خسروا بفارق ضئيل وكادوا يفجّرون مفاجأة مدوية.. هل يصبح المسلمون في فرنسا قوة سياسية في المستقبل؟

عدد القراءات
569
عربي بوست
تم النشر: 2022/04/22 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/22 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش
ماكرون ولوبان إلى جولة الإعادة في تكرار لسيناريو 2017/ رويترز

أسفر الدور الأول من الانتخابات الرئاسية الفرنسية عن فوز كل من مرشح حزب "الجمهورية إلى الأمام" والرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون، ومرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، زعيمة حزب "التجمع الوطني"، في حين نجح المرشح اليساري جان لوك ميلانشون، في إحداث مفاجأة كادت أن تغيّر المسار الانتخابي برمته، حينما احتل المرتبة الثالثة في اقتراع الجولة الأولى، يوم 10 إبريل/نيسان، إذ لم يفصله عن المرور إلى الدور الثاني الذي سيعقد في 24 أبريل/نيسان، إلا نسبة قليلة من الأصوات. 

رد فعل الناخب المسلم  

شهدت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية دوراً مميزاً للناخبين المسلمين، الذين خرجوا بكثافة واسعة للإدلاء بأصواتهم وجعلوا أصواتهم مسموعة، متحدين الحضور الطاغي للخطاب المعادي للمهاجرين العرب والمسلمين في أكثر من حملة انتخابية لجملة مرشحي اليمين واليمين المتطرف.
حسب استطلاع للرأي أجراه معهد "IFOP" يوم الأحد 10 أبريل/نيسان فقد صوّت المسلمون لمرشح حزب "فرنسا الأبية" جان لوك ميلانشون بنسبة 69%، خاصة في ضواحي المدن الكبرى. 

يعود ذلك إلى أن جان لوك ميلانشون، كان المرشح الرئاسي الوحيد الذي استنكر بشكل واضح وصريح الخطاب المعادي للمهاجرين العرب والمسلمين، علاوة على مواقفه المعروفة في مناهضة الدفق المتصاعد للعنصرية، التي ما انفكت تجتاح الفضاء العام الفرنسي طيلة السنوات الأخيرة.

ولذلك فقد خلفت خسارته الطفيفة ليلة الأحد، والتي لم تتجاوز نسبة 0.8٪ لصالح مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، شعوراً واسعاً بالإحباط وخيبة الأمل لدى الناخبين المسلمين، وخاصة الشباب منهم. 

أما فيما يتعلق بالدور الثاني، فإن الناخب المسلم يتوزع حالياً بين اتجاهين رئيسيين: الأول، ورغم انتقاداته الشديدة للرئيس ماكرون، فإنه يرى أن منطق "أخف الضررين"، يقتضي لزاماً التصويت له، لأن مارين لوبان ستكون أسوأ بكثير منه وفوزها سيمثل كارثة لمسلمي فرنسا.

أما التوجه الثاني، فإنه يعتبر أن ماكرون قد خان أصواتهم سابقاً، بعد تبنيه سياسات قمعية ضد المسلمين لم تكن موجودة قبل قدومه، وأنه لا يجب التصويت لصالحه، حتى ولو كان ذلك نكاية في لوبان وبهدف قطع الطريق أمامها. يعتبر هذا التوجه أن ماكرون لا يقل خطورة عن مارين لوبان، ويفضل أن يحرص المسلمون على تثبيت موقفهم المعارض لكلا المرشحين، إما بمقاطعة الدور الثاني بشكل كامل، أو من خلال التصويت بالورقة البيضاء فيما يعرف بالتصويت الاحتجاجي. 

بينما تخشى شرائح واسعة من العرب والمسلمين عواقب فوز مارين لوبان، خاصة بعد ما تضمن برنامجها الانتخابي تدابير معادية وبشكل جذري للمسلمين، مثل حظر ارتداء الخمار في الأماكن العمومية وإغلاق المذابح الحلال، أو إلغاء المنح والمساعدات الاجتماعية للمهاجرين الذين لم تتجاوز إقامتهم القانونية في فرنسا الخمس سنوات على الأقل. ناهيك عن خطر تنامي خطاب الكراهية واتساع دائرة الأعمال المعادية للإسلام في المجتمع.

ماريان لوبان رويترز نهائي
المرشحة الرئاسية الفرنسية ماريان لوبان/رويترز

من جهة أخرى فإن إعادة انتخاب ماكرون سنعني أن سياسته المعادية للإسلام ستستمر أيضاً، فقد أغلقت الدولة قبل أسابيع قليلة مسجداً بشكل تعسفي في مقاطعة "بوردو" على أساس ذرائع سخيفة ومضللة، كما أن الرئيس ماكرون قد صادق منذ مدة على ما سمي بقانون "تعزيز المبادئ الجمهورية" الذي اعتبره مسلمو فرنسا قانوناً جاحداً في حقهم ومضراً بمصالحهم.

