هل حان الوقت لتغيير الخطاب الوعظي والديني في المساجد؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/05/05 الساعة 11:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/05 الساعة 11:31 بتوقيت غرينتش

لمَ تصرُّ المساجد حتى اللحظة على أن تلعب دور الملقّن  فتستمر بالوظيفة الوعظية لأفرادها؟! في الوقت الذي تتنوع فيه توجهات الناس وأفكارهم، ويبدو العالم أكثر اتساعاً بفعل الفضاء الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي، فالحيز الذي تشغله يلعب دوراً هاماً في تشكيل وتوجيه الصراعات الداخلية والخارجية للأفراد، فيظهر منطق التساؤل والتشكيك، وتبدو الرغبة نحو التمرد ونسف المسلمات أكثر إلحاحاً، لا سيما في المجتمعات الشمولية، التي يصاب أفرادها بعدوى الرأي العام، فيتشابه المنطق، وتستنسخ المواقف والرؤى، لتعيش الأفكار النيّرة والأكثر انطلاقاً حالات من الحصار لتخيف صاحب السلطة والمقام، وتبقى الناس تعيش على فتات خطب المساجد مرتهنة لبطل منتظر وحلول سحرية!

وأمام هذا المشهد، يأبى الخطاب الديني في المساجد أن يتزحزح، ويصر على أن يلعب دور التبرير والتخويف والتخدير للناس، ويغدو الدين كما وصفه علماء القرن الثامن عشر "بأنه وليد جهل الناس وعدم اطلاعهم على الحقائق والعلوم"؛ ليسود منطق الاستسلام والعجز في خطاب يُردد على ألسنة الوعّاظ بأن الله مع المظلومين، وأنه من يعصي الله يصلى في جهنم، في نوع من عبودية النص وفوبيا الانتماء ظناً بأنها الطريق لنجدة الأمة وتحرير أغلالها الفكرية والدينية.

لا معنى للخطاب الديني إن لم يلبّ رغبة الناس للحياة  وعشقهم للحرية، ولم يوقظ الوعي والنباهة في نفوس أبنائه، فما معنى أن تبقى المواعظ مقتصرة على الصبر والتقوى وغض البصر في الوقت الذي تعيش فيه الأمة أزمة فكرية يحتاج فيها شبابها لتأصيل المفاهيم، وإجلاء الأفكار، وحصحصة المسلمات والرؤى، وإخراجهم من الشرك الديني في تبعيتهم للمنظومة الدينية التي يظنون أن الانتماء لها يعني دخول الجنة، فلا تحدثني عن الله في الوقت الذي ترفض فيه أن أقوم بالتمرد والرفض والإنكار؛ لأن هذه اللحظة ستتكشف أوجه المفاصلة "لكم دينكم ولي دين" .

الخطاب الديني في المساجد بات باهتاً تقليدياً، وهنا لا بد أن نغير الخطاب الديني  لتتغير الصورة الذهنية عن المسجد، فما الضير أن تقام حلقات فكرية تناقش الكتب والأفكار، ويتم من خلالها الوقوف على أسئلة الشباب وشكوكهم، فتكون أقرب إلى جوّ علمي وفكري باعثٍ للتغيير والاستيقاظ، هي فرصة لإحياء المساجد، وإجراء إضافة نوعية على الخطاب المنبعث من هذه الأماكن، لتتصدر واجهة اليقظة، والروح المفكرة المتمردة، فنخرّج مئات الطلبة من "الجامعة الشعبية" بدل أن نتحاكم لرجل دين يوهن النص والخطاب، ويحقننا بالاستكانة والخضوع.

مشروع "الجامعة الشعبية" في المساجد لن يحتاج إلى رأس مال ولا أية  تكاليف نتكبدها ونتسولها من جهات عدة، وإنما جهود أفراد تجمعهم رؤية تنطلق من أن التغيير يبدأ بالعيش في عالم الأفكار لإدراكها ومعالجتها والانطلاق بها إلى الواقع، فليس صعباً أن نبدأ بالتأسيس لفكرة هذا النوع من الجامعات بعمل حلقات فكرية لأشخاص يتفقون على مطالعات فكرية لكتب ولمؤلفين ما كمنهاج مستمر ودائم، حتى تبدأ مع الأيام هذه الحلقات تكبر رويداً رويداً وتضم المزيد من الأفراد الباحثين عن عطش الفكر والمعرفة، بعيداً عن المؤدلج والمسيس منها، وعن الرقابة التي تفرضها الدولة من خلال مؤسساتها الأكاديمية على الأفراد في اختياراتهم وتوجهاتهم الإنسانية والفكرية.

فكرة "الجامعة الشعبية" ليست بهدف التمرد والسيطرة، وإنما لإحداث نوع من التكامل والانسجام مع المؤسسة الدينية التي يبدو خطابها مع الزمن أقل انسجاماً وتكاملاً وتعبيراً عن الواقع. 

يأتي المشروع لبناء نوع من الجسور التي هدمتها التربية الوعظية والخطاب الديني "اللافعال"، وخطوة لإجراء بعض المراجعات والنقد البناء كسبيل لإعادة ترميم الخطاب بالشكل الذي لا يميّعه ولا يفقده أصله من جهة، ويجعل الناس أكثر استقبالاً وانفتاحاً وتقبلاً له من جهة أخرى.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إباء أبو طه
مدونة وباحثة ومستشارة تربوية وأسرية
تحميل المزيد