على الرغم من أن فوز ماكرون في الانتخابات الرئاسية الفرنسية يبدو وكأنه هزيمة لليمين المتطرف، فإن الخبراء والمحللين السياسيين يعتقدون أن النتائج تخبرنا بالنقيض. ففوز ماكرون ليس "انتصاراً للديمقراطية"، ولم يستطع ماكرون إيقاف صعود اليمين المتطرف، كما يزعم قادة العالم وبعض المعلقين الدوليين.
لقد أعيد انتخاب ماكرون في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بواحدة من أسوأ النتائج في تاريخ الجمهورية الخامسة، 38.5%. وإذا أحصينا أولئك الذين امتنعوا عن التصويت، مع وضع ملايين الناخبين اسمه في نهاية المطاف على بطاقة الاقتراع فقط لتجنب استيلاء الفاشيين على البلاد، سنرى أن ماكرون لم يحظَ بثقة الشعب الفرنسي.
فوز ماكرون بأفكار لوبان
نعم لم تصل لوبان لقصر الإليزيه، لكن لم يُهزم اليمين المتطرف، وأصبحت مارين لوبان أقوى من أي وقت مضى بعدما حصلت على 13.3 مليون صوت؛ لذلك ليس هناك الكثير للاحتفال به من قِبل أنصار ماكرون وأعداء اليمين المتطرف.
وإذا هزم ماكرون، لوبان "رقمياً" في تأمين ولاية ثانية له، فإنه لم يهزم أيديولوجيتها العنصرية على الإطلاق، بل ساهم في تطبيع المجتمع معها بالكامل؛ إذ تفتخر حكومة ماكرون بتبني معظم أجندة اليمين المتطرف ضد المسلمين في مشروع قانون "مكافحة الانفصالية" سيئ السمعة، كما اعتبرت الحكومة الحالية أن مارين لوبان "ضعيفة للغاية" ضد المسلمين الانفصاليين.
ربما يعتبر هذا الطرح صحيحاً إذا ما نظرنا إلى حقيقة كون ماكرون الرئيس الذي أغلق المساجد دون سبب وجيه، وقام بحل منظمات حقوق الإنسان التي تحارب الإسلاموفوبيا في فرنسا، وتجريم دعم الفلسطينيين.
المسلمون الفرنسيون، الذين دعم الكثير منهم المرشح اليساري المهزوم، جان لوك ميلينشون، قلقون الآن بشأن ما يخبئه لهم المستقبل. فمن المرجح أن يكون لهذه الانتخابات تداعيات دائمة على الجالية المسلمة الفرنسية.
وعلى الرغم من جميع نقاط التمييز بينهما، يظهر المرشحان المتعارضان توحيداً ملحوظاً في معالجة ما يطلقون عليه مشلكة الإسلام في فرنسا.
وبعد انتخابه في عام 2017، لم يضيّع ماكرون وقتاً في استهداف الأقلية الفرنسية المسلمة ومراقبتها. ولقد مارس أقصى قدر من الضغط على أعضاء المجتمع المدني المسلمين؛ مما جعل عملهم اليومي صعباً بشكل لا يطاق، وشدد قبضة الدولة على ممارساتهم الدينية.
وتم حل الخدمات التي أنشأتها واستخدمتها الجالية المسلمة الفرنسية فعلياً بين عشية وضحاها بموجب مرسوم وزاري. وتم إغلاق أكثر من 718 مسجداً ومدرسة إسلامية ومنظمات يديرها مسلمون، بعد التحقيق مع أكثر من 24 ألف مؤسسة ومصادرة 46 مليون يورو (50 مليون دولار أمريكي) من أقلية محرومة اقتصادياً بالفعل.
إن هذه السياسة من الاضطهاد المعادي للمسلمين التي ترعاها الدولة يتم حجبها عمداً عن الرأي الدولي. وبعد إعادة انتخابه، سيواصل ماكرون هذه السياسة ويوسعها، وستفعل لوبان الشيء نفسه إذا تم انتخابها. فكل منهما يعتبر العقيدة الإسلامية وممارساتها المرئية "تهديدات حضارية"، ويرون أن "الانفصالية الإسلامية" يجب أن تعارَض بشكل قاطع.
ومن المسلّم به أن لوبان ذهبت إلى أبعد من ماكرون في اقتراح حظر ارتداء الحجاب أو الخمار، لكن ماكرون انتقده بشدة لسنوات، كما أن إضفاء الطابع المؤسسي على الاضطهاد المعادي للمسلمين لا يمكن إلا أن يعزز التشاؤم بشأن السلم الأهلي الفرنسي.
وبعد وصوله إلى السلطة، من المرجح أن يجد ماكرون الإلهام في مقترحات لوبان الجريئة، وإن كانت معادية للإسلام. والحقيقة المحزنة للمواطنين المسلمين في فرنسا هي أن كلا المرشحين سيجلب حكماً قوياً معادياً للإسلام، مع فارق بسيط.
وبغض النظر عن النتيجة في صناديق الاقتراع، فقد فاز بالفعل الاضطهاد ضد المسلمين.
عانى الحزبان اللذان هيمنا على المؤسسة السياسية الفرنسية لفترة طويلة (الاشتراكيون والجمهوريون)، من هزائم ساحقة في انتخابات هذا الشهر. ومن الواضح أنه تم استبدالهم بالقوى السياسية لماكرون ولوبان، اللذين تعززت وجهات نظرهما المعادية للإسلام من خلال عقدين من "الحرب على الإرهاب" والخوف المشترك من تراجع فرنسا على المسرح العالمي. ومن خلال اضطهادها المعادي للإسلام وإرادتها الإمبريالية المتجددة لقيادة أوروبا، أصبحت فرنسا الآن دولة رائدة مقارنة بأقرانها الأوروبيين.
ومع ذلك، فإن طموح فرنسا أكبر من إمكانياتها. وقد اتخذت البلاد بالفعل خطوات لإغراء نظرائها الأوروبيين بأن يحذوا حذوها في سياساتها المعادية للمسلمين.
ومع تولي فرنسا حالياً الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، استخدم ماكرون هذه المنصة لتصوير الحكم المعادي للمسلمين في البلاد باعتباره وسيلة فعالة لمنع الإرهاب، بل ودفع الاتحاد الأوروبي إلى تبني استراتيجية أمنية مشتركة على غرار رؤية فرنسا.
وكنتيجة مباشرة لهذه البيئة القمعية المتزايدة، يغادر المزيد والمزيد من المسلمين الفرنسيين البلاد. وهذا أمر مفهوم، لكن مع وجود ملايين المسلمين في فرنسا، فإنه ليس حلاً قابلاً للتطبيق للجميع. ماذا سيحدث إذن لأولئك الذين بقوا على التراب الفرنسي؟
وبما أن المسلمين الفرنسيين قد فشلوا باستمرار بسبب السياسة الانتخابية، يشعر الكثيرون أن صندوق الاقتراع لم يعد حلاً سياسياً قابلاً للتطبيق. بينما يزداد الوضع الداخلي سوءاً، تتجذر الآثار الروحية والنفسية والسياسية لهذا الاضطهاد.
وعلى الساحة الدولية، يتعين على المسلمين وحلفائهم أن يعارضوا بحزم تعصب فرنسا المعادي للإسلام.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.