في التاسع والعشرين من مارس، وفي العاصمة داكار، خرج محمد النني من مباراة مصر والسنغال بدقة تمرير بلغت 40% فقط طوال الدقائق التي لعبها في المباراة، وبعدما كانت دقة التمريرات هي ما يميز محمد النني طوال مسيرته، وتشفع له إحصائياته دائماً أمام الجماهير؛ إلا أنه، وفي هذه المرة، كانت الأرقام أكثر ما أثار غضب المصريين على محمد النني.
بعدها بما يقرب من شهر واحد، استطاع محمد الننّي أن يكون الركيزة الأساسية للأرسنال في إحدى أهم مباريات الموسم أمام مانشستر يونايتد، ويصبح أحد الأعمدة الأساسية في الخروج بالكرة وامتصاص ضغط خط منتصف اليونايتد طوال المباراة.
وفي الديربي اللندني أمام تشيلسي وأمام أحد أقوى لاعبي خطوط الوسط في العالم نجولو كانتي؛ كان القادم من دكة البدلاء، والبعيد عن المشاركة محمد النني، على قدر توقعات الجماهير، وأكبر بكثير من تطلعات جماهير أخرى، واستطاع أن يقدم أدواره بأريحية تامة حصل بها على الثناء من الجماهير والمحللين ومن مدربه أرتيتا بشكل شخصي، والذي خرج في تصريحاته واصفاً الننّي "بالظاهرة"، وأنه يعد واحداً من أهم لاعبي الأرسنال في الوقت الحالي.
تصريحات أرتيتا أوضحت السر خلف مشاركة النني مع كل المدربين، وأنه دائماً لاعبهم المفضل؛ حيث عبّر قائلاً: "ما يميز النني هو ما يفعله عندما يلعب، وأيضاً ما يفعله حينما يكون على دكة البدلاء، هو لاعب استثنائي وعظيم، وفي بعض الأحيان لا يحصل على التقدير الذي يستحقه".
فما سر هذا التحول الرهيب بين نني "مصر" ونني "لندن"؟
الجودة التكتيكية ودور النني في منظومة أرتيتا
ما تشهده مباراة مثل هذه من صراعات تكتيكية وبدنية وفنية هي صراعات لا يستهان بها، كل ما تتميز به مباريات الديربي ستجده في ديربي لندن التاريخي؛ من سرعة إيقاع اللعب، والضغط الجماهيري في المنافسة التاريخية التي لا تدخل في اعتبارات النقاط والمراكز، وإنما الفوز بها يعد بطولة في حد ذاته.
فماذا إذا تحولت تلك المنافسة إلى قتال على مركز مؤهلٍ للأبطال؟ بالطبع مثل تلك المباريات سيكشف فيها اللاعبون "الفقاعة" ومن لا يستحق المشاركة بقميص أحد الفريقين، وبالنظر لأداء النني في اللقاءين الماضيين يثبت النني إمكانياته الفنية والبدنية في حجز مكانٍ في قائمة الأرسنال، فلم يتعرض النني لأي التحام أرضي إلا واستطاع الفوز به بنسبة نجاح 100%! كما تفوق في التحام هوائي من أصل اثنين، واستطاع استرجاع الكرة ست مرات في منتصف الملعب.
إحصائيات ليست بالهينة للاعب منتصف ملعب في مباراة من هذا النوع، ووضح ذلك في ردود الفعل بعد المباراة من جماهير الجانرز الذين أكدوا ثبات مستوى الأرسنال الذي حافظ عليه النني على الرغم من الإصابة التي تعرض لها توماس بارتي، وظهر أيضاً بشكل قوي تكوينُ النني البدني والجسدي الذي ساعده بشكل قوي في ألّا تتم مراوغته ولا مرة أمام المان يونايتد، وأن يصبح أكثر من استعاد الكرة في المباراة.
