هكذا تعلمتُ الفرنسية والألمانية وأتقنتهما في أسرع وقت

عدد القراءات
534
عربي بوست
تم النشر: 2022/05/05 الساعة 13:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/05 الساعة 13:47 بتوقيت غرينتش
تعلم اللغة الألمانية - تعبيرية / shutterstock

أتعجب كثيراً حين أقابل شخصاً مقيماً في بلدٍ ما لفترة طويلة ولا يستطيع التحدث بلغة ذلك البلد، خصوصاً من السيدات، أحاول التخيل، مجرد التخيل كان صعباً، فلا أرى أن تعلم لغة البلد الذى نعيش فيه أياً كانت اللغة أو البلد اختياراً، بل أراه فرضاً علينا لنحيا حياة كريمة، متزنة، ونكون ذوي أثر أينما حللنا، أن نتعامل مع الآخرين في الحياة اليومية من بيع وشراء والذهاب للطبيب ومتابعة الأولاد في المدارس، وغيرها من المعاملات التي لا تتطلب مستوى لغة متقدماً، يلي ذلك معرفة أخبار البلد الذي نعيش فيه بداية من أخبار الطقس وانتهاءً بأخبار السياسة وتأثيرها علينا كمقيمين أجانب.

عشت تجربتين للاندماج لم تكن أيٌّ منهما سهلة على الإطلاق، اليوم الأول الذي وصلت فيه باريس قادمة من مصر كان الثلج يغطي كل شيء، كنت أرى الثلج لأول مرة في حياتي مصحوباً بحرارة أقل من الصفر، بدأت بالبكاء لزوجي أنا وابني بعد عدة أمتار: "أنا عايزة أرجع مصر".

دخلنا إلى البيت حيث الدفء فقررت ألا أخرج ثانية في ذلك البرد، لم أشعر بالغربة في أول أيامي في بلد جديد مع وجود تلفزيون به قنوات عربية ووسائل تواصل مع أهلك، ربما تتاح فرصة الحديث معهم أثناء السفر أكثر من وجودك معهم في نفس البيت، غير أن أيامي كانت تمضي متشابهة لا علم ولا عمل.

كلما قلَّ احتياجك للتواصل مع أهل البلد، أهملت اللغة ولم تهتم بتعلمها، لكن عمل زوجي جراح قلب أجبرني على الخروج والتواصل، فهو يقضي يومه في غرفة العمليات لا أستطيع الوصول إليه، فكان عليّ الذهاب وحدي لطبيبة الأطفال ومتابعات الحمل ومتابعة مدرسة ابني، وإنهاء كثير من المعاملات الورقية.

فرنسا

كنت قد درست اللغة الفرنسية في مصر كلغة ثانية في الثانوية العامة، وكانت درجتي أقل بنصف درجة من الدرجة النهائية لكن معلوم مستوى تعلم لغة أجنبية ثانية في المرحلة الثانوية، لم أستعمل اللغة يوماً، حاولت قبل سفري تعلم المستويات الأولى لكن الأمر لم يكن كما توقعت. ولذلك كان عليّ أن أجد حلاً إذا لم أجد من يصحبني، فكنت أكتب مثلاً ما أود قوله لطبيبة الأطفال قبل الذهاب وأقوم بترجمته، وأحاول الحديث معها فإذا لم تفهمني، أُعطها الورقة المترجمة.

بعد ولادة ابنتي كان عليّ أن أذهب لمركز رعاية الأطفال للتطعيمات، كنت متوترة جداً كيف سأفعل ذلك وحدي. ذهبت وقابلتني كاترين، كانت سيدة فرنسية لطيفة تعمل ممرضة في المكان، هدّأت من توتري وحاولت فهمي فلم تكن تتحدث أي لغة غير الفرنسية، وأخبرتني أن هناك يوماً أسبوعياً تحضر فيه الأمهات مع أطفالهن إلى المركز ويقمن ببعض الأنشطة معاً، وأن ذلك سوف يساعدني في تعلم اللغة واكتساب المعارف. فعلت هذا وكنت أحضر أسبوعياً إلى المكان الذي تعرفت على أمهات عربيات وبعض أماكن اللعب الأخرى المتاحة للأطفال وبدأت في كسر حاجز اللغة.

