لماذا أصبحت الدولة المصرية مضطرة لبيع أصولها؟

عدد القراءات
743
عربي بوست
تم النشر: 2022/04/22 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/06/06 الساعة 12:31 بتوقيت غرينتش
GETTY IMAGES

الشروع في بيع أصول الدولة المصرية والإعلان عنه ومحاولة تبريره، هو إعلان ضمني من قبل النظام المصري للعالم بأن البلاد تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، وأن شبح إفلاس الدولة المصرية بات خطراً حقيقياً. وللتوضيح، إفلاس الدولة هو عجزها عن سداد ديونها.

الشروع في بيع أصول الدولة المصرية يتم إخراجه في هيئة "مزاد علني" فُتحت  أبوابه على عجالة للراغبين في شراء أصول الدولة وبأي ثمن، دون دراسات متأنية أو أبحاث دقيقة عن مدى خطر ذلك "المزاد" على أمن الدولة المصري القومي. لا عجب، فلقد أعلن الرئيس السيسي من قبل أنه لا يلقي بالاً لدراسات الجدوى.
يبدو الأمر الآن وكأن الزمرة الحاكمة على عجلة من أمرها لتحقيق هدف ما، ربما وثبوا على الحكم من أجله، وكأنهم يتسابقون لتنفيذ المشروع الذي كُلِّفُوا به وحملوه على عاتقهم طيلة الوقت ودون أي شيء آخر.

بيع أصول الدولة

نعم. عملية طرح أصول الدولة للبيع تعتبر بمثابة دعوة لمزاد علني، تشارك فيه كبريات الشركات والدول الرأسمالية، ذات الهيمنة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، والتي تمتلك معظم ثروات العالم ومنها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وهيئات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والجهات المانحة للقروض المشروطة لمصر وصاحبة المشروع الذي يراد تنفيذه في البلاد والمخطط له من أيام مبارك، خصخصة الخدمات ورفع الدعم ومن ثم شراء أصول الدولة المصرية.

 بيع أصول الدولة المصرية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي – وسائل التواصل

نعم كان مخططاً لتنفيذ هذا السيناريو إبان حكم نظام مبارك والذي شرع في تنفيذه على استحياء وليس بأسلوب اليوم الفج. لا فروق جوهرية بين ما يتم اليوم وما تمّ بالأمس إلا في مدى سرعة التنفيذ، النظام الحالي ليس إلا امتداداً لسابقه.

قبل أكثر من عقد، أعلن وزير الاستثمار في حكومة مبارك، محمود محيي الدين ونائب رئيس الحزب الوطني الديمقراطي جمال مبارك عن مقترح لتطبيق نظام "الخصخصة بالقسائم" أي عن طريق توزيع أسهم مجانية على المواطنين في 86 شركة عامة من أصل 153 شركة من المزمع خصخصتها. بموجب الخطة المقترحة، توزّع الحكومة أسهماً على نحو 40 مليون مصري في الحادية والعشرين من العمر وما فوق.

بدأت الخصخصة وبيع الشركات الناجحة مع دخول جمال مبارك وأصدقائه على الخط، فآلت ملكية عديد الشركات لمستثمرين أجانب بطريقة غير مباشرة، عبر رجال أعمال مصريين لهم ارتباطات مع رجال أعمال أجانب وعن طريق اتفاقية "الكويز" التي وفَّرت الغطاء القانوني والشرعي لها، وفتحت الباب للتعاون الإسرائيلي الأمريكي المصري والتي كان مهندسها جمال مبارك.

ثم أتى النظام الحاكم الحالي ليكمل تنفيذ المشروع والذي بدأ به النظام السابق ولكن "على تقيل" وبأسلوب فج وصريح وبخطى متسارعة، وأضيف للمشروع الحالي مشروع لتقويض الأمن القومي المصري جيوغرافياً ومائياً.

فبدأت الزمرة العسكرية بالتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، ثم التفريط في حقوق مصر المائية، ثم انتشرت فضائح تهريب بيع آثار، ثم تجريف مناطق بأكملها في سيناء بعد تهجير سكانها بالكامل قسراً وتدمير منازلهم والتي بدأت تمهِّد الطريق لتفريغ مناطق مهمة بالكامل في سيناء من سكانها المصريين، وليس هذا فحسب، بل قاموا بإنشاء نقاط تفتيش على مداخل سيناء تمنع عبور المصريين إليها إلا بتصاريح، وكأن المرء يعبر حدود دولة أجنبية. 

ساعد على الشروع في بيع أصول الدولة المصرية منذ عقود وحتى الآن العوامل التالية:

• الأسلوب المتخبط أحياناً والمتردي أحياناً في إدارة البلاد ومواردها منذ أيام جمال عبد الناصر وحتى الآن. وهذا مرده أن جميع الحكام تخرجوا من مدرسة واحدة، تعلموا نفس المنهج ويحملون نفس الفكر تقريباً.
• انتشار الفساد ورعايته كثقافة في الدولة.

• هيمنة مراكز القوى في الدولة المصرية وبعض رجال الأعمال على القرار السياسي في الدولة، وعلى مؤسسات الدولة وخصوصاً المؤسسة التشريعية.

• تقييد الحريات وزيادة القبضة البوليسية والعصف بالحقوق، لفتح الباب لسرقة المال العام وتجريف مقدرات البلاد، في ظل غياب رقابي تام على السلطة التنفيذية وعلى المال العام.

• التبعية المطلقة للخارج ومحاولة تنفيذ مشاريعهم في مصر، لكسب تأييدهم وإضفاء شرعية على حكمهم وزيادة قبضتهم على السلطة وعلى حساب الإرادة الشرعية.

• هدم العنصر البشري ثقافياً واجتماعياً وصحياً وسلوكياً ودينياً، بجانب الزج بالكثير منهم في المعتقلات والتضييق على آخرين ومطاردتهم، وذلك من أجل تسهيل السيطرة على السلطة.

كل ذلك وأكثر أدى إلى تجريف الدولة وضعفها وهدم اقتصادها وإغراقها في الديون حتى غرقت في بحر الديون.

لا أدري متى نعي حجم الكارثة التي نمر بها ونبدأ في تغيير المسار قبل أن تحق علينا سنن الكون. متى نبدأ في الإجراءات الإصلاحية الجذرية الشاملة لتعزيز قدراتنا، وعلى رأسها تغيير منظومة الحكم الحالي والذي امتد لسبعة عقود، وتأسيس نظام حكم مدني ديمقراطي جديد، يصون الحريات ويحقق العدل والمساواة في البلاد ويقضي على الفساد؟

ومتى يستشعر عناصر نظام الحكم الحالي الحرج ويعترفون بالفشل في إدارة البلاد، والذي تسبب في دفع الدولة إلى هذا المنحدر المظلم الخطير، ويتنحون عن الحكم وعن إدارة البلاد وينهون تحكمه في مفاصل الدولة؟

أسئلة أتمنى أن تجد آذاناً مصغية!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

يسري عبدالعزيز
كاتب مقيم في ألمانيا
كاتب ومهندس مصري مقيم في ألمانيا
تحميل المزيد