أعلن الجنرال المصري مؤخراً عن تكليفه الحكومة بطرح رؤية متكاملة للنهوض بالبورصة المصرية، بعد إقبال العديد من الشركات المقيدة بها على طلب الشطب الاختياري من القيد، وكذلك انخفاض قيمة التعامل اليومي وتراجع مؤشرات أسعارها خلال العام الحالي، واستمرار خروج الأجانب منها خلال الربع الأول من العام الحالي، استكمالاً لتوجههم للخروج منها خلال السنوات الثلاث الماضية من 2019 وحتى 2021.
فقد كان عدد الشركات المقيدة بالبورصة 1175 شركة قبل أكثر من 20 عاماً، وظل العدد يتناقص حتى بلغ 219 شركة مقيدة حالياً، وهو أمر يحتمل استمراره، ففي عام 2020 خرجت سبع شركات هي: "الدولية للثلج الجاف"، و"بنك الاتحاد الوطني- مصر"، و"الإسكندرية للأسمنت"، و"المصرية للمشروعات السياحية العالمية"، و"الحديثة للمواد العازلة"، و"العبوات الدوائية المتطورة"، و"مصر جنوب أفريقيا للاتصالات"، بينما تم قيد شركة واحدة جديدة خلال العام هي "أميرالد للاستثمار العقاري".
وفي العام الماضي جرى شطب ثماني شركات هي: "أسمنت بورتلاند طرة"، و"السويس للأسمنت"، و"المصرية لصناعة النشا والجلوكوز"، و"سامكريت مصر والنيل لحليج الأقطان"، و"أسيوط الإسلامية الوطنية للتجارة والتنمية"، و"الشروق الحديثة للطباعة"، و"رواد مصر للاستثمار السياحي"، وبالعام الحالي طلب بنك "الكويت الوطني- مصر" الشطب الاختياري أيضاً، ليصبح عدد البنوك المقيدة بالبورصة 12 بنكاً بعد أن كان العدد 33 بنكاً.
وتكرّر الأمر ببورصة النيل الخاصة بالشركات المتوسطة والصغيرة، والتي بدأت نشاطها عام 2010، حيث تراجع عدد الشركات المقيدة من 32 شركة عام 2018 إلى 27 شركة بنهاية مارس/آذار الماضي، وبلغت قيمة التعامل بها خلال شهر أبريل/نيسان الماضي 146 مليون جنيه فقط طوال الشهر.
ذكريات الخسائر الفادحة أواخر التسعينات
وفيما يخص متوسطي الحال من المصريين فإن لديهم تجربة تاريخية أليمة مع البورصة، خلال تعاملهم من خلالها خسروا قسطاً كبيراً من أموالهم، فبداية من عام 1993 وخلال السنوات الخمس التالية جرى طرح عدد من شركات قطاع الأعمال العام الحكومية، من خلال طرح جزء من أسهمها بالبورصة، وأقبل الكثيرون على شراء تلك الأسهم، حتى اضطرت الجهات المروجة لعمل تخصيص للأسهم، بإعطاء عدد أقل لكل مشترٍ مما طلبه بسبب زيادة الطلبات عن الكميات المعروضة للبيع.
وواكب ذلك ظهور كيانات مالية جديدة تحت مسمى "صناديق الاستثمار"، تقوم من خلال إدارات متخصصة بالاستثمار بالبورصة لصالح المشتركين بالصناديق، وأقبل الكثير من المصريين على شراء وثائق استثمار تلك الصناديق، حتى إن بعضها شهد طوابير للشراء، ولجأ البعض للمعارف داخل البنوك المنشئة لتلك الصناديق، للوساطة من أجل الحصول على الوثائق المطروحة للبيع.
ورافق ذلك أيضاً قيام عدد من شركات القطاع الخاص بطرح جانبا من أسهمها للجمهور عامي 1997 و1998، فيما يعرف ببرنامج "توسيع المشاركة" بتلك الشركات.
إلا أنه بعد فترة قصيرة تحولت المكاسب التي حققها مشترو الأسهم ووثائق الصناديق إلى خسائر فادحة، فسهم "الإسكندرية للمطاحن" الذي تم بيعه بقيمة 82.5 جنيه انخفض لما دون مستوى الـ9 جنيهات، و"العربية المتحدة للشحن" هوت أسهمها من 31 جنيهاً للطرح لحوالي 4 جنيهات فقط لا غير، و"البويات والصناعات الكيماوية" من 120 جنيهاً لحوالي 21 جنيهاً، وهكذا بالعديد من أسهم شركات قطاع الأعمال العام، مثل "الشمس للإسكان" و"المحمودية للمقاولات" و"الكابلات الكهربائية" و"كابو" و"مطاحن مصر الوسطى" لتمتد قائمة الخسائر الفادحة لأكثر من 40 سهماً.