والتطور البارز الذي رأيناه في آخر المباريات، عكس ما اعتدنا عليه من نسخة النني الكلاسيكية، هو ما أشار إليه أيان رايت أسطورة أرسنال بعد المباراة من أن النني من نوعية اللاعبين الذين يريدون تمرير الكرة إلى الأمام، وكانت تلك إحدى مشكلاته الفنية الأساسية، وهي ندرة التمريرات الطولية على الرغم من استطاعته القيام بها وبجودة فائقة، وخوفه من أخذ المخاطرة، والاعتماد على التمريرات بعرض الملعب وإلى الخلف.
واختتم رايت تصريحاته قائلاً: "قد يغادر النني، ولكنه لاعب غير متخاذل، تجده حين يحتاج الفريق، وهو جدير بالثقة ولا يخذل فريقه أبداً".
جنة الأرسنال الآمنة أم الخروج لتحدٍّ جديد
"إذا قال لي الأرسنال: "نريدك أن تبقى"، فلن أفكر في الرحيل، إنهم عائلتي منذ ست سنوات، وأنا أحب هذا النادي". هكذا صرح النني بعد انتهاء مباراة الأرسنال ومانشستر يونايتد.
في فترة الانتقالات الماضية اقترب النني كثيراً من الرحيل، وتحدثت العديد من التقارير الإنجليزية عن عروض في الدوري الإسباني والإنجليزي والتركي بعد اقتراب انتهاء عقده في يناير القادم، وعلى الرغم من ذلك بعد الأداء المفاجئ الذي قدمه في المباريات الأخيرة أشارت التقارير إلى أن المدير الفني الإسباني أرتيتا قد أشار للنني بإيقاف كل المفاوضات في الوقت الحالي حتى نهاية الموسم، ربما لرغبته في تجديد عقد النجم المصري "المظلوم"!
وظهر ذلك في تصريحاته الأخيرة بعد سؤاله عن مستقبل الننّي؛ حيث أكد: سننتظر إلى نهاية الموسم لنرى، وأنه لا ينوي التفريط في أي لاعب من لاعبي الفريق في يناير، وأنه يريد الحفاظ على قوام الفريق.
ولكن الكثير كان لديه تحفظ كبير على طموحات الننّي، خصوصاً أنه، وبعد خروجه للإعارة إلى بشكتاش، عاد النني لمستواه المعتاد، خصوصاً أنه من اللاعبين الذين يحتاجون للمشاركة باستمرار للوصول إلى أفضل مستوياته، فما الذي يجبر النني على قبول دكة الأرسنال وتصريحه أنه ليست لديه مشكلة في الوجود في الأرسنال، حتى لو كان مكانه الأساسي دكة الاحتياط؟ ربما يتغير الوضع مع الأيام ويكون أساسياً أكثر في الملعب.
نهايةً؛ على الرغم من أداء الننّي المخيب مع المنتخب المصري، والذي أثار مثل تلك الآراء؛ فإنه في الوقت الحالي، ومع طموح النني الواضح في أخذ مكان في منظومة أرتيتا القوية الطموحة، وباستمراره في ذلك النسق التصاعدي في الأداء؛ فهو يثبت للجميع استحقاقه، ويجبر الجمهور المصري والإنجليزي على دعمه وانتظاره عنصراً أساسيًا في مشروع أرتيتا.
والأهم، أن الننّي، في رأيي، سيذكر بوصفه أحد أنجح النماذج في تاريخ الكرة المصرية في الاحتراف والأخلاق، ونموذج للنجاح، وستثبت الأيام ذلك، وما زال صاحب الـ29 عاماً لديه الكثير من العطاء ليقدمه، وهذا ما يثبته للجميع يوماً بعد يوم، فما زالت ثقتنا في النني قوية، وبانتظار ما سيقدمه في الموسم الاستثنائي للأرسنال، ولنرى كيف سيحسن استغلال الفرصة حتى عودة بارتي من الإصابة، ويعيد ثقة مشجعي الأرسنال فيه، كما رأينا من ردود فعلهم التي تحتفي به خلال الأيام الماضية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.