السياسة في قائمة تسوّق رمضان

تجري هذه الانتخابات خلال شهر رمضان الكريم، الذي يؤدي فيه الملايين من مسلمي فرنسا كغيرهم من مسلمي العالم، فريضة الركن الرابع في ديننا الحنيف إيماناً واحتساباً، في أجواء ورونق خاص، تتفاعل فيها التقاليد والعادات المتنوعة باختلاف البلدان الأصلية للمهاجرين (المغاربي، والساحل الإفريقي وحتى القرن الإفريقي)، والتي تنعكس بصورة بديعة من الوئام والتقارب والثراء والتلاقح الثقافي على موائد رمضان.

كما أن رمضان هذه السنة يكتسب طابعاً خاصاً، إذ تعاد فيه ولأول مرة منذ سنتين فتح أبواب المساجد أمام مصلي التراويح، بعد أن ظلت المساجد مغلقة منذ انتشار جائحة كورونا وما صاحبها من إجراءات التباعد الاجتماعي، فكانوا مجبرين على إقامة صلاة التراويح وغيرها في البيوت. ولكن هذا العام فتحت المساجد وتراصت الصفوف واطمأنت القلوب، حيث تستقبل المساجد في فرنسا يومياً وكل ليلة، أعداداً غفيرة من المصلين يتوافد الكثير منهم في أفواج عائلية كبيرة، تجمع الأب بزوجته وأبنائه، والجد بأحفاده وحفيداته، والأخ بأبناء عمومته وأخواله، راجين جميعاً من الله عز وجل قبول الدعاء وقوام سيرة الأبناء على طاعة الله وحب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في ديار الغربة والمهجر. 

عززت هذه الأجواء عزوف الكثيرين عن قضاء شهر رمضان الكريم في أوطانهم الأصلية بعد جائحة كوفيد-19 وتداعياتها الصحية والإجراءات الاحترازية المتخذة من قبل الدول المغاربية مثل الجزائر، إذ إن عدداً كبيراً من الجزائريين لم يزوروا بلدهم منذ أكثر من عامين بسبب الإجراءات الصحية التي اتخذتها سلطات البلاد.

اهتمام الصائمين بشهر رمضان دفع بهم في هذا الشهر الكريم إلى التركيز على توفير المنتجات الغذائية التي تزدان بها مائدة رمضان في الإفطار والسحور، وهذا ما نراه في أسواق ضواحي المدن الكبرى وبالأخص في "الحي الشعبي" الباريسي، أين يشعر المار كأنه بباب الواد بالجزائر. جو رمضاني بامتياز، كل أنواع الحلويات وعلى رأسها "زلابية بوفاريك".

هذا الحي الباريسي العريق أصبح يدعى عند جماعة آل لوبان وزمرة المتطرف إيريك زمور من نخب ورجال الإعلام والمثقفين بـ"سيدي بولعباس" وهي مدينة بالغرب الجزائري. وبسبب وجود كثافة ديموغرافية وتنوع عرقي بات يقلق مناصري اليمين واليمين المتطرف من الحي الشعبي بباريس كونه أصبح- بالنسبة لهم- مركز الانفصال العرقي والتطرف الديني في فرنسا.

حتى المراكز التجارية الكبرى اجتهدت وعززت عرض مواد غذائية إسلامية بمحلاتها لجذب المستهلك المسلم، هذا ما يجعل المتابع لشأن الجالية/الجاليات المسلمة في فرنسا، يستنتج بأن المسلمين قد أصبحوا فعلاً قوة اجتماعية واقتصادية رغم كل المضايقات في فرص العمل والإعلام المحرض على كراهية المسلمين الملتزمين والأسلوب النمطي لدى أغلبية الفرنسيين.

وكانت خرجة وزير الداخلية جيرالد (موسى) دارمانان قبل عامين، منزعجاً من وجود أقسام خاصة بالمنتجات الغذائية الحلال بالمتاجر في فرنسا قائلاً: "إن وجود المنتجات الحلال بالمتاجر تصدمه، وإنه منزعج من وجودها بشكل شخصي"، علماً أن الوزير من أصول جزائرية مسلمة.

عند الحديث عن رمضان الكريم، نتحدث عن التضامن وتنظيم الإفطار الجماعي في المساجد ما بين المسلمين — على عكس العامين الماضيين، لاسيما في أعقاب الجائحة هذا العام عاد جو الكرم والمبادرات الأخوية في جمع وتوزيع الأغذية ووجبات الإفطار والمساعدات المادية على المحتاجين. 