تلا ذلك التحاق ابني بالروضة في إحدى المدارس، حيث تعرفت حينها على سيدات من مختلف الجنسيات العربية يتحدثن لهجات عربية مختلفة جداً وصعبة الفهم فجمعت بينها الفرنسية. في مجتمع المدرسة اتسعت دائرتي فنحن نلتقي كل يوم صباحاً وبعد الظهيرة أثناء اصطحاب الأطفال من وإلى المنزل، تتحدث الأمهات عن أماكن التسوق والعروض والأنشطة التي تقوم بها البلدية من وقت لآخر، بالطبع لم أكن أفهم كل ما يقال، لكن أحياناً أطلب توضيحاً بسيطاً سواء بالعربية أو الفرنسية، تكرار الكلمات والمترادفات بشكل يومي يسَّر عليّ تعلم مفردات جديدة، أيضاً كل مكان أذهب إليه كان يفتح لي باباً آخر.

في أحد الأيام أخبرتني إحداهن عن مكتبة الحي للعب للأطفال، حيث يذهب الأطفال للعب بألعاب مختلفة ويمكن للأمهات في ذلك الوقت الجلوس معاً والتحدث مع بعضهن أو اللعب مع أطفالهن أو القراءة، ويمكن للأطفال أن يستعيروا بعض الألعاب للعب بها في المنزل.

كانت مكتبة اللعب هذه بداية جديدة لي فقد تعرفت فيها على إحدى السيدات المغربيات التي عرفتني لاحقاً بصديقة جعلها الله سبباً في معرفة الطريق للالتحاق بالجامعة في هذا العام.

تجربة الجامعة

ربما التسجيل في الجامعة قبل الحصول على دورات متخصصة في اللغة كان أكثر الخطوات المجنونة التي اتخذتها في حياتي، غير أني اضطررت لذلك بسبب ولادة طفلتي الوسطى، فقد كانت كورسات اللغة المتخصصة جميعاً يومية أو شبه يومية ولم أكن قد وجدت مكاناً في الحضانات أترك فيه ابنتي بشكل يومي، ولم أكن أملك المال الكافي لإيجاد شخص يرعاها أو الحصول على دورة لغة مكثفة، فسجلت دون الحصول على اللغة ولم يكن هذا شرطاً للتقديم في ذلك الوقت في جامعات باريس.

سجلت في تخصص طب أسنان الأطفال، المحاضرات كلها بالفرنسية وكان هذا تحدياً كبيراً لي في هذا العام، فالأمر كان بالغ الصعوبة؛ حيث يتوجب عليّ التركيز ٦ ساعات يوماً واحداً في الأسبوع لمحاضرات متخصصة بلغة لا أجيدها، وسط طلاب يتحدث جميعهم الفرنسية كلغة أم أو على الأقل لغة ثانية، ثم العودة إلى المنزل للترجمة ومذاكرة ما درسته. في ذلك العام نجحت في نصف المواد من أول دور.

تجربة الجامعة أعطتني ثقة كبيرة في نفسي، وتحسنت لغتي الفرنسية كثيراً، تلتها معرفتي بأن ابني طفل لديه طيف التوحد، وكان عليّ الذهاب إلى الأطباء واجتماعات مطولة مع المدرسين ولا أحد من أصدقائي يستطيع حضور كل تلك المواعيد معي. تلقائياً وجدت نفسي أتحدث الفرنسية، نعم بالطبع كانت لديَّ أخطاء لغوية وما زلت، ولكن كنت أستطيع أن أفهم وأُفهم جيداً، وأستطيع الدخول في مجادلات ولا أضيع حقي.

وكانت هناك بالطبع مواقف لطيفة، فأذكر أثناء ولادتي كانت الممرضة تود التواصل معي فقامت بالترجمة باستخدام جوجل وأخبرتني بما تريد قوله، هناك الكثيرون ممن يخففون عنك الحرج حين أبدأ الحديث بكلمات غير مرتبة قائلين إنهم إذا ذهبوا إلى مصر فلن يستطيعوا التحدث بالعربية.

