حوار مع شركاء الماضي.. لماذا يحاول السيسي إعادة بناء تحالف “الجيش – جبهة الإنقاذ” مرة أخرى؟

عدد القراءات
830
عربي بوست
تم النشر: 2022/04/29 الساعة 09:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/29 الساعة 09:37 بتوقيت غرينتش
حوار مع شركاء الماضي.. لماذا يحاول السيسي إعادة بناء تحالف "الجيش - جبهة الإنقاذ" مرة أخرى؟

في 24 أبريل/نيسان الجاري، نشر موقع رئاسة الجمهورية في مصر، مقطع فيديو من 19 دقيقة، مقتطعاً من لقاء استمر ساعتين بين رئيس الدولة، عبدالفتاح السيسي، وبعض الإعلاميين والصحفيين الذين رافقوه خلال افتتاحه موسم حصاد القمح في توشكي، وتضمّن المقطع حديثاً عن إطلاق دعوة وشيكة للحوار السياسي خلال حفل "إفطار الأسرة المصرية"، بشكل يتناسب مع الدولة الجديدة والجمهورية الجديدة بحسب تعبير السيسي.

ولم تمضِ سوى ثلاثة أيام إلا وانعقد حفل الإفطار المشار له بحضور بضع مئات من المدعوين، من بينهم ثلة من أعضاء جبهة الإنقاذ التي لعبت دور الظهير السياسي لانقلاب 2013، مثل رئيس التيار الشعبي الناصري حمدين صباحي، والرئيس السابق لحزب الدستور خالد داود، وتطرق السيسي، خلال كلمته بالإفطار، للعديد من الملفات، وفي مقدمتها الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر، وصولاً لتوجيهه دعوة لإطلاق حوار سياسي لا يستثني أحداً، وهو ما فهمه البعض على أنه إشارة إلى مرحلة جديدة قد تشهد انفتاحاً سياسياً قد يشمل مناهضي 30 يونيو، وبالتحديد جماعة الإخوان، وهي قراءة تحتاج لمزيد مناقشة.

الظرف المحلي والوضع الدولي

في البداية لابد من استعراض السياقات المحلية والدولية التي تحيط بالمشهد الحالي في مصر؛ فالوضع الاقتصادي يتدهور على وقع التضييق على القطاع الخاص وزج العديد من كبار رجال الأعمال في السجون بذرائع متنوعة، مثل صفوان ثابت صاحب شركة جهينة وابنه، ورجل الأعمال حسن راتب، فضلاً عن سيد السويركي صاحب محلات التوحيد والنور، وهو ما دفع مجلة الإيكونوميست الرائدة اقتصادياً لنشر ملف مؤخراً يتناول آثار انخراط الشركات التابعة للقوات المسلحة في القطاع الخاص، وعلاقة ذلك بسجن رجلي الأعمال رامي شعث وصفوان ثابت، وهو ما يرسم صورة سلبية لمصر أمام المستثمرين الأجانب.

ورغم الوديعة السعودية الأخيرة بقيمة 5 مليارات دولار؛ إلا أن بيانات البنك المركزي كشفت عن انخفاض الاحتياطي النقدي الأجنبي بمصر بمقدار 4 مليارات دولار في شهر مارس/آذار الماضي لتسجل 37.1 ملياراً، فيما وصل حجم الدين الخارجي المصري بنهاية عام 2021 إلى رقم قياسي بلغ 145.5 مليار دولار، بزيادة 16 مليار دولار عن العام السابق، والأدهى أن الحساب الختامي للموازنة السنوية كشف أن العديد من القروض الأجنبية لم تُستخدم في المشاريع المخصصة لها، إنما صُرف منها فقط على شراء سيارات فارهة للمسؤولين. وفيما تتفاوض الحكومة المصرية حالياً مع صندوق النقد الدولي على تلقي قرض جديد، تتصاعد مطالبات المنظمات الحقوقية الدولية والمراكز البحثية بفرض شروط للقرض تدفع لتقليل حجم انخراط الجيش في الاقتصاد، وتشدد على استقلال القضاء، وعمل انفراجة في الملف الحقوقي.

السيسي عادل إمام الإرهاب والكباب
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/ getty images

وعلى مستوى الأسعار؛ فقد اشترت الحكومة قمحاً من فرنسا مؤخراً بتكلفة تصل إلى 490 دولاراً للطن، بينما الموازنة المالية حددت سعر الطن بمبلغ 255 دولاراً فقط، وهو ما يعني زيادة في التكلفة بمليارات الدولارات مع استيراد مصر لقرابة 10 ملايين طن قمح سنوياً، أما الأدوية والأغذية والسلع فقد تضاعفت أسعارها وبالأخص مع تخفيض قيمة الجنيه مؤخراً بأكثر من 17%؛ ما ولَّد حالة من الاحتقان الشعبي عبّرت عنها الفيديوهات المنتشرة لمواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي يشتكون فيها من صعوبة الأوضاع المعيشية.

