مقابل كل طبيبين يمارسان مهنة الطب داخل الوطن، المغرب، يوجد طبيب واحد على الأقل يزاول المهنة الإنسانية في المهجر، بواقع 23 ألفاً في الداخل و14 ألفاً في الخارج، نصفهم في فرنسا.
32 ألف طبيب هو حجم الخصاص الذي تسجله بلادنا، مضافاً لقرابة 65 ألف عامل صحة، فيما يقدر وزير القطاع المدة الزمنية اللازمة لسد العجز في الممرضين، فقط، بربع قرن مما تعدون!
ميزانية الصحة في المغرب من بين الأضعف عالمياً، تتراوح بين 6% و7% من ميزانية الدولة المغربية، في حين توصي منظمة الصحة العالمية بحد مقبول لا يقل عن 12%.
الأسر في المغرب تتحمل بين 50% و60% من تكاليف العلاج، ما يثقل كاهلها إلى جانب خدمات أخرى كالتعليم، النقل، ويحد من ولوج المغاربة للعلاج الطبي، مفضلين طرقاً أرخص، وربما أخطر؛ مثل الأعشاب غير المرخصة والسحر.
أفواج من طلبة السنة الأخيرة، ومن الأطباء المقيمين، يستعدون للهجرة نحو ألمانيا بمجرد التخرج أو إنهاء العقود، أما من لم يختر الهجرة، فكثيرون يدفعون للدولة بين 90-150 مليوناً مقابل ترك الوظيفة العمومية، وإنشاء عيادات خاصة.
بعض من معلومات أوردها تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقبله تقارير كثيرة تحذر من أن قطاعات الإنسان في هذه الدولة السعيدة: التعليم والصحة يعانيان وضعا كارثياً بكل المعايير.
أما عن الحلول، فالحلول الترقيعية منها لم ولن تفيد؛ مثل تقليص فترة الدراسة من 7 إلى 6 سنوات، أو السماح للأطباء الأجانب، تحديداً الأفارقة، بالممارسة داخل المغرب.
تسريع التكوين والتأهيل لن تستفيد منه سوى ألمانيا ومثيلاتها، أما الأطباء الأجانب فلن يكونوا أحن على المغاربة من بني جلدتهم، إضافة للعائق اللغوي والثقافي.
الحلول الهيكلية لأزمة أطباء المغرب
1- تغيير عقليات من يحكمون، بالكف عن إضعاف قطاعات الإنسان واعتبارها بقرة لحلب الشعب آناء الليل وأطراف النهار.
في الدول المتقدمة، من أراد المال يستثمر في المعرفة والتطوير والتكنولوجيا، أما في المغرب فالصحة والتعليم أصبحا مجالَي من يبحث عن الكسب السريع والمضمون.
في المغرب تتميز المدرسة الخاصة بوجود مدرسين وعدم غيابهم وكراسٍ كافية لعدد التلاميذ. أما المستشفى الخاص فميزته وجود "سكانر"، جهاز الكشف بالرنين المغناطيسي، وإجراء عمليات في وضع آدمي. بالله عليكم أين هي القيمة المضافة؟
2- مضاعفة ميزانية الصحة بما يضمن تخريج ما يكفي من الأطباء والأطر الصحية، بناء وتجهيز المستشفيات، الاهتمام اللازم بالبحث العلمي لتجاوز فضيحة 20 درهماً لكل يوم بحث لباحثي الدكتوراة، مع تطبيق القانون وتشديده بما يردع تسيب القطاع العام وجشع الخواص.
3- إقرار تشريعات تحد أو تنظم من هجرة الأطباء بصفة خاصة وباقي العقول بصفة عامة. هنا يمكن الاقتداء بتجربة النهضة الماليزية 1981/2003، حين فرضت الدولة على من يرغب في الهجرة من الكوادر، وعلى الجهات والدول الراغبة في تشغيلهم، الالتزام المكتوب والقانوني بعودة العقول للبلاد بعد مدة تتراوح بين 3 و6 سنوات.
هذه الحلول وغيرها لن تكون قابلة للتطبيق سوى بتفعيل دولة العدل والكرامة، وإلا فسنبقى رهينة شعارات لا تسمن ولا تغني من جوع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.