وامتدت عدوى الخسائر إلى أسهم شركات القطاع الخاص، مثل المجموعة العقارية المصرية من حوالي 27 جنيهاً للطرح إلى أقل من 6 جنيهات، و"صافولا مصر" من حوالي "23 جنيهاً" إلى 6 جنيهات، و"الإسكندرية للاستثمار العقاري" من حوالي 67 جنيهاً إلى 26 جنيهاً، و"مينا للاستثمار السياحي والعقاري" من 110 جنيهات للطرح إلى أقل من 9 جنيهات، و"السعودية لصناعة المعدات الطبية" من 112 جنيهاً للطرح إلى حوالي 6 جنيهات ونفس الخسارة بشركات أخرى.
المصرية للاتصالات وحلم ثراء لم يتحقق
وكذلك بصناديق الاستثمار، فبعد أن حققت الصناديق أرباحاً تحول الكثير منها إلى الخسائر من عام 1998 وحتى 2001، ما أصاب تجربة صناديق الاستثمار بالتعثر، وظهور أنواع أخرى من الصناديق التي تستثمر بالأدوات المالية ذات العائد الثابت، كالودائع المصرية وأذون وسندات الخزانة، لضمان أصل رأس المال للمستثمر بعد الخسائر التي لحقت بالصناديق التي استثمرت بالأسهم.
وابتعد غالبية المتعاملين من متوسطي الحال عن الاستثمار بالبورصة وبصناديق الاستثمار بالأسهم، حتى قامت الحكومة بالترويج لبيع نسبة 20% من أسهم الشركة المصرية للاتصالات، وحفلت الدعاية المروجة للطرح بالكثير من الآمال لمن يشترون أسهم شركة تحتكر مجال التليفونات الثابتة، وأقبل الكثيرون على الشراء بسبب قوة الحملة الدعائية، حتى باع البعض جانباً من ممتلكاتهم لشراء تلك الأسهم لتحقيق حلم الثراء الذي وعدت به الحملة الدعائية.
ومنهم المزارع الذي باع بقرته لشراء الأسهم، والسائق الذي باع التاكسي الذي يعمل عليه لشراء أسهم تحقيق الثراء الذي لم يتحقق، مع عدم تحقيق السهم الآمال المرجوة منه، فكانت صدمة أخرى للمصريين وخيبة أمل من التعامل بالبورصة.
إلا أن شريحة من هؤلاء استمروا في التعامل بالبورصة، بعد أن تحولت لديهم لما يشبه الإدمان، وإن كان عدد المتعاملين، خاصة من الأفراد قد تقلص، ومن النادر أن تنشر إدارة البورصة بيانات عن عدد المتعاملين النشطين، أي الذين يكررون التعامل خلال العام، وتكتفي فقط بالتقرير السنوي بذكر رقم عدد المتعاملين الجدد خلال العام، والتي ذكرت بلوغ عددهم 57 ألف متعامل خلال العام الماضي.
ويعرف الجميع أن هذا العدد الكبير مرتبط أكثر بعمليات الطروحات العامة، ولجوء بعض شركات الوساطة لاستخدام البطاقات الشخصية للمعارف والأقارب، في عمل أكواد لهم، حتى تحظى بنصيب أكبر خلال عمليات التخصيص للأسهم المطروحة.
عدد قليل من المستثمرين النشطين
وبالتالي فإن كثيراً من هؤلاء المستثمرين المزعومين لا دراية لهم بما يحدث، وذكر بعض الخبراء أن عدد المتعاملين النشطين يتراوح بين أربعة إلى خمسة آلاف متعامل فقط، من بين حوالي مليون كود مسجل بأسماء أشخاص يتم اعتبارهم مستثمرين.
ونسي الجميع أن التعاملات بالبورصة مهما علت قيمتها لا تضيف للناتج الإجمالي المحلي شيئاً، ولا تضيف إنتاج سلع أو خدمات أو فرص عمل سوى العاملين بشركات الوساطة بأنواعها، كما أن من يربحون يكون في مقابلهم آخرون منوا بالخسارة، ودفعوا لهم قيمة هذا الربح، الذي يحصل عليه الأكثر خبرة ودراية بآليات التحليل المالي والفني للأسهم، وهو الأمر الذي يتوافر لمن لديهم قدرات مالية أعلى تمكنهم من الاستعانة بالمتخصصين، ما يجعل البورصة في النهاية تزيد من ثراء الأثرياء على حساب الأقل ثراء وخبرة.
