطية صقر: "أحسن الكلام في الفتوى والأحكام -لمن عليه القضاء من رمضان- أن يصوم الأيام الستة من شوال بنية القضاء، فتكفي عن القضاء ويحصل له ثواب الستة البيض في الوقت نفسه، فالأعمال بالنيات"، وقوله يسهل الأمر، ويحل معضلات ومصاعب منها "صيام الست من شوال قبل قضاء ما أفطر من رمضان أو بعده".
وقالت الشافعية: "إن ثواب الستة يحصل بصومها قضاء حتى لو لم ينوها، وإن كان الثواب أقل مما لو نواها (بتصرف من "الشرقاوي على التحرير للشيخ زكريا الأنصاري، ج1، ص427)"، وكلامهم عدل ورحمة.
رابعاً: يفتون بالسعودية بأن الجمع بين قضاء صيام رمضان وصيام التطوع في نية واحدة جائز (مستندين لقول بعض المتأخرين من الشافعية).
خامساً: وعلق موقع "إسلام أون لاين" على ما سبق: "وبناء على ما تقدم يجوز لمن يجد تعباً في قضاء ما فاته من رمضان وحرص على جعل هذا القضاء في شوال، ويريد أن يحصل على ثواب الأيام الستة أيضاً أن ينوي القضاء وصيام الستة، أو القضاء فقط دون نية الستة، وهنا تندرج السنة مع الفرض".
سادساً: وأوضحت مؤخراً دار الإفتاء الأردنية موقفها فقالت: "الذي نراه هو جواز جمع صيام شوال بنية القضاء، وإن كان الأحوط فصل كل صيام على حدة؛ لما فيه من الزيادة في الأجر، وخروجاً من خلاف من منع ذلك".
وإن هذه النقاط والحيثيات جعلتني أميل للرأي الأول بقوة، وخلاصته أنه "يجوز للمرأة الجمع بين النيتين، وصيام دينها مع نفلها".
وأما فكرة أن "ثوابها أقل"، فهذا لا دليل عليه، خاصة أن المرأة أخذت ثواب صيام رمضان كاملاً إن شاء الله، وبقي عليها تعويض أيام فطرها، فإذا اختارت شوال بالذات لفضيلته، فلم لا يكتب لها الأجر كاملاً! ويزيد الله لها في الثواب؟!
وبقي أن أضيف لفتة جميلة نبهتني لها صديقتي رزان؛ حيث قالت: "من الصعب على المرأة صيام دينها وحدها، ومن الصعب إرغام زوجها وأهل البيت على الصيام بعد رمضان معها، فجعل الله سبحانه -والله أعلم- صيام ست من شوال بهذا الأجر العظيم حتى يشاركها الرجل ويصوم مها طوعاً لا كرهاً فتشعر بالعدل ويهون عليها القضاء؛ ويخرج الاثنان من شهر شوال بالأجر والثواب، وكونها ستة أيام فإن هذا عدد يناسب أكثر النساء (لأنهن يفطرن عادة من 6-7 أيام)". وكل عام وأنتم بخير.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.