جاءت المواقف الرسمية العربية من اقتحامات الأقصى تقليدية بالعموم لجهة الرفض والتنديد والدعوة لوقف الاقتحامات والممارسات الإسرائيلية بشكل عام، بينما أثّرت أنظمة الفلول الجدد والثورات المضادة سلباً على المواقف الشعبية وفعاليات التضامن والدعم للشعب الفلسطيني، كما كان الحال زمن صعود الثورات الأصيلة، ولذلك شهدنا اختلافاً ما في الدول التي يتسع فيها هامش التعبير الديمقراطي ولو نسبياً، كما هو الحال في الأردن والمغرب والكويت.
وعموماً ورسميا سنركز بشكل أساسي على المواقف المصرية والأردنية والإماراتية والمغربية، والتي كانت أكثر بروزاً، مع الانتباه إلى المواقف الخجولة لإيران وأذرعها، خاصة ذراعها الإقليمي المركزي حزب الله، الذي اكتفى، كما الأنظمة الرسمية والعربية، بالتنديد والتحذير من خطورة الممارسات الإسرائيلية رغم سقف خطابه العالي ضد الدولة العبرية، والتهديد بعدم الوقوف جانباً في أي معركة بالمسجد الأقصى، علماً أن اقتحامات المستوطنين وجيش الاحتلال للمسجد تواصلت لأسبوع؛ حيث بلغ عدد المقتحمين قرابة 5 آلاف مستوطن تقريباً.
المواقف العربية من التصعيد بالأقصى
رسمياً؛ جاء الموقف المصري سيئاً وضارّاً وخبيثاً مع خطاب إعلامي حذَّر ومنع تداول الحدث على نطاق واسع من قبل الأذرع الإعلامية التابعة للنظام. وعملياً وعلى الأرض، وعبر الوساطة المعتادة بين حركة حماس والاحتلال، بدأ النظام منحازاً، وفي الحد الأدنى متقبلاً الرواية الإسرائيلية، ومحملاً الفلسطينيين المسؤولية أيضاً عن التصعيد، رغم أنهم في موقف الضحية والدفاع، كما ضغط النظام على حماس بقوة لعدم الردّ وإطلاق الصواريخ ردّاً على الانتهاكات والاقتحامات الإسرائيلية، عبر التهديد بوقف مشاريع إعادة الإعمار المصرية، ووقف إدخال المواد والمستلزمات الإنسانية والضرورية إلى غزة.
الموقف الإماراتي جاء أفضل نسبياً من نظيره المصري مع الرفض والتنديد واستدعاء السفير الإسرائيلي للاحتجاج أمامه، وهو ما لم تفعله القاهرة مثلاً، غير أن أبوظبي أرسلت أيضاً رسائل مفادها أنها فعلت ذلك مضطرة أمام الغضب السياسي والشعبي والإعلامي محلياً وعربياً، خاصة عبر منابر الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث لا سيطرة لأنظمة الاستبداد عليها، إضافة إلى خشيتها من التأثيرات السلبية لاقتحامات الأقصى على موجة التطبيع الثنائية والإقليمية التي تقودها مع إسرائيل.
وفيما يخص المغرب فقد جاء موقفه الرسمي أقرب إلى نظيره الإماراتي لجهة التنديد والرفض والقلق من تداعيات الأحداث المقدسية على مسيرة العلاقات التطبيعية، وخشية ومن ردّ فعل الشارع المغربي المنتفض والرافض أصلاً لمسيرة التطبيع مع الدولة العبرية.
كان الموقف الرسمي الأردني، ولا شك، الأقوى عربياً، مع رفع سقف الخطاب السياسي والإعلامي، وعبر استدعاء القائم بالأعمال الإسرائيلي "لغياب السفير" للاحتجاج أمامه، وكلمة قوية لرئيس الوزراء أمام البرلمان الذي طالبت الغالبية الساحقة من أعضائه بطرد السفير الصهيوني، وقطع العلاقات مع تل أبيب.
يعود هذا الموقف الأردني إلى فهم النظام دلالات ما جرى لجهة سعي إسرائيل إلى جسّ النبض، وخلق وقائع تسمح بتكريس التقسيم الزماني والمكاني للحرم الشريف، والنيل من الوصاية الهاشمية على الحرم والمقدسات الإسلامية بشكل عام، وتجاهل الموظفين والحراس التابعين لوزارة الأوقاف الأردنية في ترتيبات زيارة الحرم، علماً أن هذه المهمة منوطة بهم حصراً أو افتراضاً. ومن هنا يخشى النظام الأردني من إضعاف وتآكل وصايته الدينية تمهيداً لإنهائها تماماً، ومنحها إلى المطبعين الجدد، في ظل حديث متواتر عن نية إسرائيلية لإغراء السعودية بها في حالة انضمامها للمسيرة التطبيعية، التي تقول تل أبيب: إنها باتت مسألة وقت فقط، مع الانتباه إلى ما قاله ولي العهد حاكم البلاد الفعلي محمد بن سلمان عن النظر إلى إسرائيل بوصفها حليفاً لا خصماً أو عدواً!
