لا يزال الأقصى الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين، يُدنس من قبل الصهاينة المستوطنين، فمنذ بداية شهر رمضان المبارك، تكثّفت دعوات واستعدادات "جماعات الهيكل" المزعوم وحاخاماتها لتقديم ما يُسمى "قربان الفصح" داخل المسجد الأقصى المبارك مساء يوم الجمعة الموافق 14 رمضان، ورصدت مكافآت مالية لمن يتمكن من إدخاله.
ومنذ العام 2014، و"جماعات الهيكل" المتطرفة تعمل على الإحياء العملي لطقوس "القربان" داخل المسجد الأقصى، وتجري تدريبات عملية لتحقيق ذلك.
ونفذت "جماعات الهيكل" محاكاة لـ"تقديم القربان" في منطقة القصور الأموية الملاصقة للأقصى، يوم الإثنين الموافق (11–4- 2022)، وتُصرّ الجماعات المتطرفة على إحياء طقوس "القربان"، كونها تشكل إحياءً لـ"الهيكل" المزعوم، فماذا يعني "ذبح القرابين" في المسجد الأقصى، وما أهمية مثل هذه الخطوة بالنسبة لتلك الجماعات؟
وفق تعاليم هذه الجماعات، فإن القربان يجب أن يذبح عشية عيد الفصح في الرابع عشر من أبريل/نيسان العبري الذي يوافق مساء يوم الجمعة الرابع عشر من شهر رمضان، وأن ينثر دمه عند قبة السلسلة التي يزعم المتطرفون الصهاينة أنها بُنيت لإخفاء آثار المذبح التوراتي. ولولا صمود المقدسيين المرابطين، وبسالة أهل فلسطين في الوقوف ضد هذه الانتهاكات لتحقق لهم ما يريدون، وخصوصاً أن العالم منشغل بالحرب الروسية الأوكرانية.
ولم تكن هذه المرة الأولى لتلك المحاولات الاستفزازية في حق المسجد الأقصى، بل سبقتها محاولات أخرى، في أماكن مختلفة لذبح القرابين في عيد الفصح اليهودي، ولولا تصدي المرابطين بصدورهم العارية، وعزيمتهم القوية لهذه المحاولات، لقام المستوطنون بمعاونة المحتل بتدنيس الأقصى بتلك القرابين.
ومنذ الاحتلال الصهيوني لفلسطين والمحاولات حثيثة ودؤوبة لتدمير المسجد الأقصى، وإزالته وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، وهم يعملون على تحقيق ذلكَ بشَتَّى الطُّرق والحيل والمُخططات.. فكان الحريق الإجرامي الشهير الذي وقع للمسجد عام 1967م، وقبله وبعده العديد من الاختراقات التي قام بها متطرّفون صهاينة في حماية سلطات الاحتلال، وكل عام تدعو جماعة أبناء الهيكل إلى اقتحام المسجد والتمهيد لإقامة الهيكل، حسب زعمهم.
المطبِّعون والخطيئة الكبرى
لا تفتأ الأنظمة العربية التي هرولت للتطبيع مع العدو الصهيوني إن تستثير الرأي العام العربي والإسلامي، حتى في ذروة الانتهاكات التي يمارسها المحتل الإسرائيلي ضد الأقصى والمقدسيين، فنجد أن دولة الإمارات التي تقود قطار التطبيع تعلن من خلال سفارتها في تل أبيب أنهم أرسلوا التهاني لليهود بعيد الفصح اليهودي، حيث نشرت سفارة الإمارات في تل أبيب الجمعة الموافق (15-4-2022) تغريدة على حسابها الرسمي على تويتر بمناسبة عيد الفصح لدى اليهود تمنت فيه "لشعب إسرائيل عطلة سعيدة في عيد فصح مليء بالسلام والمحبة"، ولم يكتفوا بذلك فقط، بل تم الإعلان أنه سيتم تخصيص حي لليهود في الإمارات، بعد أن كشف الحاخام الأكبر للمجلس اليهودي الإماراتي في دولة الإمارات، "إيلي عبادي"، عن خطط لتطوير أول حي يهودي مخصص في مجلس التعاون الخليجي، يضم كليات ومؤسسات لآلاف اليهود الذين اتخذوا من الإمارات مقراً لهم.
وقد سبق في سبتمبر/أيلول 2020 أن أصدرت دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي تعليمات جديدة للفنادق كخطوة إضافية لتعزيز العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، بأن فرضت عليها الالتزام بتجهيز وجبات "كوشر" لليهود المحافظين في كل المنشآت التي تقدم الطعام في أبوظبي. والكوشر هو ما يطلقه اليهود على الطعام الحلال، حسب أحكام شريعتهم.
وفي شهر يوليو/تموز 2021 أصرّت الإمارات على ارتكاب خطيئة كبرى بحق الشعب الفلسطيني الشقيق ومقاومته ونضاله ضد الاحتلال الإسرائيلي، حينما افتتحت سفارتها في تل أبيب بحضور رئيس دولة الاحتلال، "يتسحاق هرتسوغ".