وتعلمت أنه إذا كنت مقيماً في بلد لا تتحدث لغته ولا تستطيع البدء في دروس انتظامية بسبب وقت العمل أو وجود أطفال أو تكلفة الدروس، فأول ما عليك فعله ألا تجلس في البيت. اذهب إلى كل مكان يمكنك سماع اللغة فيه، المكتبات، الحدائق.. يمكنك أن تتطوع للعمل في مكان ما كدور المسنين فهم لا يجدون من يتحدثون إليه وأنت تحتاج إلى من تتحدث معه.

كل باب سيفتح لك باباً آخر، ليس مهماً أن تفهم كل ما يقال ولا أن ترد على أي سؤال، لكن سماع اللغة من أهلها له وقع مختلف، ومن الأشياء التي ساعدتني جداً مشاهدة أفلام الكارتون مع أطفالي وسماع أغاني الأطفال، مشاهدة نشرة الأخبار وإن لم تفهم التفاصيل يوماً بعد يوم ستزيد حصيلتك اللغوية وتزيد قدرتك على التحدث، وكذلك قراءة كتب صغيرة أو قصص الأطفال أيضاً تساعدك في مهارات القراءة والكتابة.

في النهاية، بعد أن تكسر حاجز اللغة ستشعر كأنك كنت ترى العالم من خلف نظارة سوداء ثم رأيته بالألوان، ستعرف أن كثيراً من المواقف التي فسَّرتها على أنها تمييز أو عنصرية لم تكن أكثر من سوء فهم وتواصل. ستشعر بالراحة حين تذهب لإنهاء إجراءات إقامتك فيمكنك أن تأخذ حقك كاملاً ما دمت تتحدث اللغة وتعرف القانون. ستختار طبيبك وتتواصل مع مدرسة أطفالك وبلا شك ستزيد من فرصتك للحصول على عمل.

نعم لن تنتهي كافة مشاكلك لكنها حتماً ستقل وتجعل اندماجك في المجتمع أسهل.

ألمانيا ٢٠١٧

انتقلت لألمانيا وعلى عكس تجربة اللغة دون دروس في فرنسا التحقت بدروس لغة مكثفة في ألمانيا. غير أني على الرغم من حصولي على شهادات موثقة بدرجات مرتفعة فإنني أشعر دائماً بعدم الطلاقة في اللغة تحدثاً، وأن ما أحتاجه ليس موجوداً بقاعات الدروس الأكاديمية، من الأسباب التي أخرت تحدثي بالألمانية أن معظم من أتعامل معهم يتحدثون الإنجليزية على عكس الفرنسيين لا يتحدث معظمهم إلا الفرنسية فقط. غير أن تعلم الألمانية دون حضور دورات معتمدة ومكثفة صار سهلاً جداً من خلال اليوتيوب والمواقع المجانية. أيضاً في مكتبات الحيّ تحدد أياماً لتجمع الناطقين بغير الألمانية حسب مستوى اللغة لديهم، لمناقشة أي موضوع عام. محاولة مراسلة المدرسين والأخصائيين من الأطباء والمعالجين لأبنائي حسّن لغتي كثيراً، التعامل اليومي مع الآباء والأمهات وتبادل المعلومات والخبرات يسر أيضاً ذلك.

على عكس فرنسا، فإن تعلم الألمانية حتى المستوى المتوسط شرط للحصول على الإقامة الدائمة بينما خلال سنوات إقامتي في فرنسا لم يطلب منّي نهائياً أي شهادة لغةٍ لتجديد إقامتي، ربما اختلفت القوانين حالياً، لكن حتى لو لم تكن اللغة شرطاً للحصول على الأوراق الثبوتية، فإن تعلم لغة البلاد التي نعيش فيها فرض لتجنب مواقف سيئة كثيرة ويساعدنا على الاندماج في تلك المجتمعات بطريقة واعية وفهم سليم لمجريات الحياة من حولنا.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسماء بركات
طبيبة أسنان مقيمة في ألمانيا
أسماء بركات، أم لثلاثة أطفال، طبيبة أسنان، مدونة ومهتمة بحالة حقوق الإنسان والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة وصعوبات التعلم، مقيمة في ألمانيا.
تحميل المزيد