وعلى الصعيد الخارجي، تعرّضت كافة الوفود المصرية التي زارت واشنطن خلال العام الأخير لضغوط تطالب بتحسين الوضع الحقوقي، سواء وفد رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد السادات الذي اجتمع مع أعضاء في الكونجرس ومراكز بحثية أمريكية، أو حتى خلال زيارة مدير المخابرات العامة المصرية لواشنطن، والتي تلاها عقب عودته الإفراج عن بعض النشطاء مثل حسام الصياد وزوجته سلافة مجدي وإسراء عبدالفتاح، فضلاً عن إغلاق ملف قضية المنظمات المتهمة بتلقي تمويلات أجنبية، ورفع العديد من المتهمين فيها من قوائم منع السفر، وإطلاق الاستراتيجية المصرية لحقوق الإنسان. ولكن هذا لم يكفِ لفك تجميد إدارة بايدن 130 مليون دولار من المساعدات التي تقدمها لمصر؛ حيث اشترطت لدفعها حدوث تحسّن في ملف حقوق الإنسان، وكذلك لم يلتقِ بايدن بالسيسي حتى الآن للسبب ذاته.

حوار مع شركاء الماضي 

تجمعت العوامل الاقتصادية مع السياسية لتضع عبئاً كبيراً أمام النظام الحالي، مع إشارة واضحة لا تخطئها العين إلى أن الوضع يسير إلى الهاوية، وهنا جاء إطلاق النظام لدعوات الحوار السياسي، فاستدعى حلفاءه القدامى الذين سبق له سجن بعضهم، مثل خالد داود، إلى المشهد مجدداً للإيحاء بوجود توجه بعمل إصلاحات سياسية، بالتزامن مع إطلاق سراح 41 سجيناً سياسياً من بين عشرات آلاف السجناء السياسيين.

 ولكن المتفحص لخطاب السيسي في إفطار الأسرة المصرية يجده خطاباً يتنصل من تبعات تدهور الأوضاع في مصر، وليس خطاب من يُشخّص المشكلات بشكل موضوعي بهدف إصلاحها؛ فقد ألقى بالمسؤولية على ثورة يناير التي تسببت، حسب كلامه، في استنزاف احتياطي النقد الأجنبي، وعلى الإرهاب المزعوم الذي تطلب من الجيش إنفاق مليار جنيه شهرياً لمدة سبع سنوات، وعلى المواطنين الذين ينجبون أكثر من طفل في حديثه المتكرر عن ضرورة خفض نسبة النمو السكاني إلى 1%؛ بحيث يبلغ عدد المواليد سنوياً 400 ألف طفل بدلاً من 2.3 مليون طفل؛ كي يشعر المصريون بثمار إنجازات الحكومة.

ولم يتطرق السيسي في حديثه إلى إنفاق الحكومة لمئات المليارات في بناء 7 مجمعات سجون ضخمة، مثل مجمع سجون وادي النطرون الجديد بسعة 20 ألف نزيل، أو إنفاق أموال باهظة على بناء القصور الرئاسية، أو التغاضي عن الفساد الذي جعل مصر تحتل، في عام 2020، المركز الـ117 على مستوى العالم بعد أن شغلت في العام السابق المركز الـ106، أو يعتذر عن عزل ثم سجن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة بعد حديثه عن بلوغ تكلفة الفساد في مصر عام 2015 ما يعادل 600 مليار جنيه.

إن تغيير التوجهات يتطلب تغيير الأشخاص الذين يتخذون القرارات، وإقصاء المسؤولين عن الوصول للوضع الحالي، وليس استدعاء التحالف القديم بين المؤسسة العسكرية وجبهة الانقاذ، أو الإفراج عن عشرات سجناء الرأي فقط مع بقاء الآلاف داخل السجون بتهم ملفقة، رغم أن من بينهم صحفيين مثل عامر عبد المنعم وعبد الناصر سلامة، وساسة ورؤساء أحزاب مثل عصام سلطان وسعد الكتاتني وعبدالمنعم أبو الفتوح وحازم أبواسماعيل وغيرهم.

وبالتالي فإن المؤشرات الحالية تدل على أن النظام يريد عبور اللحظة الراهنة المتأزمة دون عمل انفراجة حقيقة، وأنه لا ينوي الحوار مع معارضيه الحقيقيين إنما ينوي الحوار مع بعض شركائه في 30 يونيو ممن أقصاهم لاحقاً، وذلك في ظل تخوفه من أن إجراء حوار سياسي جاد أو فتح باب الحريات سيؤثر في قدرته على البقاء، وسيرفع من سقف طموحات الراغبين في الإصلاح والتغيير.

 ورغم ما سبق، فإن التطورات الأخيرة في خطاب النظام تشير إلى أن الواقع يلقي عليه بثقله، وأن قدرته على مواصلة سياساته الأحادية دون مراعاة لأوضاع المواطنين أو للضغوط الخارجية من حلفائه الذين يخشون من حدوث ردات فعل مجتمعية غاضبة تتضاءل بمرور الوقت، وبالأخص مع تزايد تدهور الأوضاع المعيشية للمواطنين، وارتفاع مستوى السخط والغضب تجاه ارتفاع الأسعار، وغياب أي متنفس سياسي يعبرون فيه عن معاناتهم ومشاعرهم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مولانا
باحث في الشئون السياسية والأمنية
باحث في الشئون السياسية والأمنية
تحميل المزيد