ومن المؤسف والمخزي أيضاً، وأثناء الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة على الأقصى نقرأ تدوينة للسفارة الإسرائيلية في مصر على صفحتها على موقع التدوينات القصيرة تويتر يوم الأحد الموافق (17-4-2022)، تقول فيها: "في حدث مؤثر وتاريخي، أقلعت صباح اليوم الأحد، أول رحلة طيران مباشر من تل أبيب إلى شرم الشيخ، كما لوحظ ازدحام كبير على معبر طابا حيث يتوجه خلال هذا الأسبوع، آلاف السياح الإسرائيليين إلى شرم الشيخ وطابا، ومن المتوقع أن يمر عبر المعبر اليوم ما يقارب 5000 سائح".
كل ذلك يحدث مع عدم استنكار، بشكل عملي، لما يمارسه المحتل في الأراضي المقدّسة من انتهاك للأقصى، وقتل الشباب المقاوم، وإتاحة الفرصة للمستوطنين المتطرفين لتدنيس المسجد الأقصى، وبكل أسف لم نسمع من الدول التي سارت على درب الإمارات في التطبيع أي استنكار أو اعتراض عمّا يمارسه الصهاينة في القدس، والضفة الغربية من انتهاكات صارخة في حق الفلسطينيين.
أين المجتمع الدولي من انتهاكات الصهاينة؟!
العالم مشغول الآن بالصراع الروسي – الأطلسي على الأرض الأوكرانية، لأن المصالح الغربية مرتبطة بمصير هذا الصراع التي أججته الولايات المتحدة الأمريكية لإضعاف غريميها اللدودين المتمثلين في روسيا من جانب، والصين من جانب آخر.
ولكن إذا تعلق الأمر بالفلسطينيين وحقوقهم فالأمر مختلف تماماً، فعلى الرغم من استخدام العنف المفرط واستمرار الوحشية الصهيونية، في القدس والضفة الغربية، واعتقال وسقوط مئات الفلسطينيين بين قتيل وجريح، لم نسمع صوت الرئيس بايدن أو وزير خارجيته باستنكار العدوان على الفلسطينيين، ولم يصدر اعتراض أو موقف من الدول الغربية يطالب بوقف البطش الصهيوني الوحشي بالفلسطينيين.
والأدهى والأمر خفوت الصوت العربي الصادر من الأنظمة العربية، وتكتفي فقط ببيانات باهتة، ليس لها أي تأثير على المحتل الإسرائيلي، ومن جهة أخرى قيّدت الشعوب العربية، ومنعتهم من التعبير عن استيائهم من تلك الممارسات الوحشية في حق الفلسطينيين.
إن الوضع المأساوي في فلسطين المُحتلة، وممارسات العدو الصهيوني المتوحش، وإرهابه، وجرائمه، وافتراءه، وتواطؤ قوى كبرى معه، يستدعي أن يقف العالم وقفة صريحة وشجاعة مع نفسه ومع الحق، لا أن يتخلى عن كل ذلك من أجل إرضاء إسرائيل وحساباتها السياسية.
أدوار مطلوبة لتحرير الأقصى والمقدسات في فلسطين
إن مكانة المسجد الأقصى الدينية تبعث في نفوس المسلمين الاعتزاز بدينهم، والتمسّك بحقوقهم، والثقة بربهم، عز وجل، الذي يطلق أرواحهم إلى عوالم الكون الواسع فترتاد منها ما يبعث الشوق إلى الملأ الأعلى.
لقد بذل الصحابة، رضوان الله عليهم، والمسلمون من بعدهم دماءهم وأموالهم في سبيل القدس الشريفة، ففي غور الأردن دُفن أكثر من عشرين ألف صحابي، لا تزال جثامينهم شاهدة على ذلك، ثم استمرت المعارك الدامية فيما بعد، كمعركة اليرموك، وحطين، وعين جالوت، وباب الواد، واللطرون، وجبل المكبر، والكرامة… وغيرها كثير، ولا يزال الشباب الفلسطيني يُقدم أروع النماذج على الفداء والتضحية.
أقول: لن يتحرر المسجد الأقصى من دنس اليهود وإرهابهم وغطرستهم إلا بالشباب الواعي في كل فلسطين، وفي كل مكان في العالم، والمرابطين في داخله، فلا أمل في أنظمة انبطحت للعدو الصهيوني، ولم تقدم إلا الخذلان والتطبيع مع إسرائيل.
ويجب العمل على إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي بين الفصائل المختلفة، وتوحيد صفوفها، لأن الأخطار المحدقة بالقدس والمقدسات جسيمة، وهنالك مخططات خبيثة هادفة لسرقة القدس من أصحابها، وتصفية القضية الفلسطينية بشكل كلي.
كما يجب إعادة القضية الفلسطينية إلى مركز اهتمام الشعوب العربية والإسلامية، بعد أن تراجعت في فترات سابقة، ودعم المقاومة الشعبية في مواجهة هذا العدوان الغاشم بكل الوسائل المتاحة.
إنَّ الأمة الإسلامية بكل فئاتها مَدْعُوَّة اليوم أن تهبَّ، باستخدام كل إمكانياتها، لمُنَاصرة الأقصى، وحمايته من التدنيس والتدمير والعدوان المستمر الذي تمارسه إسرائيل، ويصمت عن هذه الانتهاكات المجتمع الدولي، ويساعدهم في ذلك الموقف المريب من الأنظمة العربية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.