الجدل حول سياسة الاغتيالات بأبعادها المختلفة ليس جديداً على الساحة الإسرائيلية، فهو وإن خبا لبرهة من الزمن يعود من جديد مع كل تحدٍّ وفشل أمني يضرب المؤسسة العسكرية والأمنية، ومع ذلك فإن سياسة الاغتيالات هي الأداة الأقل نجاعةً والأكثر استخداماً من قِبل إسرائيل في الصراع مع الشعب الفلسطيني.
لم تتوقف عمليات الاغتيال الإسرائيلية، بيد أنها كانت تظهر كضرورة وسياسة إسرائيلية في أوقات محددة مسبقاً، اليوم نستمع لتصريحات إسرائيلية وتحريض إعلامي مكثف باتجاه استئناف عمليات الاغتيال ضد قادة المقاومة الفلسطينية العسكريين والسياسيين.
وإشارة واضحة إلى قيادة "حماس" في غزة، وتحديداً القائد يحيى السنوار، قائد الحركة في غزة، فالحذر من التربص الإسرائيلي الممنهج والخبيث للهروب للأمام نحو جنون ما.
نجزم أنه رغم استمرار الاغتيالات الإسرائيلية الممنهجة ضد قامات وقيادات عسكرية وسياسية لم يتوقف الكفاح الفلسطيني ضد الاحتلال على امتداد مساحة فلسطين التاريخية.
إسرائيل واحدة من الدول النادرة الذي يستطيع فيها رئيس الحكومة إصدار قرار بقتل إنسان دون الحاجة لإجراء استشارات مع أي جهة أخرى، أو المشاركة في المصادقة على قراره، حتى في مرحلة ما بعد التنفيذ.
يرى الخبراء العسكريون الإسرائيليون أن الاغتيالات تأتي أحياناً بدافع تقليص الهجمات المسلحة، وأخرى رغبة في الانتقام، لكن قرار الاغتيال بالعادة لا يؤدي فعلياً لمنع تنفيذ المزيد من الهجمات المسلحة، ولعله يهدف أساساً لتصفية الحساب الإسرائيلي مع هذا القائد أو ذاك.
في كثير من عمليات الاغتيال يعد الانتقام أحد مبررات اللجوء إلى سياسة الاغتيالات، وارتبطت سياسة الاغتيالات لدى المؤسسة العسكرية والسياسية الإسرائيلية بشعار "يد إسرائيل الطويلة"، القادرة على الوصول إلى كل مكان، والتي أدت إلى جعل المقابر تمتلئ بالضحايا، ممن وصلت إليهم هذه اليد وقادت إلى تصفيتهم في مختلف أرجاء العالم، وفق تعبير ألون بن دافيد.
وفي ظل حالة الإحباط والعجز التي تصيب بينيت والمؤسسة الأمنية والعسكرية، نتاج فشلهم في مواجهة العمليات الأخيرة، وعدم قدرتها على فكّ شيفرة النمط الجديد من العمليات، ووقف تمددها، كان اللافت بعد عملية إلعاد التهديد والوعيد لمن تم وصفهم بالمحرضين على العملية، في إشارة لغزة والقائد يحيى السنوار.
في تعليقها على عمليات الاغتيال السابقة تقول الدكتورة رونيت مرزن، المستشرقة والمحاضرة في جامعة حيفا، إن "الاعتبارات تتداخل"، ولا أحد يمكن أن يضمن أن لا "يدخل عامل الرغبة في الإذلال القومي والانتقام" لدى متخذ القرار، الذي لا يمكن إلزامه بهذه المعايير، في ظل غياب الرقابة التي يقابلها "ضغط الجمهور" الذي يريد أن يرى نتائج.
يُقر الإسرائيليون بصعوبة معرفة النتائج المترتبة على اغتيال هذا الشخص أو ذاك على المدى البعيد، لأن معظم من يتم اغتيالهم يوصفون بأنهم عبوة مؤقتة، أو "ساعة متكتكة" قابلة للانفجار في أي لحظة، وممن يشكل بقاؤهم أحياء خطراً على إسرائيل، ولا مجال إلا التخلص من التهديد الذي يمثلونه، حتى لو كان الثمن باهظاً.
ختاماً تثبت الأبحاث العلمية والمتابعات الميدانية أن سياسة الاغتيالات لم تحقق الردع أو تُسهم في تخفيف حدة أو تراجع الفعل المقاوم، بل على العكس من ذلك، تُثبت التجربة العملية أن هذه السياسة قادت إلى تأجيج المقاومة وتوسيع دائرة المنخرطين فيها وتوسيع نطاقها، وأن من تم اغتيالهم شغل مكانهم أشخاص أكثر راديكالية، اعتبروا أن مهمتهم الأولى الثأر لقادتهم الذين تمت تصفيتهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.