ها قد انتهى الشهر الفضيل وقد أوفى بوعده في فلسطين، كما كان في تاريخ المسلمين شهر الفتوحات والانتصارات، فمنذ بدايته في هذا العام كان مليئاً بالخير والبركات على الشعب الفلسطيني البطل الصامد في وجه الكيان الصهيوني الوظيفي المدعوم من الدول الامبريالية والذي بدأنا نشتم رائحة زواله.
في التاريخ الإسلامي يمتاز شهر رمضان، رغم كل مشاقه بأنه شهر الفتوحات الإسلامية، والبداية من غزوة بدر الكبرى (2 هجرياً) وفيها سطر المسلمون الأقل عدداً وسلاحاً أول انتصاراتهم في التاريخ على قريش وحلفائها بغرورها وكثرتها ووفرة عتادها مقارنة بالمسلمين في حينها، وبذلك النصر زادت عزيمة المسلمين وثقتهم وهيبتهم بعكس قريش وأعوانها التي بدأت انكساراتها.
واستمرت الفتوحات الكبرى في شهر الخير وكان فتح مكة في العام الثامن للهجرة حدثاً مفصلياً في تاريخ الإسلام وما تخلل ذلك الفتح من عفو نبوي عن أهل مكة وما تبع ذلك من انتشار للإسلام وسيطرته على الجزيرة العربية.
لاحقاً حصل العديد من الانتصارات الكبرى في شهر رمضان، منها الوصول إلى قارة أوروبا وفتح الأندلس (92 هجرياً) بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير والنصر على جيوش القوط في معركة وادي لكة ومنها انتشر الإسلام في عمق أوروبا، وتلاها معركة "بلاط الشهداء" (114 هجرياً) عندما وصلت الفتوحات لجنوب فرنسا.
واستمرت الفتوحات الكبرى ومنها فتح عمورية (223 هجرياً) بقيادة الخليفة العباسي المعتصم بنفسه، وأيضاً معركة عين جالوت (658 هجرياً) ولم يكن المسلمون حينها في حال جيدة كما هو الحال في زماننا، وعاث المغول فساداً في بغداد لكن إرادة الله تعالى جاءت للمسلمين بالملك المظفر سيف الدين قطز والقائد ركن الدين بيبرس وهزما المغول في عين جالوت شمال فلسطين.
ومسك الختام معركة حطين بقيادة القائد الناصر صلاح الدين الأيوبي، والتي يؤرخ بدؤها عام 1187 ميلادياً بسلسلة فتوحات حتى وصلت إلى فتح بيت المقدس في 26 رمضان عام 1188 ميلادياً وهذه المعركة التي لا تزال تذكّر بقائدها وأنها أعادت للأمة هيبتها.
منذ بداية الشهر الفضيل هذا العام تلقى الاحتلال الصهيوني عدة ضربات قوية في المناطق المحتلة من شباب جيل التحرير في عمليات نوعية هزت الكيان الصهيوني أسفرت عن مقتل 14 يهودياً وإصابة العشرات وجعلت مصير حكومته التي جاءت بعد مخاض عسير مرهوناً بعملية ينفذها فدائي فلسطيني خارج حسابات أجهزتهم الأمنية والاستخباراتية.
أحدثت العمليات التي نفذها أحد شباب جيل التحرير ابن النقب محمد غالب أبو القيعان "عملية بئر السبع"، وابنا جنين ضياء حمارشه ورعد حازم، ارتباكاً وضبابيةً في الوسط الصهيوني وزرعت في قلوبهم الرعب، خصوصاً أنها جاءت من شباب بدون انتماءات معلنة لحركات التحرر الفلسطيني بقدر ما هي نمط حديث من ثورة التحرير والتي يصعب التنبؤ بوقتها ومكانها ومنفذيها.
المرحلة الثانية كانت في المواجهات في باحات المسجد الأقصى ومحاولات اليهود تقسيمه زمانياً ومكانياً وتصدى لهم المرابطون الفلسطينيون القادمون من مختلف مدن فلسطين حتى وصلت ذروتها ليلة السابع والعشرين من رمضان والتي تعتبر نصراً مؤزراً للمرابطين على جيش الاحتلال، وأحد الشواهد على ذلك هي ردة فعل جيش الاحتلال في الجمعة اليتيمة ومحاولات استفزاز المرابطين من أجل تقديم نصر وهمي للرأي العام اليهودي ولكن دون جدوى أو نتائج ملموسة.
أما القادم فهو الأهم، بالرغم مما يتم ضخه من أموال وإمكانيات إلا أن استخبارات العدو الصهيوني تثبت فشلها في عدم قدرتها على توقع تفاصيله ومكانه، وهذا من مكتسبات ما قام به جيل التحرير خلال الشهر الفضيل، بحيث انتقلت المبادرة والجرأة لأصحاب الأرض الحقيقيين الفلسطينيين، بينما يسيطر الخوف والشك على المحتل الصهيوني في مشهد يحاكي نتائج غزوة بدر الكبرى بحيث أصبحت الهيبة لشباب جيل التحرير.
وفي الختام، وبعيداً عما تنشره ماكينات الإعلام الصهيونية من روايات غير صحيحة عن الواقع، فإن خبراء الصهاينة مدركون جيداً لكل الحقائق ومنها أنهم فشلوا في خلق مجتمع متجانس وكذلك فشلوا في إيجاد عمق شعبي لهم في المنطقة، وكل جهود التطبيع لا تخرج عن إطارها الإعلامي، والأهم أنهم مدركون أن جيل التحرير الفلسطيني هو صاحب اليد العليا في معركة الحسم وليست مكاتب السياسة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.