كون رمضان الكريم هو أيضاً شهر التأمل والأمل، يبقى المسلمون في فرنسا يتابعون الحدث الانتخابي حيث الموضوع حاضر في كل مكان في المنازل عند الإفطار، في المحلات العربية والمسلمة حتى في المسجد بعد صلاة التراويح وفي المقاهي العربية الليلية على طاولة الدومين، هذا هو لغز المسلم في فرنسا هو مسيّس حتى النخاع، يعبر عن رأيه كما يريد وبكل حرية وصوته يحسب لمرشحه، هذا ما تفتقره مئات الآلاف من أبناء الجالية المسلمة والعربية في أوطانها الأم. 

نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية

كما كان متوقعاً أن خروج الناخب المسلم بكثافة وقد شكّل كتلة انتخابية لا يستهان بها في الانتخابات التشريعية المقبلة في شهر يونيو/حزيران المقبل، والتي سوف تعد بمثابة الشوط الثالث لرئاسيات أبريل/نيسان 2022 وبالتالي سوف يدفعون بآلية مسار اقتراع 10 أبريل/نيسان مرة أخرى لمرشحي حزب "فرنسا الأبية".

الغريب في هذا السياق الانتخابي الفريد في عهد الجمهورية الخامسة هو تعاطف أغلبية الناخب المسلم مع اليسار في عهد اللاأيديولوجية وانهيار الأحزاب الكلاسيكية كالحزب
"الاشتراكي" وحزب "الجمهوريين".

على السياسي المسلم أن يتوحد ويفكر مستقبلاً في وضع استراتيجية في تعاطيها مع قضاياه المشروعة في الشأن العام لدفع الطبقة السياسية نخبة وأحزاباً أن تحسب له ألف حساب؛ مما يجعل قوى اليمين المتطرّف التي خرجت منتصرة بطعم خسارة من اقتراع  10 أبريل/نيسان. 

ماكرون فرنسا الانتخابات الرئاسية الفرنسية
الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، إيمانويل ماكرون – Getty Images

من المرجح أن إعادة إنتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون سوف تعيد الأمل لمواطنيه وقد تستيقظ فرنسا من كابوس تطرفها، لكن الأمر سيستغرق وقتاً كون المجتمع منقسماً بين مدنه الكبرى التي صوتت للرئيس ماكرون بأغلبية كبيرة والأرياف التي صوتت لمارين لوبان، وبينهما المحيط الذي صوّت لمرشح فرنسا الأبية.

لهذا على المسلمين أن يتموقعوا على مسافة بين الرئيس ماكرون الذي هو وجماعته المتشددة في فريقه الحكومي يريدون تدجين المسلمين، والاستسلام للسياسيين ووسائل الإعلام والنخبة المعادية للإسلام، وجدوا في الإسلام والمسلمين كبش فداء بسبب فشلهم الاقتصادي وإفلاسهم الفكري والسياسي. 

على المسلمين في الغرب وفي فرنسا خصوصاً ممارسة عقيدتهم دون خوف أو شعور بذنب جرائم لم يرتكبوها؛ لأنهم يعيشون في بلدان فيها قوانين تحميهم، على الناخب المسلم خاصة الشباب عليهم مساءلة وحث "قادتهم" على إعادة توحيد صفوفهم كما هم يصطفون هذه الأيام والليالي في الصلاة والتلاحم، تعيش فرنسا اليوم خطر اليمين المتطرف في ظل عزوف كبير من الناخبين الفرنسيين على رأسهم المسلمون بسبب سياسات عامة استعلائية لرئيس تجرأ على استفزاز المسلمين على أزمة الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً يوماً: "إن فرنسا لن تغير حقها في حرية التعبير فقط لأنه يثير أزمة في الخارج"، مضيفاً أن الإسلام كدين هو في أزمة هذا الخطاب الفرنسي الرسمي الذي غذى خطاب الهوية الوطنية الاستقصائي وتعميم الإسلاموفوبيا في الفضاء العام.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالنور تومي
كاتب وباحث جزائري
صحفي متخصص في شؤون دراسات شمال إفريقيا في مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام). حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة تولوز في فرنسا. له مقالات تنشر في صحيفة ديلي صباح اليومية التي تصدر باللغة الإنجليزية في تركيا. عمل محاضراً في قسم دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في كلية بورتلاند كوميونيتي. وفي الوقت نفسه كان عضواً في مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة ولاية بورتلاند.
تحميل المزيد