عندما كنا صغاراً، كنت أعتقد أن عبارة "المرأة المعيلة"، معناها المرأة "الصغيرة في السن" وبالعامية الدارجة المصرية "عَيّلة"، وكنت أسأل نفسي قبل أن يكون هناك "جوجل" ومحركات البحث المختلفة: وما مشاكل "العيّلة" دي؟ واستنتجت وقتها أنها إما أنها تعيش في ظروف أسرية قهرية، وإما أنها تزوجت صغيرة ولا تملك الخبرات الكافية في تربية الأولاد أو تحمُّل مسؤوليات الزواج.
نشطاء المضامين
الحقيقة أيضاً أنني استرحت كثيراً لهذا المضمون للمرأة المعيلة، خاصة عندما نطلق أي مسميات جديدة، يكثر فيها القيل والقال، وتأخذ وقتاً حتى تستطيع أن تفهم مضمونها في ظل وجود نشطاء ألفاظ ومضامين وعباراتٍ ما أنزل الله بهم من سلطان.
محركات البحث
كبر الموضوع مع الوقت وأخذ حيزاً أكبر من الاهتمام، وبدأت أسمع عن لقاءات وندوات وجلسات ومطالبات المجتمع المدني للتدخل، ومع تطور محركات البحث وتحوّل التقنيات من.. إلى، فهمت أن المرأة المعيلة هي المرأة التي تتحمل المسؤوليات كاملة، بعد هروب زوجها أو موته أو مرضه، أو عدم قدرته على الإنفاق.
غياب الرجل
ظلت الدائرة حول المرأة المعيلة تتسع مع التقدم والفقر والأزمات الاقتصادية، لدرجة أن مفهوم المرأة المعيلة نفسه حدثت عليه اختلافات، البعض قال إن المرأة المعيلة هي من تتحمل مسؤوليات أُسر بأكملها، سواء كان ذلك "لغياب الرجل أو حتى في وجوده إن لزم الأمر". لكن تعريف المسؤولية وحدودها بالنسبة للسيدات، كان أمراً مُحيراً، فهل المرأة المعيلة هي التي تُعيل أسرتها لغياب الرجل؟ أم أن الرجل لم يختف كلياً من المشهد لكنه تخلى عن مسؤولياته؟
الأرقام في الريف والحضر
اللافت للنظر أن الموضوع تحول إلى أرقام، يكفي أن تتابع ما رصده "الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء" بمصر في عام 2019م، حيث جاء عدد الأسر التي ترأسها (تدير شؤونها وتتخذ قرارتها) الإناث يقدر بـ4.1 مليون أسرة، والنسبة مقسمة بواقع 2.3 مليون أسرة في الريف مقابل 1.8 أسرة في الحضر.
الأرامل والمطلقات
ويتابع "الإحصاء" إن "75.1% من المعيلات هن من الأرامل، وجاء في التصنيفات الحديثة للمرأة المعيلة أن الزوجة التي تقدم راتبها بالكامل لأسرتها هي أيضاً معيلة، حتى وإن كان هناك زوج أو أب"، وأشارت الإحصائيات أيضاً إلى أن "سبب تزايد المعيلات هو زيادة نسب الطلاق في مصر".
العمالة المؤقتة والبطالة
وتواصلت تصنيفات المرأة المعيلة ومشاكلها بعد أزمة "كورونا" التي ضاعفت مشكلات المعيلات، لا سيما أن أغلبهن أُميات أو حصلن على قدر محدود من التعليم، وبالتالي ينتمين إلى فئة العمالة المؤقتة التي طالتها البطالة أكثر من غيرها بسبب الجائحة.
حلول للأرقام الصادمة
إذن نحن أمام شريحة داخل المجتمع تتحمل مسؤوليات وأعباء لا طائل لها، ومع زيادة الأزمات الاقتصادية تزداد الأرقام وترتفع معدلات البطالة وما يستتبع ذلك من هروب الزوج أو مرضه أو الطلاق أو إدمان المخدرات أو موته، ويبقى أن تكون هناك حلول أمام الأرقام الصادمة، وتأثير هذا على المجتمع بعد أن تصبح الأسرة غير مكتملة الأركان، ومعبأة نفسياً ومادياً واجتماعياً واقتصادياً وغيره كثير .
تتسول حق الحياة
المجتمعات والحكومات ومؤسسات الدول المختلفة عليها دور كبير في رعاية المرأة المعيلة، نحن أمام برامج نظرية وحملات تجوب القرى والنجوع والمدن أيضاً، لتشرح وتقدم التوعية للمعيلات في تربية الأبناء وحمايتهم ومواجهة المجتمع والأزمات، ولكن هل حلت هذه البرامج وهذه الحملات مشكلات المرأة المعيلة التي تتسول الآن حق الحياة من طعام ومسكن ومأكل ومشرب وظروف مناسبة لتعليم أولادها؟!
الحل يبدأ من الرجال
الأمر يتطلب الخروج من التنظير لتفعيل مظلة المرأة المعيلة، الرجال الآن الذين نتهمهم بالتخلي عن أدوارهم ومسؤولياتهم وهروبهم وإدمانهم للمخدرات، هم أحد أركان حل المشكلة إذا توافرت لهم الحياة الكريمة والعمل، المُتتبع لحالات الانتحار الآن والتي تزيد وفقاً للإحصائيات المختلفة، يجد أن من بين كل 10 أقدموا على الانتحار 9 مروا بأزمات اقتصادية وديون وفقر.
الأقواس مفتوحه للحلول
وأخيراً.. هل الدور هنا للدولة، أو مؤسسات المجتمع المدني؟ هل يفترض أن تتضمن كل البرامج المجتمعية مثل حياة كريمة وغيره، مظلة حماية للمرأة المعيلة التي تعاني ظروفاً اقتصادياً قاسية؟ الأقواس مفتوحة لوضع الحلول، ولكن بعيداً عن التنظير وكلمة "معيلة" التي عشت سنوات طويلة أفهم أنها "عيّلة" عندها مشاكل وغير قادرة على حلها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.