وعادة ما يكون الأجانب المتعاملون أكثر خبرة، ما يزيد من فرص أرباحهم على حساب المستثمرين المحليين، ليخرجوا سريعاً من السوق محملين بتلك الأرباح السريعة، حيث بلغ صافي تعاملات الأجانب عام 2020 صافي بيع 976 مليون دولار، وبالعام الماضي صافي بيع 310 ملايين دولار، وبالربع الأول من العام الحالي صافي بيع 345 مليون دولار.
والغريب أن الحكومة تكرر خطأ غير المتخصصين حين تقوم بدعم البورصة، من خلال توجيه محافظ الأوراق المالية الضخمة بالجهات التابعة لها بالشراء في أوقات التراجع، ومنها التأمينات الاجتماعية وهيئة البريد والبنوك العامة وصناديق الاستثمار التابعة للبنوك العامة وبنك الاستثمار القومي، حيث تتدخل تلك الجهات للشراء في وقت تراجع السوق، ليقتنص الأجانب الفرصة للبيع والخروج سريعاً.
وها هو الجنرال المصري قد طالب البنك المركزي المصري، في مارس/آذار 2020، بتخصيص 20 مليار جنيه لدعم البورصة، رغم أن قانون البنوك لا يتضمن هذا الدور للبنك المركزي ضمن مهامه، وكالعادة أعلن "البنك الأهلي" و"بنك مصر" أكبر بنكين حكوميين قيامهما بشراء أسهم بقيمة 3 مليارات جنيه عقب توجيه الجنرال للبنك المركزي، وهو الأمر الذي يتكرر كثيراً في أوقات الهبوط، ومن ذلك ما حدث باليوم الأخير للتعامل بشهر أبريل/نيسان، بتدخل المؤسسات المصرية بالشراء لمساندة السوق وحتى يظهر مؤشر السوق مرتفعاً!
المؤشر الرئيسي للأسعار غير معبر
رغم أنه من الطبيعي أن تعكس البورصة أحوال الاقتصاد، فعندما تخرج حوالي 15 مليار دولار من مشتريات الأجانب لأدوات الدين المصري، فلا بد أن ينعكس ذلك على أحوال البورصة، ومثل ذلك عندما ينخفض مؤشر مديري المشتريات إلى 46.5 درجة، في مارس/آذار الماضي، وعندما تنخفض الاحتياطيات من النقد الأجنبي بشكل كبير، وعندما يرتفع الدين الخارجي إلى 145.5 مليار دولار بنهاية العام الماضي.
لكن الحكومة تتدخل كي يبدو مؤشر البورصة صاعداً كدلالة مصطنعة على حسن سير الأحوال الاقتصادية.
رغم إدراك الجميع بالتدخل الحكومي لمساندة البورصة، وإداركهم لحقيقة الأوضاع الاقتصادية، ومعرفتهم بأن المؤشر الرئيسي للبورصة والمكون من 30 سهماً تعد أفضل الأسهم من حيث أداء الشركات الممثلة لها، هو مؤشر غير معبر عن حقيقة أحوال البورصة، حيث يتندر العاملون بشركات الوساطة عليه بتسميته مؤشر البنك التجاري الدولي، حيث يمثل سهم البنك 33% من الوزن النسبي للمؤشر، وبإضافة أربعة أسهم أخرى تنال وزناً نسبياً أعلى، يصل نصيب الأسهم الخمسة حوالي 56% من الوزن النسبي للمؤشر.
والنتيجة اختلاف أداء مؤشرات الأسعار بالبورصة خلال الثلث الأول من العام الحالي، والذي شمل هبوط جميعها، لكن نسبة الهبوط كانت 2.5% فقط للمؤشر الثلاثيني الرئيسي الذي يتم إعلان أرقامه بوسائل الإعلام، بينما بلغت نسبة الانخفاض بنفس الفترة أكثر من 12% لمؤشر المئة سهم الأوسع نطاقاً، وحوالي 15% لمؤشر السبعين سهماً الصغيرة والمتوسطة.
ولأن الاستثمار بالبورصة يتطلب وجود فوائض لدى المتعاملين، فإنه في ضوء حالة الغلاء الفاحش والركود المستمر منذ فترة والبطالة المرتفعة والفقر المتزايد، لا توجد فوائض لدى غالبية المصريين يمكن استثمارها بالبورصة أو بغيرها، وبالتالي فإن تطوير البورصة لا يعد أمراً مهماً لهؤلاء.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.