الموقف الأردني حرص كذلك على مجاراة الغضب الشعبي الواسع ضد الممارسات الإسرائيلية في ظل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة، والاحتقان المتزايد على خلفية الكشف عن فضائح فساد النظام الحاكم، واحتدام الخلافات والمعارك الداخلية بين أركانه.
في السياق نفسه، قالت صحيفة معاريف العبرية: إن عمان أرسلت رسائل تهدئة وطمأنة إلى تل أبيب لتفسير موقفها، وإنها اضطرت لمجاراة الشارع الغاضب والمتحفّز ضد النظام المطبّع، والمحتفظ بقنوات تنسيق أمني مستقرة مع إسرائيل.
أما مواقف العرب غير المطبّعين فجاءت كما العادة تقليدية جداً، حيث الشجب والتنديد والرفض ولكن دون أنياب حقيقية، أو أية وسيلة ضغط جدية وجماعية على الاحتلال لوقف ممارساته التهويدية والاستيطانية والقمعية في الحرم القدسي وفلسطين بشكل عام.
المواقف الشعبية
وفي المواقف الشعبية العربية غابت التظاهرات والفعاليات الجماعية المنظمة، رغم التأييد العارم على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو نتيجة مباشرة لسطوة أنظمة الاستبداد والفلول الجدد. وهنا يمكن النظر إلى الواقع المصري مثالاً، ومقارنته بمرحلة صعود الثورات وتموضعها على السكة الصحيحة زمن حرب غزة الثانية مثلاً عام 2012، التي استمرت لأسبوع تقريباً فقط، وتوقفت تحت ضغط التماهي بين الموقفين الرسمي والشعبي في مصر، وإطلاق العنان للجمهور للتعبير عن مواقفه؛ ما انعكس على العالم العربي بشكل عام، الذي يذهب حيث تذهب المحروسة، أقله في العقود السبعة الأخيرة منذ مرحلة الاستقلال فيما بعد الحرب العالمية الثانية منتصف القرن الماضي.
شعبياً أيضاً، ترجم اتساع هامش الحريات السياسية والإعلامية، ولو نسبياً، نفسه في تظاهرات وفعاليات جماعية ومنظمة في الأردن والمغرب والكويت أيضاً، بينما غابت عن تونس، في تعبير جلي وأكيد عن المرحلة التي يعيشها البلد بشكل عام، وتراجع أجواء الحرية والديمقراطية منذ انقلاب قيس سعيّد الصيف الماضي.
الموقف التركي جاء هادئاً بالعموم، لكن مع تحميل إسرائيل المسؤولية عن الانتهاكات والتصعيد، وتقبل الرواية الفلسطينية للأحداث، كما دعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه المشروع في السيادة والاستقلال.
جاء موقف إيران وحلفائها العرب، خاصة ذراعها الإقليمي المركزي حزب الله، تقليدياً وخجولاً بتحذيره من إغضاب مليار مسلم وإدانة الاقتحامات، حيث بدا موقفه مشابهاً تماماً لمواقف الأنظمة العربية الرسمية، حتى المطبّعة منها، رغم سقف الخطاب العالي للحزب، والتهديد بالانخراط في معركة الأقصى، إلا أن الطريق إلى القدس تبدو بعيدة جداً عنه بعدما تاه في زواريب لبنان وسوريا والعراق واليمن، وفق معادلة نكون حيث يجب أن نكون، حسب العبارة الشهيرة لأمينه العام حسن نصر الله.
في المواقف الإسلامية العامة بدا لافتاً ومهماً جداً ما كتبته صحيفة معاريف العبرية أيضاً عن مكانة الأقصى والقدس في الوجدان العربي والإسلامي، والغضب الإسلامي وقدرته على إنزال الناس إلى الشوارع من العاصمة الإندونيسية جاكرتا شرقاً إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط غرباً؛ ما مثّل سبباً أو أحد أسباب التراجع الإسرائيلي وضغط الوسطاء العرب والإقليميين والدوليين للتهدئة والحفاظ على الواقع الراهن، أقله في المدى المنظور، إضافة طبعاً إلى السبب المركزي الذي كتبنا عنه هنا الأسبوع الماضي، والمتمثل بالصمود والثبات الفلسطيني الأسطوري، والتصدي الحازم والعنيد للاقتحامات الإسرائيلية، ورفع ثمنها، بل أثمانها، على الدولة العبرية، في سياقات عدة سياسية وأمنية وإعلامية واقتصادية أيضاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.